الرقص الثنائي: موسيقى العشاق وخطواتهم في فن الباليه

تعــــرف الرقصــــــة الثنــائية بين المحبـــين في الباليـــه باســــم Pas de deux وتكون دائما من أجمل فقرات العرض البارزة، التي يعتني بها الموسيقي والمصمم على حد سواء، ومن أجلها يتم تأليف الثيمات والمقطوعات الموسيقية الرقيقة الخالدة، وتصميم الخطوات الأنيقة والحركات الساحرة، المعبرة عن لحظات الحب والصفاء والسعادة والأمان، والحزن والألم أحيانا، والندم الشديد بين يدي المحبوب. […]

الرقص الثنائي: موسيقى العشاق وخطواتهم في فن الباليه

[wpcc-script type=”8a39e40937f8cbd6b6e3ed53-text/javascript”]

تعــــرف الرقصــــــة الثنــائية بين المحبـــين في الباليـــه باســــم Pas de deux وتكون دائما من أجمل فقرات العرض البارزة، التي يعتني بها الموسيقي والمصمم على حد سواء، ومن أجلها يتم تأليف الثيمات والمقطوعات الموسيقية الرقيقة الخالدة، وتصميم الخطوات الأنيقة والحركات الساحرة، المعبرة عن لحظات الحب والصفاء والسعادة والأمان، والحزن والألم أحيانا، والندم الشديد بين يدي المحبوب.
هذه الرقصات الثنائية يؤديها الراقص الأول، والراقصة الأولى، أو الحبيب والحبيبة في الباليهات المختلفة، وهما يدركان ما لها من أهمية في إظهار مهارات كل منهما، نظرا لما تحظى به من شعبية وشهرة وانتشار، ربما يفوق بقية أجزاء الباليه، ولأنها تحتوي على الكثير من الحركات والإشارات الأساسية من دوران على ساق واحدة، وتحليق وارتفاع وخطو دائري ورقص على أصابع القدم، وحمل الراقص للباليرينا ودعمها عند الانحناء والاقتراب من الأرض وحمايتها من السقوط، وما يميز هذه الرقصة أيضا هو أن فيها تتبلور الفكرة الدرامية وتتركز المشاعر العميقة، التي تمهد في كثير من الأحيان لنهاية ما وقرار مهم، أو تكون مقدمة لتقلبات الأقدار العاصفة، وهذا يفرض على الراقصين ضرورة إخضاع الجسد والوجه للتعبير الدرامي، وتكون الحركة الواحدة معبرة عن أكثر من معنى، وندرك من خلالها الشعور الداخلي للشخصية الخيالية، وما يدور في رأسها من أفكار وحيرة وتردد وخوف وقلق، لذا يتطلب هذا الأمر من الراقصين، بالإضافة إلى إتقان الحركة، الكثير من قدرات التمثيل الصامت، والتواصل والتجاوب النفسي والعاطفي مع الآخر، ومع الشعور ذاته، إلى درجة أن يشعر المشاهد بأنه يتابع حوارهما غير المسموع ويفهم ما يقوله كل منهما للآخر.


ومن أجمل هذه الرقصات الثنائية، رقصة البجعة البيضاء، في باليه بحيرة البجع، الذي عرض للمرة الأولى عام 1877، ولا يزال حتى الآن من أهم وأشهر عروض الباليه الكلاسيكية، المتميزة بجمال موسيقاها التي ألفها تشايكوفسكي بعبقريته ورقة نفسه ورهافتها البالغة، كما أن للحكاية الخيالية في هذا الباليه جاذبيتها الآسرة، التي لا تفقد سحرها مع الزمن، ويتواصل التعاطف مع قصة حب الأمير سيغفريد للأميرة أوديت، الواقعة تحت سطوة تعويذة شريرة تحولها إلى بجعة بيضاء، وكما هي العادة في القصص الخيالية من هذا النوع، يكون الحب هو الخلاص من كافة الشرور، والسبيل الوحيد نحو السعادة والحرية، ورقصة البجعة البيضاء، تعبير رائع عن هذا الحب، وعطف الأمير سيغفريد على الأميرة أوديت، وتعاطفه مع مأساتها، وتصف الحركات البليغة كل هذه المشاعر، بداية من انغلاق الأميرة البجعة على نفسها وانكماشها، لكي تحمي جسدها وأسرارها أيضا، ويقوم الأمير بفتح ذراعيها أو جناحيها فتحركهما بما يوحي بالهشاشة والضعف، والتردد بين الخوف منه والثقة فيه، إلى أن تطمئن إليه وتصير الرقصة أكثر قوة وانفتاحا، ويدعم الراقص حركة الباليرينا طوال الوقت في الدوران والانحناء على ذراعه، ويعبر وجهه عن الحب والتأثر الشديد بمعاناتها.
وفي باليه روميو وجولييت، الذي يعد بالطبع من أشهر العروض الرومانسية، بمعالجته الراقصــــة لمسرحية شكسبير الخالدة، توجد واحدة من أهم الرقصات الثنائية في فن البالـــيه، وتعـــــرف أحيانا برقصة الشرفة، فمشهد الشرفة من المشـــاهد المهــــمة دائمــــا في كافة المعالجات الفنية ومنها، الأوبرا على سبيل المثال، وتتمـــيز هذه الرقصة بالسرعة والحيوية، والتعبير عن الغــــرام الذي يشـــتعل في قلبين صغــــيرين وجسدين نضرين، ونرى فيهــــما الجــــموح والانطلاق والإشراق، والسعادة ومتعـــة اكتشاف الحـــب، ويقوم الراقص بمساعدة الراقصة على التحليق وحملها كثيرا، كما ينحني عند قدميها وتغدق هي عليه العطف من أعلى، وتتكرر الخطوات السريعة في ما يشبه الركض، التي تقوم بها الراقصة، ويلحق بها الراقص في جو من المرح، إلى أن تنتهي الرقصة بخجل جولييت وهروبها بعد أن يقبلها روميو.
أما باليه جيزيل الذي يعد من أهم وأقدم العروض الكلاسيكية تماما، فإن الرقصة الثنائية فيه لها مكانتها الرفيعة في عالم الباليه، ويميزها العمق الدرامي وقوة التعبير ورهافة الحركة بشكل لا مثيل له، لأن الراقصة في هذه الرقصة لا تكون جيزيل الفتاة الحية وإنما تكون روح جيزيل بعد موتها، وحتى في حياتها يتطلب الرقص في هذا الدور نوعا خاصا من الأداء، يعبر عن ضعف هذه الفتاة المصابة بمرض في القلب، بالإضافة إلى طيبتها وحسن نواياها كريفية بسيطة، تقع في غرام ألبريخت الثري المخادع، الذي ينتمي إلى عائلة كريهة، يلعب بعواطفها ويخفي عنها حقيقة أن له خطيبة أخرى من وسطه الاجتماعي المنافق، وعندما تكتشف جيزيل الحقيقة المريرة، لا تحتمل الصدمة وتموت، وتتحول إلى روح تهيم في الليل، وتكون على وشك الانضمام إلى مجموعة كبيرة من أرواح الفتيات ضحايا الحب مثلها، يعملن على الانتقام من الرجال العابثين بقلوب البريئات، من خلال الحكم عليهم بالرقص حتى الموت، وفي ليلة يذهب ألبريخت إلى قبرها وهو يحمل الورود، بعد أن شعر بالذنب وندم على فعلته، فتخرج إليه روحها وتسامحه وتنقذه من الموت رقصا، وتقرر ألا تكون من مجموعة المنتقمات، وتفضل أن تعود إلى قبرها في سلام، وتعبر الرقصة عن كل ذلك، فلا يوجد استعراض للقوة الجسدية، وحركة الراقصة تتسم بالشفافية لأنها روح، والراقص يبدو متعبا لأنه محكوم عليه بالرقص حتى الموت، قبل أن تنقذه جيزيل، وتزيد الحركة بطئا ونعومة إلى أن تحنو عليه وتسامحه.

٭ كاتبة مصرية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *