العقدة !
[wpcc-script type=”386e4416094a9a360e4ed9d2-text/javascript”]
لانا مامكغ٭
مشهدُ امرأةٍ تقفُ على ناصية الشّارع قرب مركبةٍ أصيبَ أحدُ إطاراتها بعطبٍ مفاجئ؛ مشهدٌ يبدو عاديّا في بلادنا العربيّة، خاصّة حين يسارعُ أحدُ أولاد الحلال، وما أكثرُهم، لتبديل الإطار بمنتهى الشّهامة، بدون أن تبذل هي أيّ جهد يُذكر سوى التّفوّه بكلمة «شكرا» سريعة حاسمة باردة، ثمَّ لتمضي في طريقها بدون التفات.
وحين يحدثُ أن يخطرَ في بالها تغليفُ الكلمة بابتسامة امتنان، سرعان ما تعدل عنها لمّا تتذكّر أنَّ ابتسام المرأةِ في وجه الرّجل يُقلّلُ من هيبتها، وقد يُعطي له انطباعا غير لائق عن أخلاقِها! تُرى، لو كانت قد ساهمت امرأةُ ما في تصميم المركبات، أكانت ستفطنُ لهذه النّقطة فتعمل جهدَها وإبداعَها لتصميم مركبةٍ عصيّةٍ عن مثل هذا العطب، حتى تُغني النّساء عن الحرج، وعن الحاجةِ الدّائمة إلى عضلات الجنس الخشن؟
هذا ولم نتطرّق بعد للخصومة التّاريخيّة بين المرأة وفنون الميكانيكا، فمعظمنا يكتفين بقيادة المركبة، أمّا شؤون الصّيانة والتّعامل مع الفنّيين في هذا المجال، فغالبا ما يتوّلاه أحدُ رجال العائلة.
تطلّعي حولكِ عزيزتي القارئة، وتفحّصي أشياءكِ وحوائجكِ كلَّها بدءا بأدوات المطبخ، وانتهاء بعدّة الماكياج، لتجدي أنَّها جميعها من تصميم الرّجال، ومن إبداع خيالهم وزعمهم بفهمِ متطلّبات المرأة، ومقتضيات الأنوثة، ثمَّ لتكتشفي أنَّهم إن كانوا قد أصابوا مرّة؛ فلقد أخطأوا عشرات المرّات، استمعي مثلا لضجيج مجفّف شعرك، ولقرقعة الخلاّط في مطبخك، وزعيق مكنستكِ الكهربائيّة، لتكتشفي أنَّ ضجيجها كفيلٌ بتفتيتِ كتلتكِ العصبيّة بدون رحمة، لكنّه الصّخب القسريّ الذي تضطرين إلى التعامل شبه اليوميّ معه، ثمَّ ليعودَ الزّوج ويسألكِ عن تردّي مزاجكِ آخرَ النّهار!
الرّجال هم الذين صمّموا لكِ حقيبة يدك وحذاءكِ، وشكلَ مرآتكِ وعطركِ، وما ترتدينه، تجدينهم يعودون ليعلنوا عن تلك المنتجات بأسلوبٍ سقيمٍ في الغالب، إذ يُصوّرون المرأة في الإعلانات لا تستخدمُ مزيلات رائحة العرق، أو العطور إلا لاجتذابهم إليكِ!
باختصار، وبمنتهى السّذاجة، يُقدّمون أنفسَهم إلينا كمخلوقاتٍ فطريّة تُحركّها الغريزة، ويتخيّلون أنَّ مهمّتنا الوحيدة في هذه الدّنيا الفانية، هي تحريكُ هذه الغريزة وتعزيزُها!
وثمّة إعلاناتٌ ترى فيها المرأةَ تبتسمُ وهي تغسلُ الأواني والثّياب والبلاط، وتأخذها الفرحةُ وتحفُّ بها السّعادة وهي تكوي القمصان وتطوي الجوارب. إرصدي، عزيزتي القارئة، دعايات مساحيق الغسيل والتّنظيف والتّلميع والغسّالات الأتوماتيكيّة والمكاوي والمناشر لتريْ العجب! وبعد، يبدو أنَّ فرحتنا بتألّق امرأةِ هنا، وتميّزِ أخرى هناك في مجال العلوم أو السّياسة أو الاقتصاد وغيرها، هي فرحةٌ في غير محلّها ما دامت تفاصيلُ حياتنا الأخرى من تصميم الرّجال تبعا لمزاجهم وأذواقهم، ولصورتهم الانطباعيّة القاصرة عن عالم المرأة عموما، هذا بدون أن نُنكرَ أنَّ نسبة كبيرة من نسائنا مأخوذاتٍ بالقشور والشّكليّات، ومريضاتٍ بالموضة، وبآخر ما أنتجه تجّار الجمال المصنوع، بدون هدفٍ سوى إفراغ جيوبنا، وإشغالنا بالتّفاهات، وتحويلنا إلى كائناتٍ استهلاكيّة سطحيّة ومجوّفة وتابعة لنزواتهم المُغرضة.
ولعلَّ المشكلة الكبرى ما زالت تكمنُ في غياب المُبدعات منّا عن أسواق الصّناعة وعلوم التّسويق وفنون الإعلان! ولعلَّ العقدة الكبرى لم تعد في فهم الرّجل للمرأة، بقدر حاجة المرأة لفهم نفسِها، وللعمل على إثبات استقلاليّتها وحضورِها بأدواتٍ ووسائلَ أجدى وأكرم وأنفع، بدل تلك البكائيات الممّلة عن سبل تحرير المرأة!
٭ كاتبة أردنية ووزيرة سابقة