إن المرحلة التنموية التي نعيشها تحتاج الكثير من المتخصصين في النواحي العلمية، وهذا أمر لا يخالطه الشك، وتحتاج العدييد من المؤهلين والمستجيبين لحاجات سوق العمل، ومتطلبات القطاع الخاص على وجه التحديد وبدرجة لا يساورها الشك أيضاً، ولكن التحولات الاجتماعية والتربوية والسلوكية والفكرية التي نمر بها، تحتاج أيضاً البناء الإنساني، نسبة إلى تلك التخصصات، وإلى القاعدة الصلبة التي توفر لذلك الخريج، الذي تتطلبه احتياجات التنمية، قدراً من الاستيعاب والتفكير، بل والتوازن في التعامل مع معطيات التنمية واحتياجاتها.
إن المتتبع يلحظ أن هناك تناسقاً وتمازجاً بين التخصصات العلمية والإنسانية في الكثير من الدول التي سبقتنا نمواً وتنمية، ويستشف انعكاس تلك التوأمة على ما وصلت إليه تلك الدول من تطور وازدهار.. بل إن تقدم تلك الدول، وبروز أهمية التخصصات العلمية، والحاجة لبعض التخصصات حسب حاجات سوق العمل، لم يقلل من أهمية الحفاظ على التخصصات الإنسانية، مع التوازن مع متطلبات المرحلة، حيث تحظى تلك التخصصات بالكثير من الاهتمام والعناية.
إن الفكر المجتمعي، وصناعته وبناءه، يحتاج الاهتمام بالعلوم الإنسانية والاهتمام بمراكز البحث المتخصصة في هذه المجالات، مع التأكيد على الاهتمام بالتخصصات العلمية ودعمها وتشجيعها. وقد كان ذلك مدركاً حتى في الدول حديثة التنمية، أو الناشئة، كما يحلو للبعض أن يسميها. وتجربة ماليزيا، التي نتغنى بها كثيراً هي خير مثال على ذلك، فالمطلع على رؤية واستراتيجية ماليزيا والتي تمت صياغتها واعتمادها في عام ١٩٩١م في عهد رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد يلحظ تركيز الاستراتيجية، وتركيز مهاتير محمد شخصياً، على أهمية التوازن بين كافة العلوم والتخصصات، حيث حرص مهاتير أن يكون هناك عناية واهتمام بكافة النواحي العلمية والاقتصادية، والاجتماعية، والروحية، والفكرية. الأمر نفسه ينطبق على الجهود التي قامت بها الهند عند إعدادها لرؤيتها في العام ١٩٩٨م، حيث أشركت كافة المتخصصين ومن كافة العلوم الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والعلمية وغيرها.
إن هذا لا يعني التوقف، أو النكوص، عن التوجه الذي تبنته الجامعات الجديدة في اختيارها لتخصصاتها وبرامجها، ولكنها دعوة أن نعطي التخصصات الإنسانية والاجتماعية، ما تستحقه من عناية واهتمام حسب المرحلة التنموية التي نعيشها، إذ لا تنمية بدون تمازج بين العلم والفكر، ولكل دوره وأهميته.
المصدر: الفريق الاجتماعي