الفلك بالأشعّة فوق البنفسجيّة… واكتشاف الكون السّاخن

إنّ علم الفلك بالأشعّة فوق البنفسجيّة هو أحد فروع علم الفلك الذي يتعامل مع الأجسام الفضائيّة ذات الاشعاع الكهرومغناطيسي ضمن مجال الأشعّة فوق البنفسجيّة.

فالطّيف الضّوئي الذي نراه من الأجسام في الكون هو جزأ صغير للغاية من الإشعاع الصّادر عنها. من الصّعب على عقلك أن يتخيّل هذا المفهوم إذا بقيتَ تفكّرُ فقط فيما تراه عيناك في هذا الكون. لكن رغم ذلك، قام العلماء بخطوات جبّارة في القرنين الماضيين عن طريق معرفة أصول النّجوم وكيفيّة تطوّرها، واكتشاف الكواكب والمجرّات، وكلُّ ذلك لم يكُن مُمكناً مالم يستطيعوا تحديد أشكال الضّوء الأُخرى.
 
أصبح هناك اليوم تخصُّصات في علم الفلك، كدراسة أشعة غاما، اكتشافات الأشعّة السينيّة والفوق بنفسجيّة بالإضافة لفلك الضّوء المرئي (الذي يُدعى أحياناً  الفلك البَصَري). أطوال موجيّة مُختلفة من الضّوء (التردُّدات في حالة الأشعّة الراديويّة أو أشعة المايكروويف الفلكيّة) تُخبرنا الكثير عن الحرارة والسُرعة والتركيب الكيميائي وجوانب أُخرى كثيرة عن الأجسام الفضائيّة.

الضّوء غير المرئي

يستخدم علم الفلك الأشعّة فوق البنفسجيّة المُنبعثة من الأجسام البعيدة لفهم تركيبها الكيميائي، كثافتها، درجة حرارتها، وتطوُّرها. على سبيل المثال مراكز المجرّات تكون عادةً المناطق الأكثر نشاطاً في الكون، وتتميّز بتوهُّج واضح للإشعاع فوق البنفسجي. منابع الأشعة فوق البنفسجيّة تلك قد تكونُ من النّجوم الشّديدة الحرارة التي تُشكّل الأقراص المُحيطة بالثّقوب السّوداء (حيث أنّ هذه المواد التي تُشكّل الدوامة المُحيطة بالثّقب الأسود تسخُن لدرجات حرارة مُرتفعة جداً).

النّجوم الجديدة والحارّة هي ذات إشعاع فوق بنفسجي ساطع بشكل لا يُصدّق. والمُثير للاهتمام أنّ هذه النّجوم تُسخّن سحابات الغاز والغُبار من حولها (حيثُ تولد هذه النّجوم)، وهذا ما يُسبّب الغمامات المتوهّجة حول النّجوم.

تُحطّم الأشعّة فوق البنفسجيّة كذلك جزيئات الغاز في السّحابة ومع مرور الزّمن عملية التّأيين هذه تُدعى “نحت الكهوف في الغيوم المُحيطة بالنّجوم”.

كذلك تكشفُ لنا الأشعة فوق البنفسجيّة الخاصّة بالنّجوم نشاطاتها في المجرّات حيثُ وُلدَت، فإذا ما نظرتُم إلى مجرّة ما، غالباً ما ترون مناطق زرقاء لامعة في الأذرُع الحلزونيّة. هذا ما يُخبِرُنا أين هي جميع النّجوم الحارّة، بالإضافةِ إلى متى تتصادمُ المجرّات، وترتفعُ حرارتُها.

التجاذُب يُسبّب تصادم المجرّات من خلال حركة السّحب المُحيطة بها، والمكوّنة من الغازات والغُبار، وهذا التصادُم يلعبُ دوراً في ولادة النّجوم الشّابّة العملاقة. والتي تتوهّج بالأشعّة فوق البنفسجيّة، ولهذا الّسبب تبدو صور العديد من المجرّات تتصادم لتُعطي النّجوم السّاخنة، والتي ولدت نتاجاً لهذه الأحداث المَجَرّية.

عند موت النّجم أيضاً يُصدرُ الأشعّة فوق البنفسجيّة، والتي تسمحُ لعُلماء الفلك بتتبُّع تسلسُل الأحداث عندما تُوشك النّجوم على المَوت. إنّ الأشعّة فوق البنفسجيّة هي بمثابة الضّوء الذي يُنيرُ لنا الأحداث المُبكّرة والمراحل المُتأخّرة في حياة النّجم.

كيف نستطيعُ الكشفَ عن الأشعّة فوق البنفسجيّة؟

ليس من السّهل اكتشاف الأشعة فوق البنفسجيّة على الأرض. بالتّأكيد بعض هذه الأشعّة يأتينا من الشّمس والأجسام الأُخرى (الأشعة فوق البنفسجيّة التي تأتينا من الشّمس هي تِلك التي تحرق الجلد) لكنّ غالبية الأشعّة فوق البنفسجيّة تشعُّها الأجسام البعيدة والتي تمتصُّها طبقة الأتموسفير الأرضيّة. لذا كي نُشاهد الأشعة فوق البنفسجيّة يقوم علماء الفلك اليوم بإرسال بعض الأدوات إلى الفضاء. أوّلُها كانت الصّواريخ الصوتيّة التي تحمُل المعدات اللازمة للكشف عن الأشعة فوق البنفسجيّة، لكن بالنهاية تمّ تجهيز المراصِد المداريّة بمُستكشفات الأشعّة فوق البنفسجيّة، ومنها تليسكوب مرصد هابل الفضائي والمُزوّد بجميع الأجهزة الحسّاسة للأشعّة فوق البنفسجيّة.

حتّى الآن هُناك ما لا يقل عن 16 بعثة من الأدوات الحسّاسة للأشعة فوق البنفسجيّة، وهناك أكثر منها قيد التّخطيط. منذُ أن أصبحت هذه الأدوات تدورُ بشكلٍ جيّدٍ خارج الغلاف الجوّي، أصبحت وبالإضافة للمراصِد تُعطينا حاليّاً النَظرة الأفضل لحرارة وطاقة الكون والتي تكشفها لنا الأشعّة فوق البنفسجيّة.

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *