“القدس العربي” تنشر حلقة جديدة من اعترافات إسرائيلية عن أكبر عملية سرقة مسلحة في التاريخ

الناصرة- "القدس العربي": تواصل "القدس العربي" نشر مقاطع من الكتاب الجديد الهام للمؤرخ الإسرائيلي آدم راز حول أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ، تمثلت بسرقة

“القدس العربي” تنشر حلقة جديدة من اعترافات إسرائيلية عن أكبر عملية سرقة مسلحة في التاريخ

[wpcc-script type=”b0435569e1ddb82e919d4d3d-text/javascript”]

الناصرة- “القدس العربي”:

تواصل “القدس العربي” نشر مقاطع من الكتاب الجديد الهام للمؤرخ الإسرائيلي آدم راز حول أكبر عملية سطو مسلح في التاريخ، تمثلت بسرقة الإسرائيليين ممتلكات الفلسطينيين المنقولة خلال 1948. في الكتاب “سلب الممتلكات العربية في حرب الاستقلال” يكشف راز أن رئيس حكومة الاحتلال الأولى دافيد بن غوريون كان قد عبّر عن أسفه للظاهرة، وقال حسب محضر لجلسة عمل لحزبه “مباي” إنه قد اكتشف أن معظم اليهود لصوص.

لكن الكتاب الإسرائيلي يكشف أن هذا كان مجرد تسجيل للبروتوكول، وأن بن غوريون ومعظم القيادات الإسرائيلية شجعت سلب ونهب بيوت ومتاجر الفلسطينيين بدوافع سياسية. مشددا في استنتاجاته على أن السرقة كانت وسيلة في تحقيق سياسة تفريغ البلاد من سكانها العرب الفلسطينيين ومنع عودتهم بعد تهجيرهم، وتكريس الفصل بين الشعبين بجدران من الكراهية.

ويقول المؤرخ الإسرائيلي آدم راز إن كتابه يكشف عن الكثير من أعمال السلب والنهب للممتلكات المحمولة الفلسطينية عام 1948، وهو يعتبرها ظاهرة تميزت بثقل حاسم في صياغة المجتمع والدولة في إسرائيل لكن تم إسكاتها وطمسها في الذاكرة الجماعية التاريخية لدى الإسرائيليين. موضحا أن الإسرائيليين المشاركين في السلب والنهب هم مدنيون وجنود كبار وصغار رجال ونساء، متدينون وعلمانيون كافتهم شاركوا في سطو جماعي منفلت.

متجاهلا سرقة البلاد ذاتها، يتساءل راز في كتابه لماذا صرف الحكم المركزي النظر عن عمليات السرقة للأملاك العربية؟ لماذا لم يمارس رئيس حكومة إسرائيل ووزير أمنها الأول دافيد بن غوريون صلاحياته لمنع السطو رغم تحذيرات من قبل عدة جهات من انعكسات الظاهرة الحقيرة على صورة المجتمع الإسرائيلي؟

ويتابع: “في يافا وحيفا وطبريا والقدس، كان اليهود يحملون المقاعد والأثاث والبيانوهات من البيوت الفلسطينية في شاحنات تحت مرأى ومسمع الجميع، لكن الجميع صمت”. راز الذي يعمل باحثا في معهد “عكافوت” لدراسة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، يتناول قضية السلب والنهب في كتاب متكامل، فيما كتب عنها بعض الباحثين من قبل بشكل متفرق وعابر.

ويقول راز في الكتاب إنه بخلاف باحثين آخرين، يرى بهذه السرقة الجماعية حدثا أكبر مما تم التعامل معه فعليا حتى الآن. ورغم تحفظات بعض القيادات الإسرائيلية من السطو المسلح الفوضوي لكن كثيرين منهم سكتوا عنه، معتبرا إياه “حادثة خاصة” لأن اليهود سرقوا جيرانهم العرب. ويضيف: “لكم يكن هؤلاء أعداء افتراضيين واصطناعيين خلف المحيط، إنما جيران الأمس وطيلة أجيال متعاقبة”.

ويتساءل المؤرخ عما إذا كانت عمليات السلب والنهب ظاهرة طبيعية عتيقة في الحروب والمواجهات كما فعل البولنديون مع اليهود خلال الحرب العالمية الثانية؟ وما يلبث أن يقول إنه لم يعالج في كتابه هذه الظاهرة بشكل عام، إنما في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية.

ويتابع: “كان مهما لي أن التشديد على أن سرقة الإسرائيليين للفلسطينيين في 1948 كانت مختلفة عن سرقة أخرى تتم أثناء حرب. لم يكن هؤلاء على سبيل المثال جنودا أمريكيين سرقوا من الفيتناميين أو الألمان على بعد آلاف الكيلومترات من بيوتهم. إنما كان هؤلاء مدنيون ممن سرقوا جيرانهم، ولا أقول إنه بالضرورة عرف السارق نورة أو أحمد أو سعيد ممن تمت سرقتهم، لكن الجيران شركاء في النسيج الاجتماعي المدني المشترك، خاصة أنه كان هناك من أنذر وحذّر من  عمليات سلب ونهب محتملة مسبقا”.

ليس هذا فحسب، بل يشير راز إلى أن اليهود الذين سرقوا ممتلكات 70 ألف فلسطيني في حيفا كانوا يعرفونهم كونهم جيران، لافتا إلى أن هذا صحيح في بقية المدن المختلطة والقرى المجاورة للمستوطنات أيضا.

يتضمن الكتاب نماذج كثيرة جدا  تظهر أن من قام بالسلب والنهب لممتلكات الفلسطينيين كانوا يعلمون بأنهم يقومون بما هو غير أخلاقي، مثلما كانوا يعلمون أن معظم المدنيين الفلسطينيين لم يشاركوا في حرب 1948. ويتابع: “معظم عمليات السرقة تمت بعد الحرب وفي الأسابيع الأولى بعد الهجرة أو التهجير. ومع ذلك لم تكن هذه حوادث نادرة. كمؤرخ لست مؤيدا للتاريخ المقارن مثلما لم أجد أنه من الممكن  الاستدلال على سرقة ممتلكات الفلسطينيين من سرقات أخرى في التاريخ”.

شهادات من القدس الغربية

ويستدل من الكتاب أنه بخلاف طبريا وحيفا، استمرت أعمال السلب والنهب في القدس طيلة شهور. ويقتبس راز قائد وحدة صهيونية عملت في المدينة يدعى موشيه سلومون، الذي كتب في مذكراته: “انجر الجميع للسرقة جنودا وضباطا، وشهوة السرقة لازمتهم. فنبشوا وفتشوا في كل بيت، وكدّت أنجر أنا معهم. ففي هذه المنطقة لا يوجد حدّ لأفعال الإنسان.. وهنا يبدأ المنزلق الأخلاقي والإنساني ولذا يمكن فهم ما جاء في التوراة ومعناه: في الحروب تتلاشى قيم الأخلاق والإنسانية”.

وضمن وصفه لجريمة سلب ونهب الأحياء الفلسطينية في القدس الغربية (الطالبية والقطمون والبقعة والحي اليوناني والحي الألماني ) يقتبس راز من يائير غورن أحد سكان القدس الذي قال في يومياته: “اللهاث خلف الغنائم بلغ أوجه.. فالناس رجالا ونساء وأطفالا تجولوا هنا وهناك كالفئران المسمومة، وبعضهم تشاجر على هذا الغرض المسروق أو ذاك، لدرجة تبادل الضرب الدامي”.

أما القائد الياهو سيلع ضابط العمليات في وحدة “هارئيل” فيروي في شهادته في كتاب راز  كيف تم تحميل بيانوهات ومقاعد مذهبة على شاحنات. “كانت تلك صورة مرعبة جدا وشاهدت جنودا يندهشون لرؤية راديو فيتنافسون على سرقته وما لبثوا أن هجموا على أثاث المنازل وأخذوا ما أمكن حمله”.

خجول أم أحمق

كما يورد الكتاب شهادة لدافيد سنتور محاضر في الجامعة العبرية في القدس، أحد قادة منظمة “بريت شالوم” اليهودية التي عملت قبل 1948 من أجل تسوية الصراع بتسوية الدولة الواحدة: “عندما كنت تمر في شوارع حي رحافيا ترى في كل موقع شيباً وشباناً وأولاداً يعودون من حي القطمون وغيره من الأحياء ويحملون أكياساً مليئة بالمسروقات: فراش وثلاجات وساعات وكتب وثياب داخلية. أي فضيحة جلبها اللصوص اليهود وأي دمار أخلاقي يقومون به، فهذا الانفلات ينتشر بين الصغار والكبار”.

أما ضابط العمليات في وحدة “عتسيوني” الياهو أربيل، فيروي في شهادته كيف قام جنود يلفون أنفسهم بسجادات فارسية الصنع سرقوها من بيوت فلسطينية. ويتابع: “في إحدى الليالي شاهدنا سيارة عالقة على حافة الشارع وعندما تقدمنا نحوها شاهدنا أنها محملة بثلاجات وبيتفوناهات وسجاد وكل ما يخطر ببالك. فقال لي السائق: زودني بعنوان بيتك كي أحضر لك نصيبك مما تريد. لم أعلم ما أفعل وهل اعتقله أو اقتله؟ وقلت له: أغرب عن وجهي واذهب للجحيم. لاحقا وجدت السائق في دكان، فعرض علي ثلاجة بسعر مخفض: 100 ليرة فقط، وعندها قلت له: أنت لا تخجل فقال: هل ينبغي أن أخجل أم أنك أحمق؟”.

كما يشير الياهو أربيل أن جارته عرضت على زوجته ما هو مشابه وقتها  بقولها: أحضرت من صفد العربية أشياء جميلة لي وربما لك: فساتين مخملية جميلة جدا ومناديل وحلق وحلي وطاولة دمشقية ومنظومة فناجين قهوة فضية رائعة وسجادة فارسية لم أر مثل جمالها من قبل، وكذلك أثاث صالون يمكنه منافسة أثاث بيوت تل أبيب”.

سرقات أخرى

ويشير الكتاب بشكل عابر لسرقات قام بها فلسطينيون ضد أملاك يهودية، ويقول لمن يتساءل لماذا لم يكتب عن مصير ممتلكات اليهود في دول عربية عام 1948، فيقول: “هذا الكتاب وثيقة تاريخية وليس لائحة اتهام، وهو يعالج سرقة الممتلكات الفلسطينية في 1948 ولا يعالج عمليات سرقة في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ الهجرة اليهودية الأولى حتى دونالد ترامب. أعتقد أن سرقة ممتلكات  تترك تبعات على علاقات الفلسطينيين- الإسرائيليين حتى اليوم وهذا لا يشبه مذابح وسرقات العرب بحق اليهود في أحداث هبة البراق عام 1929، وكذلك فإن السارقين العرب لأملاك يهودية عام 48 كانوا من دول مجاورة لا الفلسطينيين والحجم مختلف تماما. كذلك سرقة الممتلكات اليهودية في دول عربية هي موضوع مثير، لكن لا علاقة له في كتابي الجديد الهادف في قسمه الأول لوصف مشاهد السلب والنهب كظاهرة شائعة طيلة شهور، وفي قسمه الثاني شرح وفهم ما حصل كظاهرة تندمج في الخط السياسي”.

أحكام مضحكة

ويشير الكتاب إلى أن السلطات الإسرائيلية فتحت ملفات قضائية ضد اللصوص اليهود، لكن الأحكام كانت مخففة ومضحكة. وهذا ما دفع بعض الوزراء في الحكومة العبرية الأولى لتوجيه انتقادات لهذه الأحكام.

ويقتبس الكتاب الإسرائيلي ما رواه الكاتب الصحافي الفلسطيني الراحل فوزي الأسمر ابن مدينة اللد، حول عمليات السلب والنهب. وبذلك يتطابق مع رواه لـ”القدس العربي” الشيخ الراحل فائق أبو منة، من اللد قبل رحيله: “بعد مذبحة جامع دهمش في اللد في 12 يوليو/ تموز 1948، أجبروني مع بعض الشباب على نقل جثث 70 ضحية للمقبرة الإسلامية في المدينة. تم نقل الجثث بتعليمات الجيش إلى المقبرة بالسيارات، وكان الجنود الصهاينة يمنعوننا من دفن الجثامين وأجبرونا على حرقها. جمعنا الأخشاب والأعشاب اليابسة في المقبرة وأمرونا بجلب القماش والملابس من المنازل المجاورة وتكديسها على الجثث… أذكر أننا وخلال بحثنا في المنازل المهجرة عن كل ما هو قابل للاشتعال  وجدنا بدلة عروس أيضا بدت جديدة ولم ترتديها صاحبتها بعد. بلّلنا الجثث بالكاز وأضرمنا النار بها بعد أن نظفنا ملابس الموتى من الأدوات البسيطة كالسكاكين الصغيرة والأموال والخواتم التي كانت معهن والتي سرقها الجنود طبعا، وما هي لحظات حتى ارتفعت ألسنة اللهب نحو 20 مترا… ثم اقتادونا إلى الاعتقال لسجن في منطقة  “إجليل”.

تحفظات على البروتوكول

ويوضح راز أنه يتناول في كتابه قصة سياسية، لافتا لوجود قيادات إسرائيلية احتملت هذا السطو المسلح على ممتلكات الفلسطينيين وعلى رأسهم دافيد بن غوريون رغم تحفظاته من الظاهرة في اجتماعات رسمية.

ويعتقد راز أن الظاهرة هذه ساهمت في صياغة وجه المجتمع الإسرائيلي، فقد سمحوا باستمرار السلب والنهب دون إزعاج، وهذا يحتاج لـ”تفسير سياسي”. ويقدم راز تفسيره لهذا السطو المسلح بالقول في كتابه: “السرقة كانت وسيلة في تحقيق سياسة تفريغ البلاد من سكانها العرب. أولا بالمفهوم البسيط حولّت السرقة السارقين إلى مجرمين. ثانيا فإن السرقة حولت السارقين الذين قاموا بأفعال فردية لشركاء رغما عنهم في الفعل السياسي وشركاء سلبيين في الخط السياسي الرامي لتفريغ البلاد من سكانها وإلى معنيين بعدم عودتهم حتى دون أن يكونوا واعين لمشاركتهم بهذا المعنى. كما أن هناك تأثيرا بعيد المدى لهذه المشاركة بين السرقة الفردية وبين الخط السياسي العام: عززت الخط السياسي الذي رعى التباعد والفصل بين الشعبين بعد الحرب”.

ويستنتج من قراءة الكتاب بهذا المضمار أن بعض القادة الإسرائيليين وجهوا انتقادات للظاهرة كسرقات فردية أو على المستوى السياسي، ومنهم من اعتقد بأن سماح بن غوريون باستمرار السلب والنهب طيلة شهور كان يهدف لخلق واقع سياسي واجتماعي معين وقد استخدمها وسيلة لتحقيق أهدافه، لكنهم طبعا كانوا يفضلون أن تجمع مؤسسة رسمية هذه الممتلكات الفلسطينية منعا لتفشي الفساد وتشجيعه في صفوف اليهود”.

ويشير لمطالبة عدد من الوزراء بذلك، أمثال وزير الأقليات بخور شالوم شطريت ممن انتقدوا السرقات الفردية بدلا من تركيز ممتلكات الفلسطينيين بواسطة سلطة إسرائيلية خاصة، وهذا ما رفضه بن غوريون.

ويخلص آدم راز للقول: “سرقة أملاك الفلسطينيين والصمت حيالها تشكل ظاهرة على اليهود والإسرائيليين مواجهتها، وسبق أن قال القائد الصهيوني مارتن بوبر في هذا السياق:لا يمكن اقتناء الخلاص الداخلي إلا إذا نظرنا في الوجه القاتل للحقيقة”.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *