الكيمياء الشكسبيرية (شكسيبر الكيميائي)

في الواقع اننا لا نبالغ كثيرا في تقرير ان العديد من مسرحيات شكسبير الرنانة كان سوف تكون اقل وقعا ادبيا لو خات من العامل الكيميائي في صميم حبكتها الدرامية. خذ على ذلك مثلا مسرحية (هاملت) التي و ان كانت اقيمت على الصراع النفسي لكارثة قتل ابية عبر مؤامرة عائلية قذرة، الا ان القصة كذلك اعتمدت و بشكل متكرر (و ان شئت فقل بشك فج) على احد المركبات الكيميائية و هو السم الذي يظهر في جميع نواحي الرواية. فمنذ تسميم الملك الاب بطريقة خادعة ليظهر كانه فقط لدغته حية في حديقة القصر، الى شرب الملكة الام الخائنة لكأس السم عن طريق الخطأ الذي اعد اصلا لقتل هاملت لتختتم المأساة بقتل العم الخسيس بالسيف المسموم و اخيرا تجرع هاملت القلق و المصاب بالاضطراب النفسي للسم. كما ذكرت الحبكة الدرامية كانت سوف تكون باهتة نوعا ما لو خلت العامل المساعد الكيميائي لكن الامر لم ينتهي هنا بل يصل لحد التكهن ان شكسبير اقتبس هذه المأساة الدرامية من شخصية كيميائية شهيرة و هي خالد بن يزيد بن معاوية اول كيميائي في الاسلام و الذي في ثنايا حياته بعض التشابة مع قصة هاملت الدنمركي المتخيلة. من ذلك مثلا انه بدلا من الاخ فان ابن العمومة مروان بن الحكم الذين يناظر العم في المسرحية يقال (و العهدة على بعض كتب الاخبار) انه تحايل على قتل يزيد بن معاوية ليخلفة في ملكة و من ثم يتزوج ارملته ام خالد و يتقصد اهانة ابنها خالد بن يزيد بالتعريض بأمه. المفارقة ان هاملت العرب لم يكن سلبا و مهزوزا و مترددا مثل هاملت العجم و انما شغل نفسة بتعلم علم الخيمياء ليقوي موقفه المالي والسياسي كما يزعم بعض المحللين.

 
ليل العاشقين و حلم ليلة صيف:
تعتبر مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف من اشهر مسرحيات شكسبير الهزلية و هنا ايضا سنجد ان الحبكة الهزلية كانت قائمة بشكل محوري على الكيمياء كما هو الحال مع الحبكة الدرامية في هاملت. في المسرحية الهزلية بعد خصام بين أوبيرون ملك الجن و زوجته المتعجرفة تيتانيا فان الملك يكيد للملكة حيث يدس لها من يقطر في عينيها بعصارة زهرة الحب السحرية التي تجعل الشخص يقع في حب اول كائن يبصره و الذي كان من سوء حظ الملكة انسان اخرق يضع راس حمار على كتفية. الرابطة و الاصرة الكيميائية بين هذه المسرحية و علم الخيمياء تتجاوز دور الكيمياء في تشكيل العواطف الانسانية و كيمياء المشاعر الى اعطاء نموذج مثير للانتباه بين العلم و الفن. فقد طلبت شركة شكسبير الملكية( التي تتولى اقامت اقمة مسرحيات شكسبير في نفس مسرح شكسبير الدائري الشهير الذي اعيد بناءة بعد الحريق الذي دمره) من الجمعية الكيميائية البريطانية ان تنتج كيميائيا جرعة الحب المستخلصة من الزهرة الاسطورية المذكورة في المسرحية ومن الجدير بالذكر ان هذا الطلب تم في يوم عيد الحب الذي ارادت الشركة ان تمتزج فية كيمياء المشاعر بكيمياء العلم. استجابة لهذا التحدي طلبت الجمعية الكيميائية من فرع العطور لشركة ICI أكبر و اقدم الشركات الكيميائية في بريطاني ، ان تحاول تصنيع مركبات عضوية كيميائية عطرية تحقق هذا المزج بين الاسطورة و العلم. و قبل ان نودع احلام الصيف الخرافية و الوادعة يجدر ان نشير بنمذج اخر يربط بين شكسبير و الكيمياء فمن غرائب الصدف ان الاسم المختصر لشركة شكسيبر الملكية السابقة الذكر هو RSC و هو بالمناسبة نفس اختصارالجمعية الملكية الكيميائية البريطانية لذا فقد نكون بذلك لم نكن نماحك و نبالغ كثيرا ان هنالك رابطة كيميائية (لعلها رابطة تساهمية) بين اديب الانجليزية الاوحد و بين العلم المحوري الموسوم بالكيمياء.
 
تجلي الكيمياء في روميو و جولييت:
لمزيد من التدليل ان الحبكه الدرامية الشكسبيرية الفريدة كانت ستكون ناقصة و ضعيفة لو فقد عنصر العامل الكيميائي منها، فيكفي ان نشير الى ان المسار القصصي لمسرحية شكسيبر الاكثر شهرة روميو و جولييت، كان سوف يختلف كثيرا لو خلت المسرحية من البعد الكيميائي المثمثل في تناول البطلة المتيمة لدواء و منوم خاص يعطل نشاطها الفسيولوجي الظاهري فتبدو كالميته ليتم بذلك خداع الاسرتين المتعاديتين و من ثم يقوم القسيس بإخراجها من قبرها و ايقاضها من غفوتها ليعيدها الى محبوبها لو لم تسيرالاحداث في الطريق الخاطأ حيث يعتقد روميو المفجوع ان حبيبته انتحرت فعلا فينتحر هو بدورة لتصل الامور الى قمة مأساويتها عندما تصحو جولييت من غفوتها لتجد محبوبها ميتا. العجيب في الامر ان هذا الدواء الكيميائي الذى وظفه شكسبير في صلب حبكته الدرامية، ليس مركب خيالي تماما. فمن الاعتقادات الشائعة في جزيرة هايتي ان بعض السحرة و المشعودين بمقدورهم دس بودرة سحرية لضحاياهم تعطل نشاطاتهم الحيوية فيظهرون كانهم اموات طبيا. و بعد ان يظن اهليهم انهم ماتو يدفنونهم ثم بعد ساعات ياتي اولئك الاوغاد فيخرجونهم من القبور ثم سقونهم اشربة مهلوسة ومن ثم يبيعونهم كعبيد وسخرة في مزارع قصب السكر. هولاء الاشخاص الخارجين من بين القبور يعرفون بالزومبي Zombie. لقد اهتم احد الباحثين من جامعة هارفرد بحقيقة هذه الاساطير و توصل لشراء بعض عينات من هذه البودرة السحرية المزعومة و عندما حللها و جدها خليط من اشياء عديدة من ظمنها اجزاء من السمكة المنتفخة puffer fish التي من المعروف انها تحتوي مركب سام يعرف بـ tetrodotoxinالذى يسبب الشلل و الموت ومن المعتقد انه يوثر على الجهاز العصبي المركزي و يسبب الخدر و الاغماء من ثم لعل مرحلة الغيبوبة و الكوما هذه هي التي تظهر الشخص المصاب و كأنه ميت. على كل حال لا اعتقد ان ثقافة شكسبير العالية بالتاريخ و الجفرافيا و صلت به الى سواح جزيرة هايتي الصغيرة و المنزوية والا اعطته مخرج درامي مؤثر و محبوك لمسرحيته العاطفية رمويو و جولييت فبدلا من انتحار البطلين يمكن تعديل المشهد الختامي المأساوي كالتالي: حسب اعتقاد اهل هايتي فان الشخص الزومبي الذي ينتشل من القبر يمكن التعرف عليه بصفاته المنفرة مثل العيون الصغيرة الزجاجية المنظر و الصعوبة في الكلام و الصوت الانفي البغيض و الحركات البلهاء. لذا بدلا من ان يعتقد روميو ان جوليت انتحرت يمكن ان تكون الحبكة الدرامية انه يبغضها و ينفر من هذا المسخ البشري الذي خرج من بين القبور. و بهذا لا يحتاج شكسبير ان يعقد القصة و يجعل البطلين و بعض الافراد يموتون في المشاهد الاخيرة بصورة متكلفة و غير مقنعة تماما (مثل افلام الهنود) بل انه في مسرحية عطيل و في المشاهد الاخيرة مات خمسة او ستة ممثلين دفعة واحدة ثلاثة منهم على نفس السرير.
 
و اخيرا اختم بالرجوع الى فكرة الانسان الزومبي الذي يخرج من بين الاموات، فقد استهوت الفكرة اهل الادب و الافلام السنمائية مثل احد افلام جمس بوند المسمى عش و دع غيرك يموت و لهذا لا تعجب ان القصص البوليسية و مغامرات الجاسوسية لها علاقة قوية بالكيمياء وهو ما آمل الحديث و الاشارة الى العلاقة بين الكيمياء و شارلوك هولمز و اجاثا كريستي و الجاسوس الخارق جمس بوند وهو ما ارجو ان يتم قريبا ان شاء الله.

المصدر: مجلة المياه

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *