مصداقية أي دولة في العالم، أحد عناصر قوتها، وأي مساس بهذه المصداقية يضعف موقفها محليا ودوليا، ويدفع باتجاه إهمال خطابها وعدم أخذه على محمل الجدية، والمصداقية تتأتى من موضوعية تشخيصها لمشكلاتها والتحديات التي تواجهها.
نستند إلى هذا التقديم للحديث عن التشخيص غير الواقعي لأوضاعنا التنموية الذي قدمته الحكومة من خلال أحد وزرائها الخميس الماضي أمام ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في نيويورك والمنظمات الأممية التابعة لها، وشارك في هذا الاجتماع كاتب هذه السطور.
وقد شخّص الوزير هذه الأوضاع بأن “الأردن أنجز ثلثي الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030″، وهو تقييم لا يعكس الواقع الذي نعيشه بأي شكل من الأشكال.
التشخيص قُدِّم الخميس الماضي خلال الاجتماعات الدورية للمنتدى السياسي رفيع المستوى لمراجعة التقارير الوطنية الطوعية التي تقدمها الحكومات عن مستوى التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، للعديد من الدول، ومنها الأردن، وتبيان التحديات التي تواجهها الدولة وتعرقل التقدم في هذا المجال.
ويعد جدول أعمال التنمية المستدامة 2030 إحدى أهم الأدوات السياساتية التي تستخدمها الحكومات وتسترشد بها لتحسين مستويات التقدم التنموي بأبعاده المختلفة، وتتكون هذه الأجندة العالمية من 17 هدفا تتضمن 169 غاية و232 مؤشرا.
هذه هي المرة الثانية التي تقدم بها الحكومة تقريرها للمراجعة من قبل المنتدى السياسي رفيع المستوى في الأمم المتحدة؛ حيث قدمت التقرير الأول سنة 2017، وفي كلا الاستعراضين قدمت بعض منظمات المجتمع المدني الأردنية تقارير ظل تبين مدى التقدم في إنجاز أهداف التنمية المستدامة من وجهة نظرها.
لا أعلم ما المنهجية التي استخدمتها الحكومة للوصول إلى هذا الاستنتاج المضلل، فهو يعاكس مختلف التقييمات التي أجريت محليا ودوليا لطبيعة المشكلات والتحديات التي نواجهها في الأردن، ويعرفها القاصي والداني، ويحس بها غالبية المواطنين، وتدركها معظم المنظمات الدولية ذات العلاقة، والدول التي يعنيها شأن الأردن ومستقبله.
ثم، هل أدركت الحكومة ومعدو التقرير ومقدموه إلى الأمم المتحدة، الارتفاعات الكبيرة في معدلات الفقر وزيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية في الموازنة العامة لمواجهته، والارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة بين القوى العاملة، وعلى وجه الخصوص بين الشباب والنساء.
أولم يدرك معدو التقرير ومقدموه الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع وثبات الأجور، وأنين غالبية العاملين بأجر الذين يحصلون أجورا شهرية تقل عن خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية، والشكاوى المتنامية من غالبية المواطنين جراء ذلك؟
أين هذا التقدم المزعوم بـ”إنجاز ثلثي أهداف التنمية المستدامة”، من التقييم الرسمي والشعبي بتراجع الرعاية الصحية والتعليم الذي يلمسه الجميع، وتقر به معظم مؤسسات الدولة؟!
لا أعلم كيف يتواءم هذا التقييم الذاتي للحكومة لمسارات التنمية المختلفة في الأردن مع مضامين تقارير حالة البلاد التي يصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بشكل دوري، ومضامين التقارير السنوية التي يصدرها المركز الوطني لحقوق الإنسان، إلى جانب تقارير الأمم المتحدة المختلفة التي تقول خلاف ذلك.
وأين يقف الخطاب الرسمي الذي قُدِّم الخميس الماضي من التشخيصات الرسمية لأوضاعنا التنموية المختلفة التي وردت في برنامج الأولويات الاقتصادية الذي أصدرته الحكومة في نهاية العام الماضي، ومن تشخيصات رؤية التحديث الاقتصادي لأوضاعنا التي صدرت قبل أسابيع؟
مرة أخرى، على الحكومة ألا تفقد ثقة المجتمع الدولي بمصداقية الأردن، كما خسرت ثقة مواطنيها، التي هي في أدنى مستوياتها كما أقر رئيس الوزراء في مقابلة إعلامية قبل أيام، وعلى الحكومة أن ترشّد خطابها وتحافظ على مصداقية الأردن في المحافل الدولية. وللحديث بقية..
تحقيق أهداف التنمية المستدامة: المصداقية مطلوبة
مصداقية أي دولة في العالم، أحد عناصر قوتها، وأي مساس بهذه المصداقية يضعف موقفها محليا ودوليا، ويدفع باتجاه إهمال خطابها وعدم أخذه على محمل الجدية، والمصداقية تتأتى من موضوعية تشخيصها لمشكلاتها والتحديات التي تواجهها.نستند إلى هذا التقديم للحديث عن التشخيص غير الواقعي لأوضاعنا التنموية الذي قدمته الحكومة من خلال أحد وزرائها الخميس الماضي أمام ممثلي …
Source: alghad.com