حوار مع الدكتور سيف الحجري(1)

حوار مع الدكتور سيف الحجري1 المدينة التعليمية واحتضانها لمؤسسات تعليمية عالمية وجديدها المتمثل بالشراكة مع بلومزبري للنشر والنظام التعليمي في قطر ومكامن قوته وما يعتريه من نقاط ضعف وتحليق الدوحة نحو الهم العربي في مجال إحياء البحث العلمي من خلال مد جسور بينها وبين نخبة من العقول العربية التي تحتضنها..

حوار مع الدكتور سيف الحجري(1)

المدينة التعليمية واحتضانها لمؤسسات تعليمية عالمية وجديدها المتمثل بالشراكة مع بلومزبري للنشر، والنظام التعليمي في قطر ومكامن قوته وما يعتريه من نقاط ضعف، وتحليق الدوحة نحو الهم العربي في مجال إحياء البحث العلمي من خلال مد جسور بينها وبين نخبة من العقول العربية التي تحتضنها المنظومة الغربية، واستعداد أميركا للدخول بشراكة علمية مع العالم العربي ومدى نجاح هذه الشراكة في إزالة التوتر القائم بين العواصم العربية وواشنطن، وعلى الغرب العمل على تحقيق العدالة قبل أن يرسل إلينا بمندوبين مهمتهم تدعيم الشراكة العلمية لأنه لن يكون بمقدور هؤلاء تحقيق الكثير ما لم يتحقق العدل ، وأننا فشلنا في نقل الحضارة الإسلامية إلى الغرب وما نلاحظه من تجاهل العالم الغربي لديننا هو من باب الجهل به.
والنظام التعليمي الجديد في قطر مرّ بمرحلة ارتباك نظرا لسوء التطبيق ولعدم اخذ الجاهزية ، وأن الإرادة السياسية والموارد المالية هما من ابرز نقاط القوة في النظام التعليمي القطري ، وأن الكوادر البشرية غير المؤهلة والرواتب الضئيلة هما من أبرز نقاط ضعف هذا النظام ، وهناك برنامج يعمل على استقطاب الفقراء من أصحاب العقول المتميزة كلها ، مواضيع شكّلت محور الحوار مع الدكتور سيف الحجري ، نائب رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

size=3> 

 بفضل اتخاذها لقرارات حاسمة في تطوير القطاع التعليمي، تحتضن دولة قطر اليوم عددا من اعرق المؤسسات التعليمية العالمية.. أي فارق أحدثه هذا الأمر على الصعيد الداخلي؟ والى أي حد يُحاكي ركيزة التنمية البشرية في رؤية قطر لعام 2030؟size=3>
– ما يحدث اليوم في دولة قطر هو استثمار حقيقي في العقل الإنساني، واستثمار في الأمن الاستراتيجي لدولة قطر وللمنطقة ككل على المدى الطويل، وهذه الرؤية الحضارية قائمة على تدعيم البنية التحتية وإيجاد برامج نوعية تندرج في إطار إستراتيجية دولة قطر التي ترى بأن مقومات النجاح تعتمد اعتمادا كبيرا جدا على قدرات ومهارات أبناء قطر والمقيمين فيها، وتؤكد الرؤية على ضرورة تنمية كل ما هو مفيد لإيجاد مناخ ملائم للبحث العلمي، ومناخ البحث العلمي هو في الواقع سمة حضارية لأنه كما هو معلوم التراكم العلمي لم يأت إلا من خلال انجازات علمية أكيدة بدءا بالمسلمين الأوائل والعرب الذين وضعوا الأسس العلمية لكل العلوم ذات الصلة بالإنسانية والطبيعة والفضاء والطب وغيره.
لقد حدث نوع من الانقطاع في تاريخنا فيما بعد المسلمين الأوائل، وبالتالي ما يحدث اليوم في دولة قطر هو في الواقع بشرى بمستقبل أفضل، والسنوات الماضية أكدت أن كل الدول المتطورة بدأت مسيرتها التطورية بالاعتماد على الإنسان، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في الشرق والغرب، بحيث نجد أن هناك دولا لا تملك الكثير من الموارد الطبيعية ولكنها اهتمت بالإنسان فأصبحت في قمة الدول المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا واقتصاديا. وهنا أود أن أؤكد على أننا محظوظون لأمرين: الأمر الأول هو ان قادة قطر يمتلكون رؤية صائبة، والرؤية الواضحة تشكل دائما جزءا من النجاح، أما الأمر الثاني هو أننا نملك اقتصادا قويا ونملك موارد مهمة جدا يعمل على استثمارها في الوقت المناسب لتحقيق الأهداف المرجوة، ومن المعلوم انه متى ما ترافقت الرؤية الصائبة مع الإمكانات المادية لا بد من إحراز نجاح كبير، وهذا ما هو حاصل اليوم في دولة قطر، كما توجد جوانب أخرى تنعم بها الدولة وتساعد إلى حد كبير في تحقيق ما نصبو إليه والأمن هو على رأس الأمور التي تساعد على تحقيق ما نصبو إليه، لأن الإنسان لا يمكن أن يفكر في بيئة غير مستقرة أو في بيئة يشوبها الخوف ولا تسمح لمواطنيها بالانطلاق نحو كل ما يصبون إليه في جو مفعم بالحرية والثقة، وهنا نصل إلى الجانب الديمقراطي في قطر والذي يكفله الدستور القطري الذي ينص على إن المسؤولية لا تقع فقط على الحاكم بل على كل أبناء قطر الذين يتشاركون بالمسؤولية..وهذه الديمقراطية أعطت فرصة أفضل للمبادرات التي نشهدها في الوقت الراهن، كما أن ثقة العالم بدولة قطر هي من الأمور المساعدة، خاصة أن كل الجامعات الموجودة في المدينة التعليمية وكل العقول التي أتت إلى قطر ما كانت لتكون موجودة هنا لو أنها لا تثق بقطر وبقدراتها، إذ إن العلاقة بين الجانبين ليست ليوم أو يومين بل علاقة طويلة المدى، والدليل على ذلك هو أن الجامعات الصفوة التي تحتضنها المدينة التعليمية اليوم لم تخرج في تاريخها إلى مناطق أخرى حتى على أرضها، ومجيئها إلى قطر هو دليل ثقة ، علما أن إقناعها لم يكن سهلا في البداية، ولم توافق إلا بعد أن تشكلت لديها قناعة تامة بأن المناخ في قطر ملائم، والآن العديد من الجامعات في العالم أعربت عن رغبتها بالتواجد في المدينة التعليمية، وهذا المناخ كله تأتى من حسن التخطيط.

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو: متى سوف نرى الدوحة مدينة تعليمية من الطراز الأول تستقطب العديد من طالبي العلم في المنطقة؟size=3>
– البناء بشكل عام وبناء العقول بشكل خاص يعتمد على الزمن إذ لا بد للزمن ان يقدّر، وأي شيء جيد في الحياة لا بد أن يكون مر في مرحلة النضوج. فالبترول الذي نستفيد منه اليوم مر بمراحل تكوينية استمرت آلاف السنين قبل أن يتحول إلى طاقة يمكن استهلاكها، وبتقديري الخاص سوف نحصد في السنوات الثلاثين القادمة ثمار ما نزرعه اليوم، لأنني اعتقد أن قطر لن تكون في السنوات الثلاثين القادمة مجرد دولة مستهلكة للفكر والتكنولوجيا بل ستبدأ بالتحول من دولة مستهلكة إلى دولة مشاركة في صناعة الفكر ودولة منتجة له، ووصولنا إلى هذه المرحلة هو أمر بديهي لأن الاستثمار في عقل الإنسان هو دائما استثمار رابح، والتجارب كثيرة في هذا المضمار.
على أبنائنا مسؤولية، ومسؤوليتهم هذه لا تنتهي بتخرجهم من الجامعات الموجودة في قطر بل تبدأ بتخرجهم، لأن عليهم العمل على توطين البرامج النوعية كي نتمكن من تحقيق ما نصبو إليه بالتحول من دولة مستهلكة إلى دولة مشاركة ودولة منتجة ودولة لها قيمة علمية وجاذبة للعلماء، وقد بدأت مؤشرات أول السيل تظهر من خلال العقول التي بدأت بالتوافد إلى قطر التي يشير توافدها إلى أننا نسير في الاتجاه الصحيح.

 تستضيف المدينة التعليمية واحدة من اعرق الجامعات العالمية في الصحافة وهي جامعة نورث ويسترن، والأمر الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو المحاذير التي تتعلق بثقافة المجتمع إذ كيف يمكن لخريجي هذه الجامعة المواءمة بين حرية الصحافة المطلقة بحسب المعايير الغربية وبين ما تفرضه مجتمعاتنا العربية من خطوط حمراء كفيلة بتحرير مخالفات مرورية بحق من يتجاوزها؟size=3>
– دائما مع استيراد أي برنامج أو نقل أي تجربة من أي بقعة في العالم، لا بد لهذه التجربة أن تتكيّف مع ثقافة وتراث وخصوصية المجتمع لكي تنجح خاصة في منطقتنا لأن منطقتنا هي منطقة حضارية وتختلف كثيرا عن المناطق الأخرى لأنها منبع الأديان والرسالات والثقافات، ولا شك أن هذا الأمر يضعنا أمام تحديات كبيرة على رأسها مسؤولية جعل النشء يؤمن بجذوره ويتمسك بثقافته ويحافظ على تراثه ويحرص على دينه ولغته.
يجب أن نؤكد على أهمية مقومات الأصالة ومقومات الهوية كي نستطيع أن ننتقل إلى مصاف الأمم المتطورة . فاليابان على سبيل المثال تمكّنت من الوصول إلى ما هي عليه لأنها تمسّكت بقيمها وانفتحت في الوقت عينه على التجارب العالمية الناجحة، ومؤسسة قطر هي من المؤسسات التي تضع الالتفاف حول الهوية على سلم أولوياتها، دون أن تغفل أهمية الانفتاح، سائرة في ذلك على نهج الإسلام الذي حثّنا على انتفاع الأمم من بعضها البعض وتكوين علاقات فيما بينها دون أن ننسى كمسلمين إبداء حرصنا الكامل على مقومات ديننا. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: كيف يمكن لنا أن نوطّن القيم ذات الصلة بخصوصية مجتمعنا مع المحافظة على انفتاحنا؟ والجواب هو أن هذا الأمر يحتاج إلى قوانين وتشريعات تضع الأمور في نصابها عوضا عن تركها للاستحباب، وقد بدأت دولة قطر بإصدار قوانين في هذا الصدد، وآخر قانون صدر في هذا الإطار يُلزم المدارس الخاصة بتدريس مادة التاريخ القطري. فبالإضافة إلى أهمية احتواء المناهج التعليمية القطرية على مواد حول تاريخنا ولغتنا وديننا وعدم إهمالها لها أو تركها للاستحباب كونها من الركائز الأساسية، يجب أن نعمل على تهيئة كل المدرسين الذين يأتون للعمل في قطر قبل مزاولتهم لعملهم لأن هناك تقاليد وقيما وخطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، خاصة وان بعض هؤلاء المدرسين يتم استغلالهم عن قصد أو عن غير قصد من قبل الكثير من المنظمات ومن قبل أعدائنا في بث العديد من القيم التي لا تمت بأي صلة لمنطقتنا أو حتى لقيمنا الوطنية.

 التعليم في الدوحة تتقاسمه عدة نوعيات من بينها التعليم المستقل والتعليم العام والتعليم الأجنبي وتعليم الجاليات.. هل تتحمّل المنظومة التعليمية هذا التفرع؟ أليس من الأفضل اعتماد نظام تعليمي موحد؟size=3>
– أنا ضد اعتماد النظام التعليمي الموحّد لأن التنوع أكثر قدرة دائما على التعامل مع المستجدات. التنوع سمة جيدة، والتنوع الذي يشهده النظام التعليمي في قطر هو تنوع ديمقراطي، وبناء عليه بإمكان الأسرة أن تختار ما يلائم مزاجها ومستقبل أولادها الأمر الذي يُعتبر قمة التحضّر، كما أننا نحترم من خلال نظامنا التعليمي المتنوع الجاليات لأننا نعلم بأنها لن تمكث إلى الأبد في قطر، وبالتالي انتقالها الحتمي إلى بلدانها يحتّم علينا عدم فصل أبناء هذه الجاليات فصلا تاما عن مناهج بلدانهم لأنه سيتسبب لهم بضرر بالغ دون أدنى شك. وباختصار، تعدّد المناهج وتنوّع الثقافات هما مصدر غنى وإثراء لطلابنا، وأنا اذهب إلى ابعد من تشجيع هذا التنوع على أرضنا إلى تأييد سفر طلابنا للخارج وتلقي دراساتهم في عدة بلدان لأنني اعتبر أن الجامعة ليست المكان الوحيد الذي يكتسب فيه الطالب مهاراته، وان المحيط الذي يعيش الطالب في وسطه هو بدوره يعلم ويثقف ويبني القدرات. وبناء عليه، تفاعل الإنسان مع مجتمعات أخرى، والانتماء إلى لغات أخرى، يكسبانه ثقافة اكبر من تلك التي قد يكسبها في الجامعة.

 جعلت الدولة القطرية من التعليم صناعة من الطراز الأول، وكانت المدارس المستقلة واحدة من ثمار الجهود التي بذلت، إلا أن هذه التجربة لها من يؤيدها كما لها من يعارضها، ويعتمد المعارضون في معارضتهم على واقع تراجع مكانة اللغة العربية والعلوم الدينية. وبالرغم من صدور قرار يلزم المدارس المستقبلة بتدريس اللغة العربية والعلوم الدينية وتاريخ قطر ثمة من يعتبر أن اللغة العربية ستبقى لغة ثانية وبالتالي ستبقى ضعيفة. هل توافق على هذا الطرح؟size=3>
– أنا اعتبر انه من غير المنصف تقييم تجربة المدارس المستقلة في الوقت الحاضر لأنها ما زالت تجربة يافعة حيث أنها لم تكمل السبع سنوات من عمرها، وأنا بكلامي هذا لا أنكر واقع بعض المعوقات التي واجهت تطبيق هذه التجربة لأنني احد الذين يعتقدون أن تطبيقها لم يسلك الطريق القويم، بحيث أن المدارس انطلقت دفعة واحدة ببرامج دراسية تغطّي كافة المراحل دون اخذ أهمية التراكم الثقافي والتعليمي بعين الاعتبار، فعمدت بذلك إلى تغييب المرحلة التصاعدية التي كان لا بد من المرور بها والتي هي التخطيط لاثنتي عشرة سنة لكي يتمكن النظام التعليمي من المرور في مرحلة انتقالية تفصل بين المرحلة الجديدة ومرحلة التعليم الماضي، يتم خلالها تخريج الطلاب القدامى وفق النظام التعليمي الذي بدأوا فيه مرحلتهم الدراسية..

أي تعتبر أن النظام التعليمي في قطر مر في مرحلة ارتباك جرّاء ذلك؟
size=3>
– طبعا مرّ في مرحلة ارتباك نظرا لسوء التطبيق وعدم الجاهزية لتطبيق النظام التعليمي الجديد ووضعه بعين الاعتبار. فالمدرّس لم يكن جاهزا لتدريس اللغة الانجليزية، والطالب لم يكن جاهزا للنقلة السريعة التي طرأت على منهجه التعليمي، والأسرة بدورها لم تكن جاهزة.. لقد تم الدخول بكل المراحل في نفس الوقت، ولو تم تطبيق النظام التعليمي الجديد بشكل تدريجي لكنّا أفسحنا في المجال للمدرّس لكي يعد نفسه بشكل أفضل، وللكوادر لكي تتدرب بشكل أفضل. حاليا لدينا طلاب في المرحلة الثانوية ومستواهم باللغة الانجليزية مشابه لمستوى طلاب المرحلة الابتدائية، وكان يمكن تفادي هذا الخلل فيما لو طبّق النظام التعليمي الجديد تدريجيا، أي لو تم وضع خطة تعليمية مدتها 12 سنة يتم على أساسها تخريج الطالب من المرحلة الثانوية على نفس النظام التعليمي الذي بدأه في مرحلة الروضة خاصة وأن 12 سنة لا يمكن أن تعتبر فترة زمنية طويلة في عمر أي نظام تعليمي.
أنا من اشد المساندين لهذا النظام التعليمي، ولكن لا بد من بذل جهد اكبر وإنفاق مال أكثر لإعداد المناخ العام الذي يمكّننا من تفادي السلبيات التي ظهرت نتيجة سوء التنفيذ أو نتيجة عدم جهوزية العناصر المساعدة لأن التعليم ليس مجرد كتاب ومدرسة بل بيئة متكاملة، حتى أن هناك حاجات غير مرئية هي جزء من خصوصية المجتمع ويمكن لها أن تعوق.. ولكن بصفة عامة بدأنا نرى بعض المدارس المستقلة تتغلب على المعوقات التي اعترضتها في وقت سابق، وبدأنا نلمس نتائج البرامج التعليمية الجديدة من خلال القدرات التعليمية التي بات يتمتع بها طلابنا وتحسّنهم في اللغة الانجليزية، وبحديثنا عن اللغة الانجليزية أود أن اشري إلى أمر أساسي وهو وجوب عدم إهمالنا للغة العربية، خاصة وأننا أهملناها لفترات طويلة جدا.
فصحيح أن اللغة الانجليزية باتت لغة العلم ليس بالنسبة للدول العربية فحسب بل بالنسبة لكافة الدول، إذ بدأت جميعها تدرّس اللغة الانجليزية في مدارسها كلغة رئيسية كونها وجدت نفسها ملزمة بذلك نظرا لكون معظم الأبحاث باللغة الانجليزية، ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار انه لا توجد امة تتطور بلغات الآخرين، وبالتالي يمكن لنا أن نتعلم اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات، ولكن علينا في نفس الوقت أن نحافظ على لغتنا العربية خاصة وان الله سبحانه وتعالى اختارها للبشرية من خلال تنزيل القرآن بها، ولا شك أن هناك حكمة من وراء اختيار اللغة العربية، وهي لغة قادرة على أن تطال كل مستويات العلوم، خاصة إذا ما تعمقنا بعمق هذه اللغة بحيث أن وضع شدة بدل الضمة بإمكانه أن يعطي للكلمة معنى آخر.

إذا أردنا سريعاً استعراض نقاط القوة ونقاط الضعف في النظام التعليمي القطري، ما هي الأمور التي تضعها في خانة نقاط القوة، وما هي الأمور التي تضعها في خانة نقاط الضعف؟
size=3>
– نقاط القوة تتمثّل بالدرجة الأولى بوجود إرادة سياسية واضحة، ووجود موارد مالية. فالموارد المالية عندما تترافق مع الإرادة السياسية يمكنها أن تشكّل قوة لا يستهان بها. أما نقطة القوة الثالثة فتتمثل بالرؤية الواضحة لناحية تحسين التعليم، وما أنفقته قطر على بنية التعليم التحتية هو دليل واضح على وجود إرادة سياسية كبيرة ورؤية واضحة. ومن أوجه القوة الأخرى توافر تكنولوجيا رفيعة المستوى في المدارس، بالإضافة إلى تأمين بنية تحتية للمدارس والجامعات، وأيضا ثقافة الأسر هي بدورها نقطة قوة حيث إن أسر اليوم تدفع بأبنائها نحو المدارس الأفضل بغض النظر عن القيمة المادية التي تدفعها في المقابل، وذلك يعود إلى كون الأسر أصبحت أكثر وعيا بضرورة أن يرث الأبناء العلم وليس المال..
أما أوجه الضعف الموجودة في النظام التعليمي القطري فتتمثل بالدرجة الأولى بالكوادر البشرية غير المؤهلة التي تعمل في هذا القطاع. فصحيح أن قطر بدأت تستورد كوادر بشرية متمكنة سواء من الغرب أو من الشرق أو حتى من الشرق الأدنى، إلا أن هذا الأمر لن يعوّض ولن يغطّي الحاجة إلى أبناء البلد، إذ أن نسبة المدرّسين القطريين خاصة الذكور منهم لا تصل بحسب تصوري إلى 5%، كما أن مستوى الكفاءات ضئيل، علما أن المدرّس القطري ضرورة لأنه يحمل إضافة حتى وإن تساوى مع المدرّس الأجنبي لناحية الكفاءة العلمية، والإضافة التي يحملها المدرّس القطري تتمثّل بفهمه لخصوصية المجتمع، أي أن المدرّس القطري يتفوّق بالخصوصية على المدرسين الأجانب، أضف إلى ذلك إننا لا نعرف بأي مراء يأتينا المدرس من الخارج خاصة إذا كان أجنبياً وليس عربيا. فالمدرس العربي أقرب لنا ونحن نثق ثقة تامة بالمدرسين العرب كونهم من ديننا ويتكلمون لغتنا ويعرفون عاداتنا.
بناء على ما تقدم، يجب أن ندعّم الكوادر البشرية التي تعمل في مجال التعليم خاصة القطرية منها، وعليه آمل أن نرى في قطر أفضل كلية للتربية لأن المهندس الجيد والطبيب الجيد يعتمدان على الأستاذ الجيد، وبالتالي يجب أن نضع كلية التربية على رأس أولوياتنا كي نتمكن من تخريج أساتذة ينتمون إلى مهنة التعليم التي هي ليست مجرد مهنة بل رسالة، واشعر بأسف كبير لكون المدرس أصبح في ذيل المهن في حين أن مكانه الطبيعي هو في قمة المهن، ومن اجل إعادة الاعتبار إلى مهنة التدريس يجب أن نشتري هذه المهنة من خلال دفع اكبر راتب للمعلم وتقديم أفضل مميزات لأن الرواتب الضئيلة هي بدورها نقطة ضعف.
الفارق بين ما يعيشه أهل مهنة التدريس اليوم وما كانوا عليه في السابق كبير، إذ أنه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت اسر المنطقة تتمنى أن يصبح احد أولادها مدرسا لأن المدرّس كان يحظى بقيمة، بينما اليوم فقدت الرغبة، ونزول المدرس من هذه القمة إلى الأسفل أساء للتعليم وأساء للعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوطن القطرية 9/5/2010م

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!