وخرق مياه الدنمارك ليست المناوشة الوحيدة بين البلدين فقد سبقها 5 أزمات متتالية بدأت منذ 7 سنوات، حيث تنوعت ما بين دبلوماسية ورياضية واقتصادية ووصلت إلى التهديد بضربة نووية.
ففي مارس 2015 هددت روسيا بتوجيه ضربة نووية إلى الدنمارك إذا شاركت في الدرع الصاروخية لحلف “الناتو”.
وكان هذا التهديد على لسان السفير الروسي حينها في كوبنهاغن ميخائيل فانين، حيث كتب مقالا بصحيفة “يلاند بوستن” الدنماركية، قائلا إن “الدنمارك لم تفهم تماما عواقب الانضمام إلى برنامج الدفاع الصاروخي للناتو، وإن حدث فالسفن الحربية الدنماركية ستكون أهدافا للأسلحة النووية الروسية”.
وتعارض روسيا، منذ سنوات الدرع الصاروخي للحلف الأطلسي، والذي أُطلق عام 2010، ومن المقرر أن يصبح جاهزاً للعمل بحلول 2025.
وثاني تلك الأزمات كانت رياضية، حيث حقق منتخب الدنمارك معجزة أمام نظيره الروسي، وتأهل على حسابه إلى دور الـ16 في بطولة كأس الأمم الأوروبية.
وتلاقى المنتخبان في الجولة الثالثة في يونيو 2021 من دور مجموعات يورو 2020، حيث فازت الدنمارك بأربعة أهداف مقابل هدف واحد لموسكو، ما أغضب الروس.
وثالث تلك المناوشات، كان عقب حشد روسيا جنودها على حدود أوكرانيا، إذ عرضت كوبنهاغن على الناتو إرسال فرقاطة “بيتر ويلمويس” و4 مقاتلات من طراز “إف-16” إلى منطقة البلطيق لتعزيز أمنها.
وثيقة دنماركية وأزمات دبلوماسية
وفي 31 يناير وقبل العملية الروسية بأيام، اعتبرت كوبنهاغن أن روسيا تتبع سياسة عدوانية تجاه مملكة الدنمارك وجيرانها، حسب وثيقة تم الإفصاح عنها تسمى بـ”الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية والأمنية للمملكة”.
وجاء في الوثيقة: “سندافع عن قيمنا ومصالحنا في المنطقة الشرقية المجاورة، لا تزال روسيا تتصرف بصورة عدوانية تجاه الدنمارك وجيراننا والمنطقة المجاورة”، وفقا لوكالة “نوفوستي” الروسية.
ومع بدأ الحرب الأوكرانية، اندلعت أزمة رابعة وكانت دبلوماسية هذه المرة، حيث طردت الدنمارك نحو15 دبلوماسيًا روسيًا بتهمة التجسس، وهو ماردت عليه موسكو بطرد 7 دبلوماسيين دنماركيين.
كما رحبت الخارجية والحكومة بإعلان فنلندا الانضمام لحلف الناتو، مطالبة بمزيد من الضغط على الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي مطلع مايو الماضي، استدعت كوبنهاغن السفير الروسي بعد انتهاكٍ طائرة استطلاع روسية للمجال الجوي الدنماركي.
وفي 28 مايو الماضي، أعلنت السفارة الدنماركية في موسكو تعليق قبول طلبات التأشيرات قصيرة الأجل وتصاريح الإقامة إلى الدنمارك، باستثناء تأشيرات الزيارات الرسمية.
أزمة الغاز ودرع أوروبا
وخامس تلك الأزمات، كانت الغاز، إذ أضحت الدنمارك، في 31 مايو الماضي، خامس دولة أوروبية تقطع روسيا الغاز عنها لعدم امتثالها لقرار الرئيس فلاديمير بوتن، دفع مقابل الغاز بالروبل الروسي.
ويرى مراقبون أن الخطوة الروسية كانت ردًّا على الدنمارك التي انضمت للعقوبات الغربية والتي تسعى لتعزيز دفعاتها عبر انضمامها إلى السياسة الدفاعية للاتحاد الأوروبي.
وكانت كوبنهاغن انضمت للعقوبات الغربية على روسيا، وعلقت شركة الشحن الدنماركية “ميرسك”، عمليات الشحن البحري من وإلى موسكو، كما أعلنت استعدادها لفرض عقوبات جديدة في قطاعي الطاقة والمال.
وفي 4 يونيو الجاري، كانت الأزمة الأكبر، حيث صّوت 67 بالمئة من الناخبين الدنماركيين، بالموافقة على انضمام بلادهم للسياسة الدفاعية الأوروبية التي ابتعدت عنها في الـ30 عاما الماضية.
ورغم انضمام الدنمارك للاتحاد الأوروبي منذ سبعينيات القرن الماضي، إلا أن رفضها لاتفاقية “ماستريخت”، المعاهدة المؤسسة للاتحاد في عام 1992 بأصوات 50.7 بالمئة من الناخبين، جعلها خارج السياسات الدفاعية للاتحاد.
وبعد اندلاع الحرب فبراير الماضي، ظهر توجه داخل كوبنهاغن لتقوية قواتها الدفاعية، عبر السماح للقوات العسكرية الأميركية بالتواجد على أراضيها، كما أعلنت استثمارات عسكرية تتجاوز 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي والتي يطالب بها الناتو.
كما حلت الدنمارك وكندا نزاعا استمر نحو 50 عاما من خلال إقامة حدود برية في جزيرة هانز المتنازع عليها، خشية أي هجوم روسي عليها.
ويقول الباحث في العلاقات الدولية جمال عبد الحميد، إن ما يسمى بـ”إرهاب روسيا” والخوف هو ما دفع الدنمارك إلى الانحياز للدول الأوروبية بعد الهجوم على أوكرانيا.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه: “روسيا تمثل ليس للدنمارك وحدها بل لدول أوروبا الشرقية مصدر تهديد، وأن خرق سفينة روسية المياه الإقليمية لكوبنهاغن أو الطائرات الحربية للأجواء الدنماركية، كلها أسباب دفعت البلد الأوروبي للبحث عن بدائل لتأمين نفسه والارتماء في الحضن الأوروبي”.
ويردف: “المناوشات ممتدة ولن تنتهي فروسيا تريد إيصال رسائل لدول البلطيق والسويد وفنلندا بأن الانضمام لأوروبا قد يجر المتاعب على تلك الدول ولن تكون بمأمن”.