رفيق عبد السلام: الثورة التونسية تظل قصة نجاح رغم العقبات

رفيق عبد السلام: الثورة التونسية تظل قصة نجاح رغم العقبات
وزير خارجية تونس الأسبق قال إن بلاده نجحت في حل معضلة السلطة والشرعية وتتقدم باتجاه معالجة المشكل الاجتماعي الاقتصادي- مواقع التواصل

قال
وزير خارجية تونس الأسبق والقيادي البارز بحركة النهضة، رفيق عبد السلام، إن
“الثورة التونسية رغم كل محاولات الإرباك والعرقلة تظل قصة نجاح؛ فما نعيشه
اليوم هو ديناميكية التحول وضريبة التغيير، ولكن المؤكد أن بلادنا نجحت في حل
معضلة السلطة والشرعية، وتتقدم باتجاه معالجة المشكل الاجتماعي الاقتصادي”.

وأضاف،
في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته الخاصة مع “عربي21″، أن
“تونس قطعت منتصف الطريق وحلت مشكلتها السياسية، وهي بصدد بناء استقرار حقيقي
مبني على معادلة الصراع والجدل والتوافق”، مشدّدا على أن بلاده “لا تعيش
أزمة، ولكنها تمر بصعوبات تحول، وهي بصدد العبور نحو المستقبل وليس العودة إلى
الماضي”.

وأكد
وزير خارجية تونس الأسبق أن “المرحلة الانتقالية بتونس طالت أكثر من اللزوم
بسبب عسر التحول وحجم التدخلات الخارجية المضرة”، مضيفا: “نحن نجدف ضد
المزاج العام للمنطقة التي تسير مُجدّدا للأسف نحو الدكتاتورية والحكم الفردي. ومع
ذلك مجرد صمود التجربة التونسية في مواجهة العواصف الهوجاء للثورات المضادة هو في
حد ذاته نجاح”.

ورفض
قيام البعض بتحميل حركة النهضة المسؤولية الأكبر عما آلت إليه الأوضاع، قائلا:
“الأوضاع في تونس ليست مثالية، ولكنها ليست كارثية. والنهضة هي القوة
الرئيسية في البلاد وفي البرلمان. ولكنها لم تحكم إلا لمدة سنة ونصف تقريبا خلال
مرحلة الترويكا، وإلى حد الآن حجم حضورنا في الحكم لا يتناسب مع حجمنا السياسي
والشعبي، ولذلك يجب تعديل هذا الوضع بصورة تدريجية حتى لا يحملنا الناس أكثر من
طاقتنا، وتكون المحاسبة بقدر المسؤولية في الحكم”.

الثورة
التونسية رغم كل محاولات الإرباك والعرقلة تظل قصة نجاح. صحيح أننا لم ننجح بالشكل
المأمول على صعيد الاقتصاد والتنمية بسبب ثقل الأعباء وتأثير الأزمة الليبية على
حدودنا ثم تدخلات الإقليم السلبية، ولكننا سجلنا نصف نجاح إلى حد الآن، وبقي أن
نستكمل النصف الآخر، أي تعزيز النجاح السياسي بعد الثورة بنجاحات اقتصادية وتنموية
حتى نطمئن بأن ثورتنا تسير في الاتجاه الصحيح والسليم.

تقديري
أن أكبر الإخفاقات هو أننا لم نقدر بما يكفي حجم الثورات المضادة وشراستها، وبقينا
نشتغل في المربع الوطني وكأن تونس جزيرة
معزولة عن غيرها، كان من المفترض أن يكون هناك تنسيق أكبر بين ثورات الربيع
العربي، خاصة في دول الجوار. تشكل من حولنا محور إقليمي معاد للثورات ويمتلك قوة
المال والإعلام، وكان يشتغل بتدبير وتنسيق محكمين للإطاحة بالثورات، بينما بقيت قوى
التغيير تصارع الصعوبات الداخلية بطرق منفردة ومن دون أدنى درجات التكامل
والتنسيق. تقديري أن المسؤول عن ذلك هو قصور وعينا السياسي المرتبط بمعطى الدولة
الوطنية.

الأوضاع
في تونس ليست مثالية، ولكنها ليست كارثية. هناك تجربة ديمقراطية تترسخ أقدامها
يوما بعد يوم، ولكن ما يولد شعور الناس بالضيق والضجر هو تعقيد الوضع الاقتصادي. لكن
مشاكل تونس ليست معقدة كثيرا، والتونسيون يواجهون صعوبات ولكن القلة منهم يعيشون
الفاقة، وبمجرد انقشاع موجة كورونا واستقرار الأوضاع في ليبيا، بمقدور تونس أن
تقلع اقتصاديا وتعزز فرص نجاحها.

طبعا
النهضة موجودة، وهي القوة الرئيسية في البلاد وفي البرلمان. ولكنها لم تحكم إلا
لمدة سنة ونصف تقريبا خلال مرحلة الترويكا. في عام 2014 فاز نداء تونس وأخذ رئاسة
الجمهورية ورئاسة الدولة ورئاسة البرلمان، وبعد انتخابات 2019 وجدت حكومات تكنوقراط أو شبه تكنوقراط تشارك فيها
النهضة إلى جانب غيرها، وإلى حد الآن حجم حضورنا في الحكم لا يتناسب مع حجمنا
السياسي والشعبي، ولذلك يجب تعديل هذا الوضع بصورة تدريجية حتى لا يحملنا الناس
أكثر من طاقتنا، وتكون المحاسبة بقدر المسؤولية في الحكم. ومع ذلك نحن لا نتملص من
تحمل مسؤولية التجربة بمكاسبها وعثراتها.

هناك
بعض التجاذبات السياسية في أوساط النخبة القيادية، وهذا الأمر مفهوم كلما اقتربنا
من المؤتمر، وليس سرا وجود طموحات سياسية تتعلق بالتموقع في الحزب والدولة تغذي
بعض التجاذب أحيانا، كما أن الفصل 31 من النظام الداخلي الذي يضبط تولي الرئاسة
لدورتين فقط، قد أثار قدرا من الجدل الداخلي، ولكن النهضة ليست غرا في الحياة السياسية، بل لديها ما يكفي من الخبرة
والمؤسسات التي تسمح لها بترتيب وضعها الداخلي، وليست المرة الأولى أو الأخيرة
التي اختلف فيها النهضاويون؛ فقد سبق لنا أن اختلفنا قبل الثورة في قضايا
استراتيجية كبرى ونجحنا في تجاوزها بالحوار والتوافق الداخلي. وإذا نجحت النهضة في
عقد توافقات مع خصومها ومنافسيها فلن يعجزها بناء توافقات داخلية بين أبناء الحزب
الواحد.

أما
حكم الأخ عبد الحميد الجلاصي فهو أقرب ما يكون إلى موقف مراقب خارجي بعد أن غادر
صفوف النهضة ولم تعد له أي صفة رسمية. القول بنهاية النهضة هنا وكأنه شهادة على
صحة قرار المغادرة، لكن الزمن وحده كفيل بالحكم.

قانون
تحصين الثورة تم إسقاطه سنة 2014، وهو خيار سليم، لأن مفعوله سيكون عكسيا ومدمرا
لأسس العيش المشترك والتوافق الوطني. وقد عانت ليبيا الشقيقة لسنوات من مخلفات
تمرير قانون العزل السياسي الذي عمق الصراعات الداخلية ودفع كل طرف إلى شحذ أسلحته
ومحاولة إلغاء الطرف الآخر بآليات السياسة وقوة السلاح. أي أن هذا القانون فاقم
المشكلة ولم يساعد على الحل.

ولكن
هناك حاجة اليوم لتحصين الثورة بآليات قانونية معقولة من قبيل منع تمجيد
الاستبداد. وتحقير الثورة والازدراء بها. النظام الديمقراطي يميل بطبيعته إلى بناء
توافقات مركبة، ولكن له مخالب وأنياب وبمقدوره الدفاع عن نفسه في مواجهة أعدائه
والمتربصين به شرا.

نعم
المرحلة الانتقالية طالت أكثر من اللزوم بسبب عسر التحول وحجم التدخلات الخارجية
المضرة، وإن كانت عشرية من الزمن ليست بالكثير في عمر الثورات والتحولات الكبرى.

ولكن
الكل يعرف أننا نجدف ضد المزاج العام
للمنطقة التي تسير مُجدّدا للأسف نحو الدكتاتورية والحكم الفردي. ومع ذلك مجرد
صمود التجربة التونسية في مواجهة العواصف الهوجاء للثورات المضادة هو في حد ذاته
مكسب لتونس والمنطقة.

ما
هو إيجابي اليوم هو أن النخبة التونسية تجمع على ضرورة مواجهة التحدي الاقتصادي
الاجتماعي، بعد تثبيت المكتسب السياسي وترسيخ أسس الحرية في البلد. تقديري أن تونس
ينتظرها مستقبل واعد في السنوات القادمة بحول الله، وستصبح أفضل مما كانت عليه ليس
على الصعيد السياسي فقط، بل على الصعيد الاجتماعي والتنموي أيضا.

لا
أرغب كثيرا في هذه الثنائية القاطعة بين إسلاميين وعلمانيين، الواقع بين أن هناك
أرضية مشتركة بين الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين، وأن الخطر الأكبر
يتمثل في وجود قوى إرهاب واستئصال وتطرف على الجهتين.

الحوار
والتواصل بين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين يثمر نتائج ملموسة على الأرض
ويساهم في تطور ونضوج الجميع واستقرار المشهد السياسي، لكن هناك قوى جامدة من
الطرفين ما زالت تمثل خطرا على الاستقرار وشروط العيش المشترك. الناس يدركون خطر
بعض الجهات الدينية العنيفة، ولكنهم لم يدركوا بما يكفي خطر بعض الجماعات الحداثوية
التي تُمارس العنف والإقصاء وتراهن على إفساد  الحياة الديمقراطية، لأنها أقليات لا تقوى على المنافسة عبر آلية الصندوق.

الضغوط
أمر متوقع بسبب باب الشر الذي فتحته الإمارات العربية بمشاريعها التآمرية وتحالفها
مع إسرائيل، لكن تقديري أن تونس والجزائر لن تركبا موجة التطبيع، لأنهما لن
تتزحزحا عن مناصرة فلسطين والقدس بأية حال من الأحوال؛ وتونس لن تكون إلا في
انسجام مع نبض الشارع التونسي المنحاز لفلسطين.

والتطبيع
المطلوب والأهم هو تطبيع الحكومات العربية مع شعوبها، وتطبيع العلاقات البينية
العربية لمعالجة الأزمات المستفحلة بدلا من الهرولة نحو التطبيع مع الاحتلال، والمتستر
بالرداء الإسرائيلي هو عريان في نهاية المطاف.

ليس
مستحيلا. آمل أن تكون هذه الأزمة محطة وعبرة باتجاه حوار جاد وتوافق ببن المغرب
والجزائر لمعالجة قضية الصحراء بروح التعاون ببن الجيران وفي إطار وحدة وتكامل
المغرب العربي الكبير.

تونس
تتقدم وتترسخ أقدامها في مشروع الحرية رغم كل شيء. وستستمر تجربتها الديمقراطية
وتتعزز أكثر مع نجاحات تنموية موعودة في المستقبل القريب بحول الله.

ما
تعيشه تونس اليوم هو ديناميكية التحول وضريبة التغيير، ولكن المؤكد أنها نجحت في
حل معضلة السلطة والشرعية، وهي تتقدم باتجاه معالجة المشكل الاجتماعي الاقتصادي،
بينما ما زالت الكثير من الدول العربية لم تقترب بعد من محرم السلطة والتداول
عليها، وهو مشكل سينفجر في وجهها آجلا أم عاجلا.

تونس
في الحد الأدنى قطعت منتصف الطريق ونجحت في حل مشكلتها السياسية، وهي بصدد بناء استقرار حقيقي مبني على معادلة الصراع والجدل
والتوافق. بالخلاصة تونس لا تعيش أزمة، ولكنها تمر بصعوبات تحول، وهي بصدد العبور
نحو المستقبل وليس العودة إلى الماضي.

Source: Arabi21.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *