شرح حديث رفع الأمانة

[wpcc-script async src=”https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js” type=”79a20d1811e94326e87240ab-text/javascript”] [wpcc-script type=”79a20d1811e94326e87240ab-text/javascript”]

قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله صل الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا قال: «إن الأمانة نزلت في جذور قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن ثم علموا من السّنة» وحدثنا عن رفعها قال: «ينام الرجل النَّوْمَةَ فتُقْبَضُ الأمانة من قلبه فيظَلُ أَثرُها مِثلَ أَثَرِ الْوكْتِ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجْل كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ على رجلكَ فَنفَطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً ليس فيه شيءُ فيصبح الناس فيتبايعون ولا يكاد أحد يُؤدي الأمانةَ، فيقال إن في بني فلان رجَلاً أميناً، ويقال للرجل ما أَعْقَلهُ ومَا أَظْرَفَه وما أَجْلَدَهُ وما في قلبه مثقالُ حبةِ خَرْدَلَ من إِيمانِ، ولقد أَتى عليَّ زمان ومَا أبالي أَيًّكم بَايَعْتُ، فإِن كان مسلماً رده عليَّ الإِسْلامُ، وإِن كان نصرانياً أَو يهودياً رده عليَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا اليَومَ فما كنت أَبايعُ منك إِلاَّ فلاناً وفلاناً». [رواه مسلم]

معاني مفردات الحديث:
الوكت: بفتح الواو وسكون الكاف السواد اليسير.
المجل: بفتح الميم وسكون الجيم أو فتحها ما يظهر في اليد من أثر العمل بفأس ونحوها من انتفاخات جلدية فيها ماء قليل.
نفط: مجل، وأريد بالرجل العضو وبهذا قيل نفاط بالتذكير وكذا قيل تراه.
منتبرا: مرتفعا مأخوذ من المنبر لارتفاعه.
بايعت: من المبايعة وهو عقد البيع والشراء.

شرح الحديث:
يقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه في شرح الحديث: أخبر رسول الله صل الله عليه وسلم في الحديث الثاني أن هذه الأمانة سوف تنزع من قلوب الرجال والعياذ بالله ، تنزع فيصبح الناس يتحدثون أن في بني فلان رجلاً أميناً، يعني أنك لا تكاد تجد في القبيلة رجلاً واحداً أميناً ، والباقي كلهم على خيانة ، لم يؤدوا الأمانة.

ولقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً حتى تبلغ إلى حدّ المائة أو المئات، لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله ولا في حقِّ الناس.

قد تجد رجلاً أميناً في حق الله ، ويؤدي الصلاة ، ويؤدى الزكاة ، ويصوم ، يحج، يذكر الله كثيراً ، يسبح ، لكنه في المال ليس أميناً، إن وكل إليه عملٌ حكومي فرط وصار لا يأتي للدوام إلا متأخراً، ويخرج قبل انتهاء الوقت، ويضيع الأيام الكثيرة في أشغاله الخاصة، ولا يبالي ، مع أنك تجده في مقدمة الناس في المساجد، وفي الصدقات ، وفي الصيام، وفي الحج، لكنه ليس أميناً من جهة أخرى.

كذلك تجد الرجل أميناً في عبادة الله ، يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ويصوم ، ويحج، ويتصدق ، لكنه ليس أميناً في وظيفته، يعرف أنه لا يجوز للموظف أن يتاجر أو يفتح محل تجارة، ولكنه لا يبالي ، ويفتح محل تجارة، إما باسمه صريحاً ، أو باسم مستعار، وإما برجل أجنبي يجعله في هذا الدكان وما أشبه ذلك. فيكذب ، ويخون الدولة، ويأكل المال بالباطل، ويكون هذا المال الذي يكسبه من كسب حرام مانعاً من إجابة دعوته ، والعياذ بالله.

قال النبي عليه الصلاة والسلام : «إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً»، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51]، ثم ذكر «الرجل يطيل السفر، اشعث أغبر يمدُ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام ،فإني يستجاب لذلك».

يقول النبي صل الله عليه وسلم : «أني يستجاب لذلك» بعيد أن يستجيب الله لهذا الرجل، الذي هو أشعث أغبر ، يمد يديه للسماء : يا رب يا رب، ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له؛ لأنه يأكل الحرام. هذا الذي يكون موظفاً بمقتضى عقد الوظيفة فإنه يمنع من مزاولة التجارة، ثم يزاول التجارة، فكلُ كسب كسبه من هذه التجارة فهو حرام عليه، سحت والعياذ بالله ولا يبالي، نقول لمثل هذا : أنت الآن بالخيار؛ إن شئت أن تبقي على الوظيفة فاترك التجارة، وأن رأيت أن التجارة أنسب لك وأكثر فائدة فاترك الوظيفة.

أمران لا يجتمعان حسب العهد الذي بينك وبين الدولة، أنت تعرف أن الدولة تمنع من مزاولة التجارة فلماذا تتاجر؟
قال الله تعالى : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة:1]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الاسراء:34]، يتعلل بعض الناس فيقول: كيف تمنعوني من التجارة وهناك وزراء يتاجرون بالأراضي وعندهم شركات كبيرة، فنقول : إذا ضلّ الناس لم يكن ضلالهم هدى، وإذا كانوا هم ضالين ظالمين بما صنعوا فلا تضل أنت، فإذا قال مثلاً: هذه النظم جاءت من تحت أيديهم، هم الذين شرعوها فكيف يخالفونها؟ نقول : حسابهم على الله ، سيكونون هم أول من يحزن ويتحسر على ما صنع يوم القيامة، حيث لا مال عندهم يفدون به أنفسهم ، ولا خدم ولا حراس يحجزون عنهم، ولا نسب ولا قرابة تنفعهم. فأنت لا تتخذ من مخالفات الناس دليلاً وسلماً لمعصية الله، ولكن عليك بالوفاء بما عاهدت غيرك عليه، وإن كان غيرك يخالف ذلك فليس لك أن تخالفه أنت.

Source: almrsal.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *