الدكتور محمد حيدر
في وقت يقوم فيه كثير من اسياد العرب وبعض علمائهم واتباعهم بتزيين جمالهم ونوقهم ونعاجهم وتيوسهم وصقورهم ودجاجهم وحتى كلابهم ومعاصم ورقاب نسائهم بالذهب وما هو اغلى من الذهب الاصفر والاسود والماس ويتزلفون لرؤسا العالم ويضعون كراماتهم على اعتاب اسيادهم ,هناك ابطال وشرفاء ورجال يتزين الذهب بهم ولا يتزينون به.
بطلان عربيان, وغيرهم من قبل, ان كان في هذه الامة من شرفاء فليكتبوا اسمائهم بماء من الذهب كي يتزين الذهب بهم وبامثالهم.
الجزائري فتحي نورين والسوداني محمد عبد الرسول ان لم يكن لهاذين البطلين نصيبا من البطولة في اولمبياد طوكيو للعام 2020 فنصيب هاذين البطلين ان يفخرا بانهما سجلا اسميهما من عظماء الامة واصحاب المواقف الشريفة التي يفتخر بها ليس مواطنيهم واوطانهم فقط, بل كل اوطاننا تفتخر بهم.
وهل هناك اكثر اثارة من الشهرة والثروة والبطولة والوقوف على منصة كادت ان تكون عرشا لكل لاعب دولي. هل هناك اكثر اثارة من ان تقف ويتفرج العالم باسره عليك عندما تكون تصارع او تسبح او ان تكون في اي لعبة رياضية في رياضة الاولمبياد او عندما يقلدك العالم وساما من الذهب الذي يبلغ ومنه 100 غرام او اقل؟
لكن في عصر الارتماء والانحناء والارتخاء في احضان العدو الصهيوني من قبل بعض زعماء العرب وانظمتها الفاشلة تنتصب قامات وهامات امام ملايين العالم لتقول لا للكيان الصهيوني الغاصب ولا للتراخي في قضايا الامة ولا للتطبيع.
ام ان الذهب او الفضة او حتى البروزنز لهم وزنا غير وزن الذهب والفضة في ميزان القضايا التي تهم الشعوب وخاصة الشعوب المظلومة والانتصار لها؟
وهل هناك قضية اهم من قضية فلسطين في تاريخ العروبة وتاريخ هذه الامة؟ وهل هناك حديث افضل من الحديث عن هاذين البطلين اللذين يذكران العالم بانه لا زال هناك رجال وهمم على قدر الكلمة والموقف والمسؤولية غير ابهين ببهارج الحياة والذهب والشهرة والانتصارات.
الموقف كلمة والكملة مسؤولية والمسؤولية وحجمها وممارستها في وقتها ومكانها يسطران عنوان صاحب الموقف و الكلمة.
وهذا ما فعله بطلين من ابطال العرب المخلصين لعروبتهم وقضاياهم وعلى راسها فلسطين ما دفعهم لرفض منازلة مصارع اسرائيلي.
هذا ما فعله يوم الخميس الفائت البطل المقدام الجزائري فتحي نورين حيث اعلن عن انسحابه من الألعاب الأولمبية “طوكيو 2020″، بسبب احتمالية مواجهته للاعب إسرائيلي واوقف عن المبارايات هو ومدريه واحيلا على التحقيق.
وكذلك فعل يوم امس البطل ابن السودان الابي لاعب الجودو محمد عبد الرسول حيث انسحب الاخر من مواجهة نفس اللاعب من الكيان الاسرائيلي المصارع توهار بوتبول.
وقد يسال سائل ما الهدف من اثارة هذا الموضوع الان ولماذا يفضل لاعبين عربيين ان يتركا مباراة مهمة جدا دوليا ويمثلان فيها بلديهما على مستوى العالم؟ وهل هناك اهم من ان تكون سفيرا لبلدك في بطولة دولية ترفع فيها اسم بلدك وعلم بلادك عاليا ؟ ام ان هناك قضايا اهم من ان تكون سفيرا لبلدك واهم من ان تربح مدالية ذهبية او فضية او حتى برونزية. بل عندك الادراك بانك سفير الامة لا سفير بلدك فقط. سفيرا لقضيتك وليس لرياضتك المفضلة فقط. سفيرا عن شعبك المقاوم وقضيتك المحقة وحملها معك في كل اروقة الارض وليس فقط في اروقة الملاعب لكسب الميداليات.
وكم فرصة يمكن ان تتاح للاعب عربي, مؤكدا انه قادم من بيئة متواضعة ماليا او اجتماعيا, كي يكون سفيرا لبلاده وتكون قدراته ذاتية حتى لم ينميها حتما بلده او في اغلب الاحيان؟ كم فرصة يمكن ان تتاح للاعب عربي ان يكون بين هذه الجموع التي يتطلع اليها كل بلدان العالم ويشهدون تنافسهم بروح رياضية ؟
ام ان هناك قضايا اهم من ان تكون فيها سفيرا لبلادك ؟ واهم من ان يشاهدك الملايين على شاشات التلفزة. ام ان تتاح لك الفرصة للحصول على ميدالية ذهبية او فضية او برونزية ؟ والاهم من ذلك ان كان هناك قضية او مسالة هل يمكن ان تكون بالنسبة للاعب العربي اهم من الذهب والفضة وما هي هذه القضية التي يمكن ان تلهيك عن الذهب والشهرة وهل هي الكلمة او الموقف والمسؤولية؟
واي كلمة وموقف ومسؤولية يمكن ان تدفع بلاعبين عربيين ان يرفضا الذهب والفضة والشهرة والمقابلات التلفزيوني.
هذا هو المشهد العربي الحقيقي وهو المشهد الذي يعيشه ويحب ان يعيشه العشب العربي الاصيل المؤمن بقضاياه الوطنية ويمثله بكل قوة هاذين البطلين فتحي نورين ومحمد عبد الرسول.
الا ان هناك مشهدا اخر لا يمكن ان نتغاضى ولا ان نسكت عنه وهو مشهد القادة والرؤساء والملوك والامراء المتهاوين على جرف صخري اسمه التطبيع والذي سوف يودي بهم الى حتفهم. بين مشهد من يقف بكل عنفوان ويتخلى عن الذهب والفضة والشهرة والاوسمة ومشهد المتكالبين على الشهرة ودفع الذهب والفضة لمن يمنحهم شهادة في الخيانة والذل. بين هذين المشهدين تقف الكرامة العربية منتصرة للمشهد الاول وللبطولة ولكل عربي سواء كان مسلما او مسيحيا سوا ء كان قوميا او وطنيا او اي كان ومن يتخلى عن كرامته وشهامته لاجل ان يسترضي زعماء لن يذكرهم التاريخ الا بهمجيتمهم وعنصريتهم وجبروتهم على الشعوب الفقيرة.
في العاب طوكيو 2020 تنتصر كرامة ابن السودان وابن الجزائر لابن فلسطين والقدس وغزة. تنتصر الكرامة على الذلة وتنتصر صورة الاصيل من العميل البديل.
من طوكيو الى غزة الى جنوب لبنان الى الضاحية الى احياء بغداد وصنعاء وعدن والقاهرة المقهورة والسودان المسلوب وفلسطين الجريحة والاردن الذي ينام على بركان ودمشق الفيحاء التي انتصرت لعروبتها رغم جراحها. من طوكيو العزة الى غزة العزة والقدس الاقدس تحية اكبار واجلال لبطلين رفعا اسم فلسطين من دون ان يقفوا على منصة التنصيب ومن دون ان يسمع العالم النشيد الوطني الفلسطيني او اي نشيد اي بلد عربي. يكفينا ان المندشين للكرامة العربية وللقضية الاهم في العالم انشدوا اجمل نشيد في الكون وهو نشيد فلسطين وغرسوا خنجرا في خاصرة المتصهينين والمستغربين عن قضاياهم واللاهثين نحو التطبيع القاتل. يكفينا ان قالوا لا للذهب ونعم لفلسطين وخجل الذهب من مواقفهم لان المواقف والكرامات لاتشترب بالذهب بل بالكلمة الحرة والمواقف المسؤولة.
من كل عربي ابي وشريف الف تحية والف الف وسام من الفخر وكلمات من القلب تساوي اكثر من الذهب لهاذين البطلين الذين رفعوا راية القضية بينما خذلها حكامنا العملاء.
ان امة تنجب امثال هؤلاء لا يمكن ان تخسر قضاياها بل سينهزم الركب المطبع ولو بعد حين ويبقى هؤلاء الابطال فخر امتنا لينضموا الى قافلة المناضلين من الاحياء والشهداء في هذا الطريق الوعر.
لكن يبقى سوال في بالي الا يا امتنا العظيمة وشعوبنا العظيمة يستحق هؤلاء تكريما يفوق الميداليات من الذهب وتيجان من الفخر والعزة والاباء وتكريم لمواقفهم التي لاتعبر عن شيء الا عن كرامة امتنا وكلمتنا ومواقفنا؟
ان مثل هؤلاء يستحقون التكريم بعد ان فضلوا ان يخسروا افضل فرص النجاح في عالم لا يساوي اكثر من تكريم على منصة من الخشب وميدالية من المعدن اللامع. لكنم بغض النظر ان كرمتهم حكوماتهم او لم تكرمهم على مواقفهم يبقى لي كلمة اخيرة يكفيني فخرا ان امثال هوءلاء هم النشيد الذي يصدح به صوتي ولساني ويضج له عقلي وينبض به قلبي فلهم مني تحية من القلب واللسان والروح لانهم من ابطال امتي وبهم وفتخر.
وقرر نورين الانسحاب من هذا الحدث الدولي في خطوة منه لنصرة القضية الفلسطينية (على حد قوله)، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقوم فيها اللاعب الجزائري بهذا الموقف، وفقا لما نقلته صحيفة “النهار” الجزائرية.
واعتبر الاتحاد الدولي للجودو أن موقف نورين “يتعارض مع سياسة الاتحاد الصارمة ضد التمييز ومبادئ الرياضة ذاتها التي تستند إلى قانون أخلاقي قوي يتضمن الاحترام والصداقة”.
يذكر أن الاتحاد الدولي للجودو لا يظهر أي تسامح مع “التمييز”، ففي عام 2019 كان قد منع إيران من المشاركة في المنافسات الدولية؛ بسبب رفضها السماح للاعبيها بمواجهة نظرائهم الإسرائيليين.
كاتب لبناني
Source: Raialyoum.com