ما هو الأفضل للمغرب العربي.. استفتاء تقرير المصير أم السُّلَّم الذي يتيح لجميع الأطراف النزول من فوق الشجرة؟

Share your love

 

 

الفهرس

عبدالسلام بنعيسي

حالت ظروفٌ قاهرة دون إجراء استفتاءٍ لتقرير مصير ساكنة الصحراء الغربية، فلقد فشل شيوخ القبائل الصحراوية، المحسوبون على المغرب ونظرائهم المحسوبون على جبهة البوليساريو، والذين كُلِّفوا بمهمة تحديد الهيئة الناخبة، فشلوا في أداء هذه المهمة، وعجزوا عن الاتفاق حول لائحة الأشخاص الصحراويين الذين يحقُّ لهم التصويت في الاستفتاء.

الأسماء التي كان يقدمها الشيوخ المحسوبون على المغرب للتسجيل في لائحة التصويت، كانت تُرفَضُ من طرف الشيوخ المحسوبين على البولساريو، والعكس صحيح أيضا، وبطبيعة الحال، فإن التفسيرات والتبريرات كانت جاهزةً عند كلِّ طرفٍ، وكان يخرج ليصدح بها أمام وسائل الإعلام، ولجمهوره.

ونتج عن ذلك أن تعذَّر إحصاء الجسم الانتخابي الصحراوي الذي يحقُّ له المشاركة في الاستفتاء، فلم يتقدم مسلسل تقرير المصير عبر التصويت الانتخابي، قيد أنملة، وبدا واضحا أن هذا الخيار اصطدم، منذ انطلاقه، بالجدار المسدود، وتبيَّن في الممارسة، أن المقترح وُلِدَ ميتا، رغم أن العاهل المغربي الحسن الثاني كان هو الذي تقدَّم به سنة 1981 في مؤتمر قمة نيروبي، كصيغة لإيجاد حلٍّ نهائي لمشكل الصحراء الغربية..

وحتى لو افترضنا أن شيوخ القبائل الصحراوية تجاوزوا عقبة تحديد لائحة المصوتين في الاستفتاء، وتمكنوا من ضبطها، ومع التذكير بأنه تعذَّر لحد الساعة، منذ سنوات عدة، الاتفاق على ممثل في الصحراء للأمين العام للأمم المتحدة.. من الممكن القول إن عوائق موضوعيةٌ كثيرة كانت ستنشبُ أمام عملية إجراء الاستفتاء، وكانت ستعترضه في الميدان عراقيلُ كثيرة، وعلى رأسها إشكالُ من هي الجهة التي ستنظم الاستفتاء؟

الجواب الجاهز والتبسيطي هو: الأمم المتحدة هي التي ستكلِّفُ لجنةَ بهذه المهمة.. لكن من هي العناصر التي ستتكوَّنُ منها هذه اللجنة، وستشرف على الاستفتاء وتُنظِّمُه ميدانيا؟ ومن الذي يختار طاقمها؟ وكيف سيطمئن الطرفان المعنيان بالاستفتاء إلى كافة عناصرها؟ ومن الذي يضمن حيادها؟ وهل ستمتلك اللجنة إياها الوسائل المادية الزجرية التي تُؤمِّنُ لها إجراء الاستفتاء طبقا للقوانين المرعية؟ وهل سيكون لديها الطاقم البشري الكافي الذي سينظم الاستفتاء بشكلٍ محايدٍ حقا، وبعيدا عن كل إكراه أو تزوير؟ وأين ستقام مراكز التصويت؟ ومن الذي سيراقبها؟ وكيف ستجرى الحملات الانتخابية؟ وما هو المسموح وغير المسموح قوله فيها؟؟

  ليس خافيا أن سكان الصحراء لا يزالون، في غالبيتهم العظمى، ينتمون، وجدانيا وسياسيا، لقبائلهم التي ينتمون إليها، وغالبا ما يقع التصويت تبعا للانتماء القبلي، وكما هو دراجٌ عندنا، فإن كل قبيلة تتمسك، بقوة، برأيها، ولا تقبل التنازل عنه بسهولة للقبيلة التي تختلف معها في الرأي، وكما هو معروف فإن السلطات، في الجهتين المتقابلتين، تخترق الزعامات القبائلية، وتتمكن بوسائلها الخاصة، من الحصول على ولاءاتها..

 وإذا كانت القبائل الصحراوية متباينة الولاءات، فكيف ستتصرف تجاه بعضها البعض، على امتداد الإقليم الصحراوي بكامله، في مدنه، وقراه، وبواديه، وواحاته، ومراعيه، خلال الحملة الانتخابية، وفي تجمعاتها الضخمة، حيث يرتفع منسوب المزايدات الكلامية، ويحتدُّ التراشق بالكلام النابي، وتبادل الاتهامات، وأحيانا السباب والشتائم، وتصرُّ كل قبيلة على الانتصار لاختيارها؟ وهل القوة الأمنية، التابعة افتراضيا للأمم المتحدة، ستكون قادرة على توفير الضمانات الكافية على أن عملية إجراء الاستفتاء، خلال الحملات الدعائية، وأثناء التصويت، والإعلان عن النتائج، ستمرُّ في سلاسة وأمنٍ وهدوء، ولن يُكدِّرها أي مُكدِّر؟

أليس من المحتمل أن تؤدي التباينات في التصويت بين القبائل، والاحتكاك اللفظي والعنف الكلامي بين أفراد القبائل والسكان الصحراويين، والمغاربة من أصول غير صحراوية الموجودين في الإقليم، أثناء الحملات الدعائية، أو خلال التصويت، وبعد إعلان النتائج، إلى نشوب نزاعات مسلحة بين المتبارين في الاستفتاء، وأن ينتج عن ذلك حدوث مذابح ومجازر جماعية، قد تغرق المنطقة في أتون صراع أعمق وأخطر من المستوى الذي كانت عليه قبل لحظة الاستفتاء؟؟

وهل سيتفق جميع أعضاء اللجنة الأممية المكلفة بإجراء الاستفتاء حول الظروف التي جرى فيها الاستفتاء، والنتائج المترتبة عنه؟ وماذا سيحدث إن تباينوا في تقييم الأجواء التي راج فيها الاستفتاء؟ وماذا سيقع إن بادرت الجهة الخاسرة في الاستفتاء إلى عدم القبول بنتائجه ورفضت الاعتراف بها، واستمرت متشبثة بموقفها الذي كانت عليه قبل إجرائه؟ ألن تجد من القوى العظمى، ومن الدول الموالية لها وصديقاتها، من يساندها في موقفها، ويشجعها على الاستمرار متعنتة فيه، ويظل الأمر في المنطقة كما كان عليه قبل الاستفتاء، بل قد يزيد تفاقما واستفحالا؟؟

في الاستفتاء إن صوت الصحراويون لصالح الانفصال سيخسر المغرب بالضربة القاضية، وستربح الجزائر ومعها البوليساريو ربحا مبينا، وهذا أمرٌ يصعب على المغاربة القبول به، وسيرفضونه ويقاومونه، مهما كلفهم ذلك من أثمان. وإن صوّت الصحراويون في الاستفتاء لصالح البقاء مع المغرب، فستكون الضربة مزلزلة للجزائر، وسيقف العالم على أنها كانت تسوق لجمهورية غير مقبولة من طرف ساكنة الصحراء، وسيحاسب الشعب الجزائري نخبته الحاكمة على كل الأموال التي أنفقتها بلا طائل حول هذا المشكل الذي بيّن الاستفتاء أنه كان مصطنعا من طرفها، وبالطبع يصعب على النخبة الحاكمة في الجزائر القبول بهذا الأمر والإقرار به، ويمكن المجازفة بالقول، إنها سترفضه، وستخلق لنفسها ما يكفي من المبررات لتبْنِيَ عليها رفضها..

العالم الغربي الذي يقف متفرجا منذ ما يقرب من الخمسين سنة، دون أن يتحرك لإيجاد حلٍّ مناسب للمشكل القائم في الصحراء الغربية، لن يزعجه تنكُّرَ أي دولة من الدولتين المعنيتين به، لنتائج الاستفتاء في الأقاليم الصحراوية، سيُكيِّفُ هذا العالم الظالم لغته، وأسلوب عمله، مع ما يستجد من وقائع في الأرض، وسيستمر في موقفه تاركا المشكل منتصبا بين البلدين، وسيضع له ضوابط تمنع تفجُّرَهُ، وتُؤمِّنُ استمرار التحكم فيه، والسيطرة على المنطقة بواسطته..

لو كان بالإمكان إجراءُ الاستفتاء، لتم إجراؤه بالاختيار بين أمرين، البقاء ضمن الوحدة الترابية المغربية، أو الانفصال عنها، فاختيار الانضمام إلى المغرب، أفضل بالنسبة لعموم المغاربة من الحكم الذاتي الموسع، وعندما يقترح المغرب الحكم الذاتي الموسع، فلأنه يدرك أن إجراء الاستفتاء أمرٌ لا حظوظ  له لكي يتجسد على أرض الواقع..

ما أسهل رفع شعار تنظيم استفتاء تقرير المصير لسكان الأقاليم الصحراوية، لكن ما أصعب تطبيقه، تعترض تطبيقه، مطبَّاتٍ في حجم الجبال، وتجعل من إجرائه أمرا مستحيلا، ولذلك استبدله المغرب بمقترح الحكم الذاتي المُوسَّع والذي وصفه مجلس الأمن بأنه مقترحٌ جدي وله مصداقية. كان هذا المقترح بمثابة السلم الذي مدَّهُ المغرب لجميع الأطراف للنزول من فوق الشجرة، إنه استقلال للإقليم الصحراوي، لكن تحت السيادة المغربية، وهو مقترحٌ يحفظ ماء وجه كل المعنيين بملف الصحراء ويحفظ لهم كرامتهم.

ما يفترضه طرفٌ ما حججا تاريخية وقانونية يدافع بها عن وجهة نظره، سيقابله الطرف الثاني بحجج مضادة تاريخية وقانونية أيضا يجادله بواسطتها، وسنظل ندور في حلقة مفرغةٍ، وفي سجال عقيم وبولميك لا ينتهيان. المشكل سياسي، ويتعين حلُّه سياسيا عبر التفاوض بين الدولتين: المغربية والجزائرية.. دون ذلك ستبقى المنطقة على حالتها المزرية، وستستمر في تشرذمها، في عصر التكتلات القارية التي تنشأ، اقتصاديا، وتجاريا، وسياسيا، عبر جهات العالم المختلفة، إلا في منطقتنا هذه، المنكوبة بنخبتها الحاكمة..

كاتب مغربي

Source: Raialyoum.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!