وللمرة الأولى منذ 60 عاما، انكمش عدد سكان الصين في عام 2022، حسبما أعلن المكتب الوطني للإحصاء في البلاد، الثلاثاء، أي أن عدد الوفيات فاق عدد المواليد.
وجاءت هذه الأرقام مغايرة للتوقعات التي قالت إن عدد السكان سيبدأ في الانكماش في عام 2025.
انخفاض السكان بالأرقام
وقال المكتب في الإحاطة السنوية عن البيانات السكانية إن عدد السكان هبط في عام 2022 إلى 1.41 مليار، منخفضا بنحو 850 ألفا من العام الذي سبقه.
وانخفض معدل المواليد إلى 6.77 مولود لكل 1000 نسمة في 2022، بعدما كان 7.52 مولود لكل 1000 نسمة في العام الذي سبقه.
وهذا أقل معدل تحققه الصين منذ الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949.
وللدلالة على حجم الأزمة الديمغرافية في الصين، كان معدل المواليد في الولايات المتحدة 11.6 مولود لكل 1000 من السكان، وفي بريطانيا 10.08 للعدد نفسه من السكان في عام 2021، بحسب “بي بي سي”.
وكان آخر انخفاض في عدد السكان شهدته الصين في ستينيات القرن الماضي، إبان المجاعة الكبرى التي حصدت أرواح الملايين.
“طريق لا رجعة فيه”
وبلغ إجمالي عدد المواليد في الصين خلال العام الماضي 9.56 مليون مولود فقط، انخفاضا من 10.62 مليون في العام الذي سبقه، وفق ما نقلت وكالة “بلومبرغ” الاقتصادية الأميركية عن بيانات رسمية صينية.
وقال كبير الباحثين في شركة “Pinpoint” لإدارة الأصول، جواي زهان لشبكة “سي أن أن” الأميركية: “إنه من المرجح أن ينخفض عدد السكان هنا (الصين) في السنوات المقبلة، وهذا أمر مهم للغاية، إذ إن هناك تداعيات على النمو المتوقع والطلب المحلي”.
وتتفق معه يو سو، الباحثة الرئيسية في وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجموعة “الإيكونومست” البريطانية. وذكرت أن اتجاه الهبوط سيستمر بشكل أسوأ مقارنة بما حدث في أزمة جائحة كورونا.
وقالت إن معدل البطالة المرتفع وانخفاض توقعات الدخل قد يؤخرا خطط الزواج والإنجاب، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض عدد المواليد.
وتوقعت أن يكون عدد الوفيات خلال عام 2023 أعلى مما كان عليه في فترة ما قبل وباء كورونا، بسبب التفشي الأخير للوباء.
وقال وانغ فينغ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا إنه مع نقطة التحول التاريخية، التي حدثت في الصين، فإنها ستخدل طريق لا عودة فيه لجهة انخفاض عدد السكان.
أسباب الانخفاض
وسلّط تقرير لوكالة “رويترز” الضوء على تداعيات جائحة كورونا والإغلاقات التي رافقتها على انخفاض عدد السكان.
وقال إن الجائحة سرّعت من وتيرة انخفاض المواليد في الصين، إذ جعلت حالة انعدام اليقين الكثير من الصينيين يعرضون عن الإنجاب.
ومشكلة اعتلال الخصوبة في الصين ترجع إلى أسباب عديدة قبل كورونا، منها سياسة الطفل الواحد، التي كانت تسمح للزوجين بإنجاب طفل واحد فقط، لتفادي حدوث مشكلات عديدة في المجتمع، لكن المشكلات وقعت في وقت لاحق.
واستمر العمل بهذه السياسة لعقود من الزمن (1980- 2015)، إذ أعلنت السلطات في عام 2015 أنها ستسمح للأزواج بإنجاب طفلين.
وجاء التراجع عن هذه السياسة بعدما أدرك صانعو السياسات أن الأمر ينطوي على زيادة الشيخوخة بين السكان وتقلص القوى العاملة، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي.
ورغم أن بكين تراجعت عن هذه السياسة، إلا أن النتائج لم تكن إيجابية.
وشهد عام 2016 ارتفاعا قصيرا في عدد المواليد، لكن المعدل العام استمر في الانخفاض في السنوات التالية.
وفي عام 2021، حدث تغير جديد على السياسة الصينية، إذ سمحت السلطات للأزواج بإنجاب 3 أطفال، علاوة على حزمة من التدابير التشجيعية للأزواج مثل تخفيض الضرائب.
صحيح أن السياسات تعدلت في الصين، لكن الصحيح أيضا أن الأفكار تغيرت، إذ أصبح الشبان الصينيون يفضلون تأجيل الزواج أو الإحجام عن إنجاب الأطفال، وفي أحسن الأحوال أظهر استطلاع للرأي بين طلبة الجامعات الصينية أن العدد النموذجي للإنجاب هو اثنين فقط، وفق صحيفة “غلوبل تايمز” الصينية.
وتشمل الأسباب التغيرات التي طرأت على طبيعة المجتمع، إذ برزت الصين كقوة اقتصادية خلال العقود الماضية، وتحولت من دولة زراعية إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهذا أدى إلى زيادة في متوسط العمر المتوقع، مما ساهم في زيادة عدد السكان وانخفاض المواليد.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” إن دخول البلاد في أزمة ديمغرافية سيكون لها عواقب وخيمة ليست على الصين وحدها بل على العالم أيضا.
وعلى سبيل المثال، فإن الصين لن يكون لديها في المستقبل العدد الكافي من القوة العاملة لتحريك عجلة النمو، وهي التي تعتبر “مصنع العالم”.
وسيؤدي نقص العمالة الذي يصاحب شيخوخة السكان في تقليل عائدات الضرائب، وزيادة الأعباء على نظام المعاشات والخدمات التقاعدية الذي يعمل تحت ضغط كبير حاليا.
الهند ستتجاوز الصين في 2023
ومن المتوقع أن تزيح الهند الصين من المرتبة الأولى في قائمة أكثر الدول من ناحية عدد السكان، خلال العام الحالي 2023.
وقالت شبكة “سي أن أن” الأميركية إن هذا التجاوز سيحدث في غضون عدة أشهر.
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن الهند ستصبح أكبر بلد في العالم في أبريل المقبل.
ويبلغ عدد سكان الهند حاليا 1.4 مليار نسمة.