هآرتس
اللواء احتياط غيرشون هكوهن 28/12/2020

نصبت المناورة الكبيرة التي اجراها الجيش الإسرائيلي في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إشارة حيوية إلى جاهزيته للحرب. كما استهدفت المناورة ايضا ان تكون تجربة عملياتية لمفهوم العمل الجديد الذي يتبلور في الجيش الإسرائيلي تجاه التغييرات التي تجري في ساحة الحرب. وتثير ميول التغيير في الجيش منذ سنين الانتقاد على ما يبدو في نظر خبراء الحروب في القرن العشرين كتخل عن المسلمات الكلاسيكية الاساس في عقيدة القتال.
ينظر المنتقدون للمفاهيم الناشئة في الجيش الإسرائيلي كمفاهيم تعاني من “تأثير زائد للتفكير ما بعد الحداثة”. فهذه الادعاءات لا تتنكر بالتغيير المهم الذي يجري منذ ثلاثة عقود في الوسائل القتالية وفي مزايا سير الحرب.
فما الذي تغير؟ يتوقع الجميع من الجيش الإسرائيلي بانه إذا ما نشبت حرب سيحقق مرة اخرى نصرا سريعا مثلما في الأيام الطيبة لحملة سيناء وحرب الأيام الستة، غير أن شيئا مهما تغير منذئذ. ففي احاطة قدمها رئيس الاركان موشيه دايان قبيل حملة سيناء يوجد تعبير موجز عن التغيير الذي تشكل منذ تلك العهود في الأساليب القتالية للعدو. وهكذا وصف دايان في تلك الاحاطة المفتاح للنصر.
“لسرعة التقدم أهمية عليا بالنسبة لنا، كوننا يمكننا بهذه الطريقة أن نستنفد أساس تفوقنا على الجيش المصري. ولا أقصد تفوق كل فرد فينا مقابل خصمه المصري طيار مقابل طيار، طاقم دبابة مقابل طاقم دبابة – بل لجيشنا كله. المصريون يعملون بمنهاجية وقادتهم يوجدون في الجبهة الداخلية، كل تغيير عليهم أن يحققوه في الاستعداد مثل ايجاد خط دفاع جديد ونقل القوات ليس وفقا للخطة الأولية – سيتطلب عندهم زمنا للتفكير، للبحث والقرار في القيادة الرئيسة. وفي المقابل، فاننا قادرون على أن نعمل بمرونة أكبر وبروتين عسكري أقل… هذه الميزة، اذا ما استغليناها فستسمح لنا بعد الاقتحام الاول ان نواصل القتال ضد المصريين قبل أن يتمكنوا من إعادة الاستعداد وفقا للتغييرات التي وقعت في جبهتهم.
زخم الهجوم تقيد
منطق دايان هذا فهمه حزب الله الذي سعى الى تشويشه. ومن تشخيص سرعة المناورة الهجومية للجيش الإسرائيلي كمفتاح لتفوقه العملياتي تبلور منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان المفهوم القتالي لحزب الله. صحيح أن شرارات السعي الى نزع مزايا الجيش الإسرائيلي وجدت منذ 1973 في المنطق الحربي للرئيس المصري السادات وتسببت بفشل الهجمات المضادة للجيش الإسرائيلي في 8 و 9 تشرين الأول (أكتوبر) في جبهة القناة، الا ان حزب الله طور هذا الميل ونجح في أن يضع أمام الجيش الإسرائيلي تحديا عملياتيا غير مسبوق يقوم على أساس ثلاثة جهود منظوماتية:
1· ضربة نار صاروخية متواصلة وواسعة النطاق تتم على مدى أيام طويلة ضد أهداف في الجبهة الإسرائيلية المدنية والعسكرية الداخلية في كل طيف المسافات.
2· انتشار دفاعي مكثف يستهدف جباية ثمن عالٍ من قوات الجيش الإسرائيلي المهاجمة لدرجة التشكيك بمجرد الغاية من الخطوة البرية الهجومية.
3· الجهد الثالث الذي لم يكن نضج عند نشوب الحرب في صيف 2006، موجه لهجوم واسع النطاق من قوات كوماندو على بلدات واستحكامات للجيش الإسرائيلي في الاراضي الإسرائيلية على طول الجبهة.
وهكذا تعطلت الفكرة العملياتية لدايان. فبانتشار حزب الله الدفاعي المتواصل على طول المحاور الجبلية وفي القرى قيد حزب الله زخم الهجوم العسكري الإسرائيلي. وبالتوازي بلور الحزب – بواسطة طريقة قيادة وتحكم موزعة تمنح استقلالية قيادية في الجبهات الفرعية عند القتال – جوابا على مشكلة الانقطاع والتشويش المتوقع لقياداته الرئيسة.
ومع الدمج لهذه المجهودات الثلاثة يتم تحدي القدرات التقليدية للجيش الإسرائيلي لدرجة الحرج الاستراتيجي لغاية عمله والتشكيك بجدوى الهجوم البري. ويعبر الشك ضمن أمور أخرى عن نفسه بالفهم بانه حتى لو وصل هجوم بري إسرائيلي حتى بيروت لن يتحقق بالضرورة الحسم لان منظومات حزب الله في الجبهات الفرعية التي تتجاوز القوات المناورة في تقدمها الى العمق، ستواصل قتالها حتى في ظروف الحصار. لتطهير المنطقة بكاملها ستكون حاجة الى حجم كبير من القوات وزمن طويل. وفي هذه الاثناء من شأن النار الصاروخية الدقيقة لحزب الله ان تتواصل وتشل الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بما في ذلك النار من وسائل تقوم في شمال لبنان، في سورية وفي العراق، وخطوط البدء للبحث في شروط وقف النار من شأنها ان تدين إسرائيل وتعرضها كمهزومة.
لا تنفي هيئة اركان الجيش الإسرائيلي التحدي، وفي الثناء على رئيس الأركان الفريق أفيف كوخافي تجدر الإشارة الى أنه يتكرس لتجاوز المشكلة وطرحها بكامل معانيها. ومن هنا تنبع مطالبته باختراق حديث في مفهوم عمل الجيش الإسرائيلي.
الإبداعية الناشئة عن الضائقة
لقد كان الاعتراف بالضائقة دوما محركا للابداع. فلولا ضائقة المياه للزراعة الإسرائيلية لم ولدت طريقة الري بالتنقيط. وحيال حزب الله، الذي يعتمد في طريقة القتال على مصاعب التقدم في المنطقة الجبلية والمبنية، فان الجيش الإسرائيلي ملزم باختراق حديث، وهذا موجود كما شخصته هيئة الأركان في استنفاد عناصر التفوق التكنولوجي المميزة لإسرائيل وبالدمج المتطور لقوات الجو، البحر والبر.
لم يكن قادة الجيش الإسرائيلي في العقود الأولى مطالبين بابداعية مميزة في أساليب القتال. فقد عملت وفقا للعقيدة البريطانية او السوفياتية التي تبلورت بعد الحرب العالمية
الثانية. وفي الحرب ضد الجيوش التي عملت ضمن هذه الصيغة، كانت المسلمات الكلاسيكية الأساس ذات صلة. وارسل اللواء إسرائيل طل كقائد فيالق المدرعات واللواء تسفي زمير كرئيس شعبة العمليات الى المانيا في السنوات التي سبقت حرب الأيام الستة ليتعلما من تجربة قادة المدرعات الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وبالفعل بدا القتال في حرب الأيام الستة في شكله الأساس كجولة أخرى من معارك الحرب العالمية الثانية.
وفي هذه الاثناء، فان أساليب الحرب التي تبناها حزب الله بنجاح لا بأس به تستوجب من الجيش الإسرائيلي تكيفا حديثا. وفي ضوء الاسبقية التي يشكلها تهديد الحزب، ليس لقادة الجيش الإسرائيلي القدرة على الاستعانة بحل معروف في جيوش العالم. في هذه الظروف، فانه اذا واصل الجيش الإسرائيلي العمل وفقا للمسلمات الأساس من القرن الماضي فانه قد يعلق في هزيمة.
لقد علق موشيه دايان قدرة زخم المناورة للجيش الإسرائيلي باستقلالية القائد الإسرائيلي. وشرح قائلا: “يمكنني أن اشير في الخريطة الى قناة السويس. وان أقول للقائد هذا هدفك، هذا هو المحور الذي ستتحرك عليه، لا تتصل بي في اثناء العملية لتلقي المساعدة. ما كان بوسعنا أن نخصصه لك حصلت عليه ولا يوجد أكثر من ذلك… عليك ان تصل الى السويس في غضون 48 ساعة.
هذا بالضبط ما تغير. حيال القدرات الجديدة التي توجد لدى العدو لتشويش تقدم قوات الجيش الإسرائيلي مطلوب اليوم لقيادات الفرق وقيادات الالوية قدرات جديدة لمرافقة ودعم القوات المتقدمة بمساعدة ملاصقة من الاستخبارات والنار. وتعرض التكنولوجيا المتطورة لهذه المتطلبات جوابا اختراقيا. هنا تكمن حيوية حداثة الجيش الإسرائيلي كضرورة عملياتية وكأمر الساعة.