الدكتور أكرم عبد القادر
إن الانطلاق نحو المستقبل والإنعتاق من مصطلح دول العالم الثالث , بحاجة الى مشاريع نوعية وخطط تنموية تحقق التكامل الأفقي و الرأسي مع كافة محاور البناء، وعلى رأسها الموارد البشرية الفنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المهندسين والفنيين المؤهلين الذين يشكلون الرافعة الأساسية للنهوض في سوق العمل الأردني، والارتقاء بالصناعات المتوسطة والخفيفة وتصدير الأيدي المدربة والماهرة، التي تجمع بين النظرية والتطبيق الى المنطقة العربية.
لكننا على الرغم من الخطط قصيرة المدى التي تم رسمها لمستقبل التعليم المهني والفني إلّا أنه لازال يراوح مكانه بالمجمل ولم يتحرك المنحنى البياني الإيجابي بالصورة المطلوبة نتيجة عوامل متعددة يمكن إجمالها بما يلي:
أولاً : ضبابية الهيكلة التنظيمية والمؤسساتية لمنظومة التعليم المهني والصناعي والتقني وارتباطاتها المتشعبة مع وزارة التربية والتعليم ومؤسسة التعليم المهني ووزارة التخطيط والمنظمات الدولية الداعمة والموجهة كمؤسسة يونيفوك ( unevoc ) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، إضافة الى مؤسسات القطاع الخاص، والمؤسسات غير الربحية والنقابية التي تعنى بهذا النوع من التعليم، وبالتالي نحن بحاجة أن نخرج من مشكاة واحدة في رسم الخطط الاستراتيجية والتشغيلية، بما يحقق التناغم والتكامل في توزيع الأدوار وفق جدولة زمنية محددة وبما يحقق الحوكمة ويمضي بنا قدمًا نحو ديمومة التنمية المستدامة والتطور والارتقاء.
ثانياً : النمطية والقولبة ومقاومة التغيير في البرامج والمناهج والمقررات الدراسية المقدمة والمطبقة في هذه المؤسسات مما أدى الى حدوث فجوات معرفية ومهارية لدى خريجيها مقارنة مع العمالة الوافدة المدربة والمؤهلة والمواكبة للمستجدات التقنية والصناعية والمهارات الأدائية,.., لذلك نحن بحاجة الى نهضة شاملة لتغيير ديناميكي في المدخلات التعليمية والبرامج المقدمة ؛ فلا يعقل أن نستمر في تدريس الرسم الصناعي – على سبيل المثال لا الحصر – بصورته التقليدية السائدة والعالم يدرّسه بطريقة تقنية دقيقة منذ ما يزيد على عقد من الزمان ( الأوتوكاد ).
إضافة الى برامج المحاكاة، وتوظيف البرامج الحاسوبية في ضبط المدخلات والعمليات لتتواكب ومخرجات الثورة التكنولوجية ومستحدثاتها التقنية.
ثالثًا : النظرة المجتمعية السائدة نحو التعليم المهني والصناعي والتقني وارتباط فكرة الالتحاق بهذه الأنواع من التعليم بالفشل الدراسي، وتعزيز هذه الفكرة بالتصنيف السنوي المعمول به في وزارة التربية والتعليم الذي يعزز النظرة الدونية لهذه البرامج، ويعلي من شأن مسارات التعليم العلمي والأدبي في المقابل !! مما يدعونا الى إعادة النظر ورسم الخطط الثقافية والاجتماعية التي تغير هذه الصورة النمطية السائدة التي ستحد بالضرورة من معدلات التسرب الطلابي لاسيما في المرحلة الثانوية، وتقلل من درجة عزوف الطلبة عن الالتحاق بهذه البرامج، وتعزز الخطط التنموية المرسومة للحد من نسبة البطالة التي توالي ارتفاعها بصورة غير مسبوقة.
رابعًا : انخفاض نسب الإناث الملتحقات بالتعليم المهني والصناعي والتقني نتيجة العادات الاجتماعية في النظر الى النوع  الإنساني  وارتباطه بتوزيع المهن على الذكور والإناث والطبقية المجتمعية المباشرة وغير المباشرة، إضافة إلى ضعف برامج التوعية الارشادية و المهنية.
خامسًا : ضعف تنظيم سوق العمل، و إمكانية العمل في مشاريع صغيرة أو متوسطة دون الحصول على  الإعتمادات والشهادات اللازمة للموارد البشرية، مما يسهم في الحد من الالتحاق ببرامج التعليم التقني والمهني والصناعي نتيجة اتجاهات سلبية تدور حول المؤسسات والمدارس الصناعية أو لقناعة البعض بعدم جدوى هذا النوع من التعليم في إكساب المتعلمين المعارف والمهارات اللازمة والانتقال مباشرة عبر التسرب من المدرسة إلى هذه المصانع والمعامل والتعلم من خلال التجربة والخطأ أو ما يسمى بالخبرة العملية !!!
وأمام هذه الأسباب مجتمعة نحن بحاجة إلى امتلاك إرادة التغيير، واستشراف المستقبل على ضوء ظهور واختفاء مهن معينة نتيجة الثورة التقنية المعاصرة وتطبيقاتها الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوت، وإعداد إستراتيجية وطنية متكاملة للنهوض في الموارد البشرية التي تحقق التنمية المستدامة، وتعزز الانجاز الوطني من خلال البناء التراكمي الواعي في الألفية الثالثة ودخول وطننا الأردن في مئويته الثانية.