
عبدالله توفيق كنعان*
يقف المرء حائراً ومتعجباً باحثاً عن الحلول المقنعة والكفيلة بالحد أو القضاء نهائياً على بعض الظواهر السلبية المقلقة التي أصبح يشاهدها يومياً ويعاني والمجتمع كله من نتائجها الخطيرة، وذلك على الرغم من وجود القوانين والقيم والعادات والتقاليد الايجابية الكثيرة القادرة على خلق مناخ من الأمن المجتمعي، لذا فإن مشاهدة بعض السلوكيات الطائشة وغير المقبولة لا يمكن فهم أسباب وجودها إلا بردها إلى غياب الوعي الفردي المقترن للأسف بغياب الرادع القانوني الجدّي والمتمثل بضرورة التشديد بتطبيق القانون بالتزامن مع إعادة صياغة بعض المواد القانونية لتكون سبيلاً ناجحاً يخلص مجتمعنا العزيز من خسائر في الأرواح والاقتصاد في وقت عصيب اشتد فيه على عالمنا التحديات والمشكلات.
إن كورونا الطرقات (ثقافة الطيش وعدم الالتزام بقانون السير) جعلت من شوارعنا في جميع المدن والقرى ساحة حرب دامية تزهق فيها الأرواح البريئة من الأطفال والشباب والشيوخ لتغادرنا أجسادهم تاركة خلفها أصدقاء نفوسهم حزينة وأُسر تعيش كل لحظة مأساة فقد معيلها أو فلذة كبدها، كل ذلك نتيجة قيام بعضهم وبغطرسة وعنجهية بجريمة قتل متعمدة، سببها السرعة الجنونية وعدم الالتزام بالشواخص المرورية وتجاوز الإشارة الضوئية، ودخول مسرب خاطئ وضعت عليه إشارة ظاهرة كتب عليها ممنوع المرور، فضلاً عن عدم امتثاله لأوامر وتعليمات رجال السير المتواجدين على طول طرقات وطننا من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه، ولا تؤلمه أبداً آلاف التغريدات والمنشورات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، علماً أن بعض هذه الصور والمناظر من شدتها كفيلة بمنعك من النوم لساعات وأيام.
وبحسب التقرير السنوي للحوادث المرورية 2019، الصادر عن مديرية الأمن العام فقد أفاد وقوع (161511) حادثاً مرورياً نتج عنها (10857) اصابة منها (643) وفاة رحمهم الله، فضلاً عن آلاف الاصابات البليغة، وخسائر مالية بلغت حوالي (324) مليون دينار، أرقام وإحصائيات تضع الجميع أمام مسؤوليتهم، وتجعل من المطالبة بإيقاف نزيف الدماء والدموع على الضحايا مطلباً وطنياً شرعياً وقانونياً.
واليوم نحتاج إلى مواجهة حوادث السير سواء بصيانة دورية للطرق والمركبات والأهم من يستعملها ومن يروج بطيشه للاستقواء على القانون والنظام، بل يستقوي على قيمنا الدينية وعلى أحلامنا في الحفاظ على أسرنا بعيدة عن الخطر، فإن لبسك للكمامة واعتمادك ثقافة التباعد والسلامة العامة تقيك وباء كورونا بإذن الله، أما شبح كورونا الطرقات فما نزال نعاني للأسف منه والحل الوحيد مواجهته بقانون عصري فعّال رادع يجعل على مفتعل الحوادث غرامة مالية كبيرة وسحب رخصة القيادة لفترة طويلة، الى جانب توفير برنامج تأهيل وتثقيف إجباري مكثف، والعمل على نشر آلاف كاميرات المراقبة على كل شوارعنا علماً أنني طالبت بذلك المسؤولين الأعزاء عدة مرات، وقد نجحت العديد من الدول في تجربة مراقبة الطرق بالكاميرات ومنها دولة الامارات العربية وقد كنت كتبت مقال عن التطور في مفهوم الخدمة العامة والرعاية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع والرقابة على الطرقات في دولة الامارات حتى انني علمت ان عدد كاميرات المراقبة في مدينة دبي وحدها بلغ اكثر من(70) ألف كاميرا للمراقبة، إن أملنا اليوم هو الاسراع بحل هذه المعضلة من خلال القيام بحملة توعية نشطة وفعالة وفق برامج دقيقة معدة لتنفيذ وتحقيق أهداف هذه الحملة تشمل المدارس والجامعات التي يجب عليها تخصيص مساقات ضمن مناهجها لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
إن هناك حاجة ضرورية لتخصيص كل منبر ثقافي واعلامي ومجتمعي لبيان خطورتها ورأي الدين والقانون والقيم فيمن يخالف قوانين السير، ومخالفة صريحة لقانون السير ومخالف ورافض لمبدأ سيادة القانون الذي ينادي ويعلنه دائماً جلالة الملك عبد الله بن الحسين باعتبار سيادة القانون والنظام ركيزة للدستور وأهم مقومات المواطنة التي نسعى أن تسود فكر الجميع وتظهر في سلوكهم الاجتماعي، فتعليم الناس الحفاظ على النفس يعادل عند الله تعالى واجب تعليمهم دينهم، فالأخلاق والقيم والسلوكيات الايجابية هي أيضاً من الدين والشرع، كما يتوجب علينا وضع استراتيجيات وخطط لتنفيذ التوجيهات الملكية السامية المتمثلة بقول صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله :”نتيجة الاستهتار بقواعد السير وعدم تطبيقها نخسر كل يوم زهرة من أطفالنا والخيرة من شبابنا. علينا جميعا التصدي لهذه الظاهرة بحزم ومسؤولية”، فماذا فعلنا لتحقيق التوجيهات الملكية، إذ إن الجميع معني بوضع استراتيجيات وبرامج فعالة لمواجهة خطر حوادث السير، ومن حقنا أن نسأل ما هو دور وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والجامعات ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة والنوادي الرياضة والجمعيات والملتقيات الشبابية والثقافية، كذلك الاحزاب والنقابات والمحطات الفضائية والاذاعية وجميع مؤسسات المجتمع المدني في جهود وقف حوادث السير، والسؤال الجدير بالإجابة ماذا فعلت جميع هذه المؤسسات الرسمية والشعبية على اختلاف انواعها للحد من خطر حوادث السير؟، خاصة أن علينا إدراك حقيقة أن من يخالف قانون السير ويتعمد القتل والايذاء هو بلطجي يتحدى القوانين والتعليمات، لذا يجب التوعية والعقاب لمن لا يعي ويلتزم.
وبكل صدق أقول إنني اعتدت وبحكم عملي أميناً عاماً للجنة الملكية لشؤون القدس أن أقرأ وأطالع عن استشهاد الكثيرين من أهلنا في فلسطين والقدس أو إصابتهم نتيجة سياسة الاستعمار وأساليب القمع الوحشية التي تنتهجها اسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال)، وأجدني مؤمناً بأن الجلاد المستعمر الاسرائيلي لا ينتج عنه سوى القتل والتهويد والتهجير، مدركاً أن الخلاص قادم فما من مستعمر الا وترفضه الأرض والسماء ولا بد لفلسطين والقدس من العودة لحضنها العربي كما كانت وستبقى على الدوام، ولكن في الوقت نفسه يؤلمني أن أقرأ أن نفساً انسانية ندخرها رصيداً وطنياً وقومياً وانسانياً تزهق دون سبب، ويكون قدرها أن تكون في رحمة الله نتيجة ثقافة سائق أرعن لم يلتزم بالاخلاق وقواعد وقانون السير، وأخيراً المطلوب عملياً ودون تأخر وكما واجهنا جائحة كورونا أن نواجه ظاهرة الاستهتار وعدم التقيد بقوانين السير الاهتمام أيضاً، نريد حملة وطنية شاملة قانونية وتوعوية وعقابية نوقف بها هذا الخطر، يقودها الوزراء والمسؤولون الكرام في وطننا تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله.
*أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس