جميعنا بحاجة لأخذ فترات راحة، فإذا وجدت نفسك تعمل من المنزل بسبب أزمة فيروس كورونا، فقد تقارن برنامج الاستراحات المُتَّبع في المنزل مع البرنامج الذي اعتدتَ اتباعه في المكتب، وتتساءل قائلاً: “هل كنت سأقضي 10 دقائق في فتح هذا الطرد الذي وصلني للتو لو أنَّني كنت في المكتب؟ لم يكن انتباهي مشتتاً بهذا الشكل عادةً في العمل”.
جميعنا تحت تأثير ضغط أكبر من المعتاد:
- أولاً: سيخبرك أي شخص عمل عن بعد لفترة طويلة أنَّه لا جدوى من مقارنة برنامج استراحاتك في المكتب مع برنامج استراحاتك في المنزل؛ فهما بيئتان مختلفتان تماماً، حيث الانقطاعات والتركيز والإنتاجية مختلفة.
- ثانياً: يتطلب اكتشاف طريقتك الجديدة في العمل وقتاً، كما أنَّنا حالياً في وضع غير طبيعي، فقد تشتت انتباهك الأخبار، أو يقاطعك الأطفال أو الحيوانات الأليفة أو الأشخاص المتواجدون معك في المنزل.
- ثالثاً: نتعرض جميعنا بوجود كل هذه التغييرات إلى ضغط أكبر من المعتاد، ممَّا يستنفذ طاقاتنا؛ وعندما تكون الطاقة منخفضة، نحتاج إلى استراحة، وهذا ما سنشرحه في هذا المقال.
عادة ما يكون العاملون في مجال المعرفة مسؤولين عن جداول فترات الراحة خاصتهم، فالأمر متروك لهم لتحديد موعد أخذ استراحة لقراءة العناوين الرئيسة أو السير ببطء في القاعة للحصول على كأس ماء.
يأخذ الناس غالباً فترات راحة بناء على الحدس دون إيلاء أي اهتمام للمدة التي قد يستغرقونها في الراحة، أو متى سيأخذون استراحتهم التالية؛ ولكن لا يمتلك كل الناس حدساً جيداً، فمن السهل جداً أن تضيع في عالم الإنترنت في أثناء الاستراحة، كما أنَّه من السهل أيضاً إيقاف مَهمَّة واحدة وأخذ استراحة للتحقق من بريدك الإلكتروني، ولا تعدُّ هذه استراحة.
نظرية الاستراحات:
لأخذ فترات راحة مفيدة تسمح لنا أن نكون أكثر إنتاجية، يتعين علينا أن نفهم المبدأ النظري الذي يفسِّر لنا لمَ تُؤخَذ الاستراحات وكيف تعمل.
يلجأ الباحثون أحياناً إلى نموذج الحفاظ على الموارد عند وصفهم لحالة إرهاق العمل التي نحاول تجنبها بأخذ فترات استراحة، وتشرح النظرية التي طورها “ستيفان هوبفول” (Stevan E. Hobfoll) في ثمانينات القرن العشرين كيفية تعامل الناس مع التوتر.
تقول النظرية باختصار: أنَّنا نمتلك جميعاً موارد داخلية لمواجهة الضغوطات، كما أنَّ بوسعنا استخدام مواردنا لبعض الوقت، ولكنَّنا في مرحلة ما نحتاج إلى إعادة بناء الموارد التي فقدناها.
بدأ الخبراء في الوقت الذي توصَّل فيه هوبفول إلى هذه النظرية فهم كون التوتر دائم واسع الانتشار (ليس بسبب أحداث منفردة بحد ذاتها)؛ وبمعنىً آخر، إنَّنا نشعر بالتوتر في أي وقت نعمل فيه، فهو شعور دائم ومستمر، وليس من الضروري وجود أي حدث صادم يسبب لنا ضغوطات في العمل حتى نشعر به؛ ذلك لأنَّ التوتر موجود، ونحن نستخدم مواردنا للسيطرة عليه؛ ولكن عند غياب هذه الموارد أو ضعفها، يحدث الإرهاق.
إذاً، ما الذي يتعين علينا القيام به لإعادة بناء تلك الموارد؟ وتحت أي ظرف نبدأ بالشعور بالشفاء والتعافي من الضغوطات؟ أجرى باحثان دراسة عن الإجازات، وخلصوا إلى أنَّ ثلااثة أشياء تساعد الناس على التعافي والعودة إلى العمل بنشاط، وهذه الأشياء هي:
- التفكير الإيجابي في العمل (التفكير والتحدث عن الجوانب الإيجابية للوظيفة التي يقوم بها الشخص).
- الإتقان (العمل بمهارة).
- الاسترخاء.
تساعد هذه الأشياء الثلاثة في إعادة بناء الموارد، بالإضافة إلى شيئين آخرين قد يساعدان هما: بناء العلاقات الاجتماعية في عطلة نهاية الأسبوع، وعدم مواجهة متاعب غير متوقعة عند أخذ إجازة؛ فالأمر أشبه بالحصول على إطار مثقوب في بداية رحلتك في السيارة.
شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات للتعافي من إرهاق العمل
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/xut3Nr-e6a4?rel=0&hd=0″]
إذا تمعّنا قليلاً في الأمر وفكرنا ماذا تعني هذه الأشياء مجتمعة، ستجد أنَّه من أجل التخلص من ضغط العمل، عليك ألَّا تعمل، وأن تمارس أنشطة ممتعة.
قد يبدو الأمر منطقياً، ولكن إذا كنت قد أخذت استراحة من مَهمَّة عمل عبر التحقق من البريد الإلكتروني، فأنت لا تزال تعمل عملاً لا يكاد يكون ممتعاً، ولن تأخذ هكذا استراحة حقاً، أليس كذلك؟
ما هي أفضل أنواع الاستراحات؟
نحن نعلم أنَّ الاستراحة يجب أن تكون من العمل والأشياء المتعلقة به، ولذلك فإنَّ قراءة البريد الالكتروني ليست استراحة، والشكوى من العمل مع زملائك مهما كان سهلأ ليس استراحة.
لدينا سؤالان يطرحهما الناس حول فترات الراحة هما: كم استراحةً يجب عليك أن تأخذ؟ وكم يجب أن تكون مدة الاستراحة لتحقيق أقصى فائدة؟
إنَّ وضع الأرقام دائماً والتردد أمر صعب، وقد حاولت بعض الدراسات القيام بذلك لصالح العاملين في مجالات المعرفة، ولكن لا يوجد رقم متفق عليه في دراسات متعددة، حيث يقول منشور انتشر في عام 2014 وأعيد تدوينه في موقع “ذا ميوز” (The Muse): أنَّ جدول الاستراحة المثالي هو العمل لـ57 دقيقة تليها استراحة لمدة 17 دقيقة؛ ولا تتضمن هذه الأرقام الآتية من شركة مختصة ببرمجيات مراقبة الكومبيوتر أي تفاصيل حول المواضيع أو مجال العمل أو البيانات الأولية أو كيفية تحليلها، وقد وجدت دراسة أفضل أنَّ الوقت الأمثل للاستراحة هو نحو 12% من يوم العمل، كما أظهرت الدراسة نفسها أنَّ فترات الراحة القصيرة والمتقطعة أفضل من استراحة طويلة واحدة أو استراحتين؛ فإذا أخذنا 12% وطبقناها على ثماني ساعات عمل في اليوم، فإنَّنا نحصل على 58 دقيقة من وقت الراحة، وعلى سبيل المثال: خذ خمس فترات راحة مدة كل منها نحو 12 دقيقة.
يقول آلان هيدج (Alan Hedge) -خبير الهندسة البشرية والأستاذ الفخري في جامعة كورنيل (Cornell University)- أنَّه من أجل صحتك ولتجنب الاصابات المتعلقة بالجلوس أمام شاشة الحاسوب، يجب أخذ قسط من الراحة كل 20 دقيقة تقريباً؛ ويمكن أن تكون هذه الفترات فترات استراحة قصيرة، ولكن من الأفضل قضائها في الوقوف أو التمدد أو المشي لدقيقة أو دقيقتين؛ ووفقاً لهيدج، تعمل الحركة على تحسين الدورة الدموية والراحة والأداء، في حين تعمل أيضاً على الحد من خطر الإصابة.
شاهد بالفديو: نصائح تساعدك على قضاء استراحة الغداء بشكل أفضل
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/oRuQE8_6Vn0?rel=0&hd=0″]
أدوات تساعدك على أخذ الاستراحات بطريقة أكثر ذكاءً:
لا يقتصر أخذ استراحات فعالة على معرفة فوائد الاستراحات وتحديد أشكالها ومددها الزمنية، بل يوجد أيضاً مسألة الالتزام بفترات الراحة التي تقرر أخذها ومعاودة العمل بعد انتهائها.
يوجد تطبيق يُدعَى “ستريكت وورك فلو” (Strict Workflow) يمكن استخدامه من وقت إلى آخر عندما تحتاج مزيداً من الانضباط مع سير العمل، ويعمل هذا البرنامج المساعد عبر متصفح “كروم” (Chrome) وفق تقنية بومودورو (Pomodoro)، وتقنية بومودورو هي طريقة تقسيم العمل إلى فترات عمل وفترات انقطاع (راحة)؛ حيث تعمل لفترة معينة وتتوقف عن العمل لفترة أخرى.
يأتي اسم “بومودورو” -الذي يعني “حبة الطماطم” بالإيطالية- من المؤقتات التي كانت تستخدم في المطبخ والتي كانت معظمها على شكل حبة طماطم. إنَّ التطبيق الملحق بمتصفح كروم ليس إلَّا مؤقتاً بشكل حبة طماطم يغير لونه ويصدر صوتاً عند بدء أو انتهاء أي مرحلة، وتتمثل إحدى الميزات الإضافية للمؤقت هذا في إمكانية ضبطه ليمنعك من الوصول إلى عناوين معينة قد تصرف انتباهك عن العمل مثل “فيسبوك” (Facebook) وتويتر (Twitter).
تعمل تطبيقات الاستراحة الأخرى على نظام التشغيل خاصتك مباشرة بدلاً من العمل من خلال المتصفح مثل تطبيق “تايم آوت فور ماك” (Time Out for Mac)، فلا يقتصر عملها على تحديد وقتك، بل تحجبك أيضاً عن المواقع التي تلهيك في أثناء فترة العمل، وتمنعك من الوصول إلى الحاسوب بالكامل في أثناء فترة الاستراحة، إذ لا يمكنك فتح قفل الشاشة حتى انتهاء فترة الاستراحة، مما يجبرك على التوقف عن العمل.
تُستخدَم تطبيقات الاستراحة من قبل الأشخاص الذين يحاولون تجنُّب الإصابات المتكررة الناتجة عن الإجهاد، كإجهاد العين بسبب الكومبيوتر؛ وذلك لأنَّ هذه التطبيقات ترغمك على الابتعاد عن الحاسوب في فترة الاستراحة؛ أمَّا إذا كنت تستمتع بتصفح الإنترنت في فترة الراحة، فعليك استخدام طريقة أخرى بدلاً من ذلك، أو وضع قاعدة لنفسك بأنَّ تصفح الإنترنت يكون فقط باستخدام الهاتف المحمول.
توجد طريقة أخرى لضمان الاستراحة خلال يومك، وهي إضافة تطبيق خاص باللياقة البدنية يعطيك تنبيه خمول لترك مكتبك مباشرة بعد انتهاء فترة العمل، وتمتلك العديد من أجهزة تتبع اللياقة البدنية هذه الميزة؛ فإذا اكتشف جهاز التتبع أنَّك جالس في وضع ثبات لعدة دقائق أو أكثر خلال فترة زمنية تقوم بتعيينها -ولنفترض ما بين الساعة 8 صباحاً والساعة 6 مساءً- يهتز ويومض ويرسل إليك إشعاراً على الشاشة.
الزمن الافتراضي لمعظم أجهزة التتبع هو 60 دقيقة، إلَّا أنَّه من الممكن ضبطه كما تريد، فمثلاً: قد يساعدك ضبطه لمدة 55 دقيقة على منح نفسك بضع دقائق لإعادة ترتيب أفكارك قبل البدأ باستراحة مناسبة.
المصدر