لماذا يعد خلق التوازن في حياتك محض خيال؟

إنَّه لمن الهام أن تحافظ على التوازن في حياتك. لقد سمعنا هذه النصيحة من قبل، حتى أنَّنا نسعى جاهدين إلى تحقيق هذه الغاية المنشودة في الوصول إلى التوازن بين العمل والحياة، فقط مع القليل من تنظيم الوقت بين العمل والحياة الشخصية حتى نكون جميعاً سعداء. في هذه المقالة سوف نتعرف على الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتنظيم وقتك بشكل أكثر فاعليةً وبالتالي زيادة الإنتاجية بشكل تلقائي.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن “داون هالي” (Dawn Holley) اختصاصية التمويل الشخصي وتحقيق الأهداف، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

في محاولة منا للقيام بكل شيء، ينتهي بنا الأمر مع مهام متعددة، وننتقل من مهمة إلى أخرى؛ مما يؤدي إلى إضاعة الوقت الثمين بدلاً من أن نكون منتجين حقاً، فلقد حان الوقت للتخلي عن تحقيق هذا التوازن والبدء بالتركيز على شيء واحد في كل مرة، وليس فقط أي شيء؛ بل الشيء الوحيد الذي سيصنع أكبر تأثير ويُحقق أعظم النتائج.

سوف أستعرض في هذا المقال السبب في أنَّ المبالغة في محاولة تحقيق التوازن هي في الواقع تعوقك وتُضعف إنتاجيتك، ثمَّ سوف أقدِّم لك الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتنظيم وقتك بشكل أكثر فاعليةً، وتحديد المهمة الأكثر أهميةً لتحقيق النتائج التي تريدها، ثمَّ كيفية التركيز على هذه المهمة الواحدة وكيف تكون أكثر إنتاجيةً، وستجد أنَّه بمجرد أن يقتصر تركيزك على المهمة الأكثر أهميةً لديك، ستكون أكثر كفاءةً وستبدأ أخيراً بإحراز التقدم الذي تعرف أنَّك قادرٌ عليه.

العمل العميق لزيادة إنتاجيتك:

هل سبق لك أن كنتَ متعمِّقاً في التفكير أو كنتَ منهمِكاً في مهمةٍ ما لدرجة أنَّك لم تسمع أحداً ينادي باسمك على الرغم من أنَّه يقف أمامك مباشرةً؟ هذه هي الحالة السحرية التي تسمى التركيز العميق؛ حيث يمكننا تحقيق القدر الأكبر من الإنتاجية والنتائج في أقصر مدة زمنية.

يُعرِّف “كال نيوبورت” (Cal Newport) في كتابه “العمل العميق: قواعد للنجاح المركَّز في عالم مشتَّت” (Deep Work: Rules for Focused Success in a Distracted World)، العمل العميق على أنَّه القدرة على التركيز دون تشتيت على مهمة معرفية صعبة؛ حيث يتحقق العمل العميق عندما يكون لدينا الحافز للعمل على شيء هام، ولا نضطر إلى الاستسلام لمشتتات أو مهام خارجية، ولسوء الحظ، تمنعنا الحياة اليومية من تحقيق هذا النوع من التركيز والإنتاجية، فبدلاً من ذلك، نحن مشتتون في العديد من الاتجاهات محاولين موازنة العديد من المهام في وقت واحد.

تعدُّد المهام يعوق التركيز في العمل:

يمنعك العمل على مهام متعددة – بحيث تتمكن من احتواء كل شيء – من إعطاء الأولوية لما هو هام والتركيز باهتمام على أهدافك الأهم، فعندما تحاول القيام بمهامك جميعاً، تتشتت بين مهمةٍ وأخرى، ويتحول التركيز كل بضع دقائق.

وفي كل مرة يتحول فيها تركيزك، تخسر دقائق من وقتك المخصص للعمل، ليس فقط على ما شتت انتباهك، ولكن أيضاً على الوقت المستغرق بعد ذلك لإعادة التركيز على ما كنتَ تفعله في المقام الأول، وبدلاً من ذلك، إذا تمكَّنتَ من التخلص من كل ما يشتت تركيزك ومنحتَ نفسك الوقت للتركيز بوضوح على شيء واحد، فسوف تُحقق نتائج أكبر في وقت أقل بكثير.

قاعدة 80/20 والإنتاجية:

تنص قاعدة 80/20 على أنَّ 80% من إنتاجيتنا هي نتيجة 20% فقط من جهودنا، وهذا يعني أنَّنا نستخدم 20% فقط من وقتنا بفاعلية، ولكن ماذا لو تعلَّمتَ التركيز باهتمام على المهمة الأكثر أهمية؟

هذا يكون عندما تُحقق أكبر قدرٍ ممكن من الإنتاجية في جزء بسيط من الوقت، فبدلاً من أن نقضي 80% من وقتنا في أداء مهام متعددة بشكل غير فعال، ركِّز باهتمام على ما هو أكثر أهميةً ثمَّ استخدِم الوقت المتبقي لكل شيء آخر.

خطوات تحقيق العمل العميق وزيادة الإنتاجية:

1. تحديد ما هو أكثر أهميةً:

قد يبدو تحديد ما تحتاج إلى التركيز عليه في أي وقت وكأنَّه مهمة شاقة في البداية، فهناك الكثير من الأشياء التي تريد التحقق من إنجازها في قائمة المهام التي لا تنتهي أبداً، ولكنَّها تلك الرغبة الشديدة في التعامل مع قائمة المهام التي تؤدي إلى تعدُّد مهام غير فعال، فكيف يمكنك بدلاً من ذلك تصفية ذهنك للمهام الأكثر أهميةً فقط والتي تُحقق أكبر قدرٍ من النتائج؟ بدايةً، حدِّد ما هو الأكثر أهميةً.

يوصي “غاري كيلير” (Gary Keller) و”جي باباسان” (Jay Papasan)، في كتابهما “المهمة الوحيدة: الحقيقة البسيطة المدهشة وراء النتائج العظيمة” (The ONE Thing: The Surprisingly Simple Truth Behind Extraordinary Results) باختصار قائمة مهامك الطويلة وحذف الأقل أهميةً منها ليبقى فقط 25% من المهام الأكثر أهميةً، وبعد ذلك، اختصار نطاق تلك القائمة بشكل أكبر بحيث يبقى لديك 5 أشياء فقط؛ حيث تُشكل هذه المهام الخمس الآن قائمة نجاحك، فبدلاً من المهام العشوائية التي تحتاج إلى إنجازها، لديك الآن قائمة بأهم الأشياء التي ستُحقق لك أفضل النتائج.

وبعد ذلك، تعمَّق أكثر باختيار مهمة واحدة فقط من قائمة نجاحك، وسوف تكون هي المهمة الأساسية التي إذا ركزتَ وقتك وطاقتك عليها وحدها، فسوف تُحقق لك أفضل النتائج.

2. وضع أهداف طويلة الأمد وتقسيمها إلى أهداف قصيرة الأمد:

هناك عملية أخرى أرغب في القيام بها عندما أحتاج إلى تحديد أو إعادة النظر في أولوياتي القصوى، وهي التفكير فيما أريد تحقيقه على الأمد الطويل، ثمَّ أعيد مراجعة أعمالي لإنشاء قائمة بالأهداف التي أحتاج إلى التركيز عليها الآن من أجل تحقيق أهدافي طويلة الأمد، وهذه هي النصائح التي أستخدمها لتحديد أولوياتي قصيرة الأمد ومهامي اليومية:

  1. تخيَّل أين تريد أن تكون بعد 10 سنوات، ما هي الوظيفة التي ستحصل عليها؟ وكيف ستقضي وقتك؟ وكيف ستكون حالتك المالية؟ وكيف ستكون صحتك؟ وما إلى ذلك، وضع قائمةً بأهم الأهداف التي تريد تحقيقها بعد 10 سنوات من الآن.
  2. حاول تقليص القائمة إلى عدد قليل من الإنجازات الأساسية الأكثر أهميةً بالنسبة إليك وإلى حياتك.
  3. تخيَّل الآن أين تريد أن تكون بعد 5 سنوات من الآن، ولكي تكون على الطريق الصحيح في تحقيق أهدافك المرجوة بعد 10 سنوات، هذه هي أهداف السنوات الخمس القادمة.
  4. بعد ذلك، فكِّر فيما تحتاج إلى التركيز عليه خلال العام المقبل حتى تكون على المسار الصحيح لتحقيق أهداف السنوات الخمس اللاحقة، وستكون هذه أهدافك لمدة عام واحد.
  5. فكِّر فيما تحتاج إلى تحقيقه خلال الربع التالي والشهر التالي، وقسِّم أهدافك الشهرية بشكل أكبر حتى تحصل على قائمة بالمهام القابلة للتنفيذ التي يمكنك التركيز عليها هذا الأسبوع.

شاهد بالفديو: 6 طرق لتصفية ذهنك

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/rnvI2rDLSHI?rel=0&hd=0″]

3. تحديد أهدافك الشخصية قصيرة وطويلة الأمد:

“من خلال تسجيل أحلامك وأهدافك على الورق، فإنَّك تبدأ بعملية تحديد الشخص الذي طالما أردتَ أن تكونه، فضع مستقبلك في أيدٍ أمينة؛ يديك أنت” ـــ “مارك فيكتور هانسن” (Mark Victor Hansen)، فإنَّها ليست عمليةً سريعة وسهلة، لكنَّ الأمر يستحق ذلك، فإذا كنتَ ترغب في تحقيق نتائج غير عادية والعيش في أفضل حالاتك، فأنت بحاجة إلى تحديد أهدافك.

4. تقسيم الأهداف قصيرة الأمد إلى خطوات عمل:

تشير الأبحاث إلى أنَّ تدوين الأهداف أمر أساسي، حتى لو كان هذا كل ما تفعله ليجعلك متقدماً في عملك، وفي دراسة أجرتها جامعة “الدومينيكان” (Dominican University) حول تحديد الأهداف، والتي أجراها أستاذ علم النفس الدكتور “جيل ماثيوز” (Dr. Gail Matthews)، كان أولئك الذين دوَّنوا أهدافهم أكثر احتماليةً لتحقيق النجاح من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك، وإذا أردتَ فعل المزيد، فإنَّ تقسيم أهدافك إلى مهام قابلة للتنفيذ يمكنك إدراجها في جدول أعمالك اليومي، يجعلك أكثر احتماليةً للنجاح.

5. تحديد الشيء الوحيد الخاص بك لكل هدف:

ابدأ بكتابة أهم ثلاثة أهداف للشهر، وراجِع يومياً كل هدف وخطوات العمل التي تحتاج إلى القيام بها في هذا اليوم، فما هي الخطوة الأهم؟ وما هي المهمة التي ستؤدي إلى أكبر قدرٍ من النتائج وتتطلب منك الجهد الأكبر؟ تلك ستكون مهمتك الوحيدة.

6. جدولة شيء واحد فقط:

حدِّد شيئاً واحداً لكل هدف، بينما أُحب تضمين أهدافي الثلاثة الأكثر أهميةً، أتأكد من إبراز المهمة الفردية التي تُحقق أفضل النتائج، فكل هدف من أهدافك له أولوية عالية، ولكن عليك أن تُحدد مهمةً واحدة تتطلب أكبر قدرٍ من التركيز وتُحقق أفضل النتائج، ثمَّ نفِّذ هذه المهمة أولاً وقم بها بعملٍ عميق.

7. تقسيم الوقت وحمايته:

لكي تكون حاضراً ومركِّزاً على مهمتك الوحيدة، تحتاج إلى الاستفادة من الوقت المتاح لك؛ حيث يمكنك القيام بذلك عن طريق تحديد مهمة واحدة، ولا شيء آخر خلال هذا الوقت، فخصِّص وقتاً للمهام الهامة ويُفضَّل اختيار وقت مبكر من اليوم عندما تكون أكثر تركيزاً وإنتاجيةً، ثمَّ املأ ما تبقَّى من الوقت بكل شيء آخر.

على سبيل المثال: إذا كان لديك مشروع عمل هام، فحدِّد وقتاً غير متقطع للعمل في مكتبك بين الساعة 8 صباحاً و12 ظهراً، مع وضع علامة عدم الإزعاج على بابك، ثمَّ خصِّص ما تبقَّى من ساعات العمل للاجتماعات والبريد الإلكتروني والمهام ذات الأولوية الأقل، وبالمثل، عندما تكون في المنزل وتُخصص وقتاً كافياً لعائلتك، فاحرص على التركيز مع العائلة والامتناع عن التحقق من بريدك الإلكتروني أو التفكير في يوم عملك التالي، وقم بذلك بعد الانتهاء من قضاء وقتك مع العائلة.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لإدارة الوقت بفعالية

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/ERg_arrQ6bA?rel=0&hd=0″]

8. تعلُّم الرفض:

يوجد الكثير من العوامل المشتتة في حياتنا، فالعديد من الاجتماعات غير المثمرة، ورسائل البريد الإلكتروني غير الهامة، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتحقق الدائم من الهاتف خلال الفترة الصغيرة المخصصة لراحتك الذهنية، والقائمة لا حصر لها، وبغضِّ النظر عما تحاول التركيز عليه، فمن المحتمل أن يتم إبعادك عما هو هام بالفعل بسبب أشياء لا حصر لها.

  • ارفض دعوات الاجتماعات غير الضرورية تماماً، وبدلاً من ذلك، ابحث عن طريقة للحصول على محضر الاجتماع أو المعلومات ذات الصلة التي تحتاجها في وقت لاحق.
  • ضع لافتةً على باب مكتبك تفيد بأنَّك غير متاح وأنَّك ستعود بعد وقت معيَّن، وبهذه الطريقة يمكنك منع الناس من التوقف للسؤال أو التعليق العشوائي.
  • أوقِف تشغيل إشعارات البريد الإلكتروني بحيث لا يتشتت انتباهك بالرسائل الواردة، والأفضل من ذلك، ثبِّت تطبيقاً مثل “فوكس” (Focus)؛ حيث ستمنعك هذه التطبيقات من التحقق من التحديثات أو تلقِّيها عبر البريد الإلكتروني والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي.
  • أغلِق هاتفك أو حوِّل المكالمات مباشرةً إلى البريد الصوتي حتى لا تُشتت انتباهك بالمكالمات الهاتفية أو الرسائل.
  • ضع خطةً ليومك مقدَّماً حتى تعرف مقدار ما يمكنك القيام به ومتى، وبعد ذلك، عندما يطلب شخص ما المزيد، يمكنك الرفض بلطف، ثمَّ حدِّد له موعداً في وقت لاحق من الأسبوع للمساعدة.

كيف تضمن كل شيء آخر؟

ابدأ بعيش حياة متكاملة، فدع الأشياء الصحيحة تأخذ الأولوية عندما يحين وقت تنفيذها واهتم بالبقية عندما تستطيع.

الشيء الوحيد:

يعتمد التوازن الذي اخترتَه في حياتك على الأهداف التي حددتَها وما هو المطلوب لتحقيقها، فلن يكون هذا توازناً؛ بل تكاملاً يركز بشدة على هدف أو آخر لفترات زمنية محددة، وعلى وجه التحديد، سيكون يوم عملك بمنزلة تكامل بين الأمور الأكثر أهميةً ثمَّ باقي الأشياء الأخرى، وباستخدام قاعدة 80/20، ستكون المهمة التي تُحقق أفضل النتائج هي 80% من التركيز، مع الوقت المتبقي للعناية بالأمور الأخرى، مثل الاجتماعات والبريد الإلكتروني والمهام الأصغر.

وبالمثل، ستكون الحياة والأسرة بمنزلة التكامل بين المجالات المتعددة التي تتطلب اهتمامك، فكن على دراية بالمكان الذي يجب أن يكون فيه تركيزك، وامنح اهتمامك الكامل للوقت الذي يتطلبه، ثمَّ انتقِل إلى المرحلة التالية، فعندما يُفترَض أن تعمل، فاعمل، وعندما يُفترَض أن تلعب، العب، فقط عندما تختلط أولوياتك، تنهار الأشياء.

الخلاصة:

تقضي محاولة إنجاز كل شيء في وقت واحد وتحقيق التوازن بين جميع مجالات الحياة على قدرتك على إنجاز الأشياء فعلياً، فقد يوفر تعدُّد المهام الوهم بأنَّك تحرز تقدُّماً، لكنَّ التحول من مهمة إلى أخرى يضيِّع الوقت والقدرات العقلية، وبدلاً من ذلك، ركِّز على أهم أمر يمكنك القيام به، وليكن مهمتك الأساسية، وتعلَّم كيف تعيش حياةً متوازنة.

تتيح لك الحياة المتكاملة التركيز على الأمور الأكثر أهميةً وتحقيق أفضل النتائج، فضع معظم مجهودك في المهام التي تساعدك على تحقيق أهدافك، ثمَّ قم بالباقي عندما تستطيع، واستخدِم أكثر مصادرك قيمةً، وهو الوقت، لتحقيق أقصى فائدة لك وعِش حياتك بأقصى إمكاناتك، واختر حياةً متكاملة بدلاً من ذلك.

المصدر

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *