وتعالوا معاً نتخيل الحياة وكل من النساء والرجال فيها متطابقون تماماً، فالرجال والنساء في هذه الحياة، بعضلات مفتولة أو لينة، والرجال والنساء يكدون في نفس مجالات العمل، كتقطيع الصخور في المحاجر، أو رعاية الأطفال في الحضانات وهما في بيتهما شخصان يستطيع كل طرف منهما أن يؤدي ما يستطيعه الآخر، فلا حاجة لأي منهما للآخر، فهما يخرجان للعمل في نفس الوقت ويرجعان في نفس الوقت، ويستريحان في نفس الوقت، ويفكران بنفس طريقة التفكير وينفعلان بنفس حدة الانفعال، وهكذا، فليس هناك طرف ينفعل وآخر يحتويه، وليس هناك طرف يحنو وآخر يحزم، وليس هناك طرف يحتمي وآخر يحميه، وليس هناك طرف يمرض وآخر يداويه، وليس هناك أي شيء يدعو أي طرف أن يبقي على الطرف الآخر أو يحتمله، بل إن حالة التطابق المفترضة هذه لن تقود – من وجهة نظري – إلا إلى حالة من الزهق الرهيب، والاستفزاز المستمر الذي يمارسه كل طرف تجاه الآخر، وهو الأمر الذي سيقود إلى التناطح بل وإلى التناحر، والاشتباك الذي أظنه سيكون دامياً، حتى يفني أحد الجنسين الآخر، أو يفنيان معاً!
إنني أعتقد أن حالة التماثل في الأصول النفسية و العقلية والجسدية هي التي تجعل كل طرف يفهم الآخر، ويشعر به وباحتياجاته، إنها صمام الأمان الذي تستقر به الحياة بينهما أولاً، وعلى الأرض ثانياً، فلو كان طرف مركب فيه الإحساس بالحزن، وآخر ليس مجبولاً على هذه الخاصية النفسية فإن هذا معناه أن يتألم طرف ويحزن ولا يجد من يتفهم حزنه أو ألمه أو يواسيه، بل ربما إذا لم يكن – ثم تماثل – في هذا الإحساس، أن يقابل كل طرف الآخر بعكس ما يحتاجه، فالطرف الحزين يقابله الآخر بالضحك، والمتألم يقابل بعدم الاكتراث أو التحامل عليه، والخائف يقابل بالترويع وهكذا، وطبعاً حياة بهذا الشكل بين طرفين، معروف مسبقاً شكلها ونهايتها! إن الذي يجعل للحياة معنى واستقراراً واستمرارية هو تفهم كل طرف للآخر وإحساسه به، ومشاركته له في الإحساس، وهذه هي ثمار التماثلية في الأصول النفسية والعقلية والجسدية.
والذي يجعل أيضاً لهذه الحياة معنى ودفئاً وسكينة هو عدم التطابقية بين الطرفين، فكل من الطرفين وإن اشتركا في الأصول التي ذكرتها يختلفان في حدتها، فالمرأة أرق من الرجل نفسياً، وأقرب للبكاء منه، وأحن منه على ولدها، وأصبر منه على التربية والاحتضان وأمهر منه فيما هيئت له من وظيفة، وكذلك الرجل أكثر رباطة للجأش من المرأة، وأبطأ انفعالاً منها، وأقوى جسداً، وأكثر استقراراً نفسياً منها، لما يعتريها ولا يعتريه، ولما هيأه به الله من وظيفة. إن هاتين الحقيقتين من المهم جداً أن ندركهما جيداً، بل وجيداً جداً، أتدرون لم؟
لأنني أعتقد أننا إذا فهم كل طرف منا حقيقة الآخر كيف يفكر وكيف يشعر، ما الذي يرضيه، وما الذي يغضبه، ما الذي يحتمله وما الذي لا يحتمله، فإن ذلك سيقود لتحسين العلاقة بيننا، وسيجنبنا كثيراً من التصادم والتشاحن، والاشتباك، الذي يقود إلى تفكيك أواصر المحبة والسكينة والرحمة والود والتي من المفروض أن تسود العلاقة بيننا قال تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”- الروم21· إن حالة التفاهم والإحساس بالآخر ستجعل نسبة الانفصال النفسي والطلاق تضمر ضموراً كبيراً بدلاً من حالة التوحش التي وصلت إليه، إن بعض الإحصاءات تقول إن نسبة الطلاق في الوطن العربي في السنة الأولى للزواج بلغت ما يزيد على 30% وهذه كارثة رهيبة!
إننا بفهمنا حقيقة أننا لسنا متطابقين رغم تماثلنا في الأصول سنقلل من حدة الغضب التي يشعر بها كل طرف تجاه الآخر، عندما يتصور أن عليه أن يتصرف كما يحب هو أن يتصرف، أو بالشكل الذي يرضيه هو، إننا باحترامنا لاختلافنا نمنح للحياة الدافئة بيننا فرصة، فرصه للازدهار، والرسوخ، إننا باحترامنا لاختلافنا نمنح للحب بدلاً من البغض، وللتواصل بدلاً من الانفصال فرصة، أعتقد أننا في أمس الحاجة إليها· والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته·
عمرو خالد لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 18 يونيو 2005