معالجة المياه ضرورة حتمية وليس رفاهية

 

1-      أزمة المياه: إن أكثر من 40% من سكان العالم لا يتوفر لهم مصدر موثوق من المياه النظيفة, وبما أن الماء هو مصدر أولي, فإننا لا نستطيع تصنيعه أو استخدام بديل عنه كما في حالة النفط. ومن بين المصادر المائية المتوفرة في الكرة الأرضية نلاحظ أن 1% منه فقط هو ماء عذب و2% جليد أما ال97% الباقية فهي ماء بحار . إن مصدر المياه العذبة ينفذ لأسباب مختلفة من ضمنها ازدياد النمو السكاني, وتغير المناخ وتزايد الطلب, وفي الوقت الحالي يتم استخدام 5% فقط من المقدار الضئيل المتوفر من المياه العذبة لأغراض الشرب بينما 15% تستخدمه الصناعة و80% في الزراعة, إن انخفاض المصادر المتوفرة وتزايد الحاجة إلى المياه الصالحة للشرب يشكل كارثة محتملة تم إدراكها مؤخرا.إن المنظمة الدولية لإدارة المياه والمعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية يقدران أن استخدام المياه سوف يزداد بمقدار 50% على الأقل خلال السنين العشرين القادمة بسبب النمو السكاني وتزايد سكان المدن في الدول النامية وتطور الصناعات في أنحاء العالم , لذلك فان هذه المؤسسات تتوقع أن تتوفر كميات أقل من المياه للسقاية مما يؤدي إلى انخفاض 10% في إنتاج الحبوب وبذلك فخلال ال 20 سنة القادمة من المرجح أن ينخفض إنتاج الحبوب بمقدار 350 مليون طن كل عام ولكي نوضح معنى ذلك فان الانخفاض الطفيف في هذه المؤونة الغذائية سوف يؤدي إلى تأثير دراماتيكي ( هائل ) على أسعار الحبوب ونستطيع أن نتوقع أن يرتفع سعر الرز 40% والقمح 80% والذرة 120% . ومع العودة إلى الوراء في الزمن نلاحظ انجذاب استقرار الإنسان وإقامته باتجاه مصادر المياه العذبة وأدى النمو السكاني وتفاوت الاجتهاد الإنساني وتغير المناخ إلى حدوث تفاوت كبير بين مواقع توفر هذا الحجم من المياه العذبة , ومن الأمثلة على هذه المعضلة وجود 5%من سكان العالم يسكنون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومع ذلك فهم يستفيدون من 1% فقط من مصدر المياه العذبة, ومما يزيد في المشكلة تزايد السكان وتزايد مستويات استهلاك المياه وتغير الحالة الطبيعية للبيئة ما يزيد من عدم التوازن نحو الأسوأ وليس نحو الأفضل.ومما هو مفهوم أن التركيز في الماضي كان يدور حول إيجاد مواضع مصادر جديدة للمياه العذبة وتحسين النواحي الاقتصادية لنقل الماء عبر مسافات طويلة وضخه من أعماق أكبر. ولذا فإن إدراك وجود مخزون من مياه البحر قد أدى إلى تركيز الاهتمام على إزالة الأملاح من مياه البحر لإنتاج ماء عذب.إن التطورات الحاصلة في تحسين فعالية تقنيات التبخير والتحسينات الكبيرة في مجال التقنيات من أجل زيادة الموثوقية وتخفيض الكلفة ,كل ذلك أدى إلى أن تصبح عملية إزالة الملح هي خيار بديل يؤخذ بعين الاعتبار عند التفكير بتأمين مصادر مياه جديدة أو زيادة المصادر الموجودة.
2-      مياه الصرف الصحي باعتبارها مصدرا قيما: بينما لا يزال صانعو السياسات يركزون على الموضوع الحيوي لجعل الماء العذب متوفرا فان العلماء و المهندسين وعلماء البيئة يركزون على مياه المجاري حيث 70-90% من مجمل المياه العذبة المستخدمة تنتهي إلى التراب باعتبارها مياه مجاريِ وتكون مليئة بكافة أنواع الملوثات.ومن وجهة نظر البيئة فمن المعروف جيداً أننا لا نستطيع أن نسمح لمياه المجاري هذه بان تجري بحرية إلى الأنهار و البحيرات والبحر أو أعماق الأرض بل يجب معالجتها لكي نزيل على الأقل العناصر التي تسبب أذى دائماً للبيئة قبل تصريفها, ومن الممكن تماماً الآن تنظيف مياه المجاري هذه لجعلها مياهاً عذبة ولذلك يبدو أن الطبيعة بحد ذاتها قد أعطت الجواب لتساؤلنا, فمياه المصادر الطبيعية بحد ذاتها لا تدوم إلى الأبد, ومما يثير الانتباه أكثر أن مياه المجاري تعود إلينا وبشكل خاص إلى المكان الذي نحتاج فيه إلى مياه عذبة أي موضع الاستهلاك ولذلك فان مياه المجاري هذه هي في الواقع مصدر قيم جدا على اعتبارها مصدرا للمياه غير العذبة الموثوقة المتوفرة في موضع الطلب على المياه العذبة, وترتبط بشكل مباشر بحجم الطلب في المكان نفسه, لكن عند هذه النقطة يبدأ الخلاف بشكل عام , فبينما يرغب الجميع في الإقرار بأهمية معالجة مياه المجاري قبل تصريفها لضمان التوازن البيئي ولكن ولأسباب مختلفة فان الغالبية لا ترغب في الموافقة على استخدام هذه المياه لأغراض الشرب.ولكن عندما نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن 95% من المياه الصالحة للشرب المستهلكة في العالم تستخدم لأغراض غير الشرب يبقى التركيز على استهلاك هذا المصدر القيم لحل أزمات المياه بطريقةٍ مقبولةِ ضرورياً.
3-      الإبداع التقني يدعم أيضا معالجة المياه: بعد الإقرار بما سبق فان مياه المجاري يمكن تحويلها إلى مياه عذبة عن طريق إزالة المواد الصلبة العالقة والملوثات المنحلُة والجرثومية.إن العمليات التقليدية التي تشمل طرق المعالجة البيولوجية بالتهوية وأقراص الترشيح وأحواض الأكسدة الطبيعية ونصف الطبيعية ولاحقا ظهرت تقنيات أخرى سهلة التشغيل والصيانة مع كلفة إنشاء معقولة مثل استخدام طريقة إضافة المواد الطبيعية الخام والمعدلة جزئيا لتنقية المياه وطريقة التنقية بالنباتات المزروعة وطريقة إضافة الحديد.. الخ.كل ذلك يؤدي لإنتاج جريان مائي آمن لاستخدامه في السقاية ولأغراض أخرى مثل الحماية من الحرائق أو لتحسين مواصفات المياه الموجودة سابقا أو المعالجة بيولوجياً, مع العلم أنه يوجد الآن خبرة كافية لتقييم معالجة مياه المجاري, و تحديد جدواها باعتبارها اقتراحاً قيماً موجوداً وهو ليس سهل التنفيذ تقنياً ومساعداً للبيئة عن طريق تخفيض التأثير السلبي بل حيوياً من الناحية المالية ومعقولاً من الناحية الاقتصادية .لقد أولت إدارات المياه اهتماما أكبر بموضوع إعادة استعمال مياه المجاري باعتباره مصدراً محتملاً جديداً للمياه من أجل الزراعة وكذلك من أجل تحسين شروط البيئة عن طريق إنقاص حمولة الملوثات العضوية الآزوتية و الفوسفورية .إن تخفيض أملاح الآزوت و الفوسفور في جريانات مياه المجاري إلى تركيز منخفض جداً يوازي المستوى الطبيعي يحتاج عادة إلى تجهيزات مكلفة ولذلك فلم تتم إقامة محطات معالجة مجهزة بأنظمة ذات درجات عالية من إزالة أملاح الأزوت و الفوسفور .لقد تم تطوير نظام ذي كلفةٍ مخفضةٍ يساعد كثيراً على إنقاص تركيز BOD ) المتطلب الأكسجيني الحيوي) وCOD ) المتطلب الأكسجيني الكيميائي) وSS ) المواد الصلبة العالقة) والمعادن الثقيلة والمنظفات الصنعية وأملاح الآزوت والفوسفور لمعالجة كميات مناسبة من مياه الصرف الصحي قبل وصولها إلى النهر أو البحيرة.فعندما يصل الجريان إلى المجرى الرئيسي للنهر يصبح حجم مياه المجاري كبيرا جدا وتصبح معالجة المياه وتنقيتها ليس أمرا سهلا.
4-      نظام جديد اقتصادي لمعالجة المياه: إن هذا النظام يعتمد على طريقة تقنية جديدة لتحسين نوعية المياه عن طريق استخدام مواد طبيعية (خام)معدلُة دون استخدام مواد كيميائية صنعية حيث ظهر بعد إجراء عملية تحليل معمقة أن هذه الطريقة هي حل ملائم ومتطور لمعالجة كميات معتبرة من مياه المجاري إذ إن الجديد في هذه الطريقة ليس فقط معالجة BOD) و CODو(SS كما هو الحال في طرق المعالجة التقليدية, بل يهدف أيضا إلى تخفيض تركيز أملاح الآزوت والفوسفور التي تحتاج إلى منشآت ضخمة والى تخفيض التركيز إلى تراكيز منخفضة جدا توازي المستوى الطبيعي.إن هذا النظام هو مثال واحد نذكر فيه كيفية النشاط واشتراك التجمعات البشرية باستخدام مواد طبيعية وذلك من أجل معالجة مياه المجاري بطريقة اقتصادية وذات مردودية عالية دون الحاجة لاستعمال محطات كلاسيكية ذات تكلفة ضخمة وتؤدي نفس الغرض مع سهولة التشغيل والصيانة .
4-و الخلاصة: إن البحث عن مصدر مائي يلبي الحاجة المتزايدة لمياه ذات نوعية جيدة من أجل استخدام آمن للمياه لأغراض الاستعمال الزراعي أو الصناعي يخفف الضغط المستمر على استهلاك مصادر مياه الشرب ويحافظ على المصادر المائية الطبيعية الاستراتيجية ويلبي الحالات الطارئة غير المتوقعة من نقص المياه حيث توجد عدة اتجاهات للبحث عن هذا المصدر والذي يكمن في معالجة مياه البحر ومعالجة مياه المجاري ومعالجة المياه المالحة (المجّة)من أجل الحصول على مياه نقية. ويجب أن نطور البحث في هذه المجالات الثلاث و البحث كذلك في استخدام الطاقة الشمسية في تنقية المياه للحصول على مياه نقية لأنها الأكثر ملاءمةً في بلادنا.إن معالجة المياه بحد ذاتها وإعادة استخدامها ليست فقط ممارسة سهلة لتقنية عظيمه وجذابة اقتصاديا وحيوية من الناحية المالية, وحاجة ماسة من الناحية البيئية, فحسب, بل ضرورة حتمية لا خيارا أو رفاهية.

المصدر: مجلة المياه
 

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *