من هو النبي الذي حرم الله عليه النساء
هو نبيّ اللّه شيث -عليه السلام-، وشيث تعني في اللغة (هبة اللّه أو العطيّة)، حيث وهبه اللّه لآدم بعد مقتل ابنه هابيل على يد أخيه قابيل، ويعدّ شيث الابن الثالث لنبيّ اللّه آدم وخامس بشريّ تخطو قدميه وجه الأرض، فشكرت حوّاء اللّه على هذه النعمة، بعد أن أخبرها سيّدنا جبريل (أبو الملائكة عليه السلام)، “هذا هبة اللّه بدل هابيل” فأطلقت عليه شيث حمداً لله على هذا التعويض.
متى ولد شيث ابن آدم عليه السلام؟
ولد نبيّ اللّه شيث بعد نحو خمسين عاماً من مقتل هابيل، وكان عمر نبيّ اللّه آدم حينها نحو مائة وبضع وثلاثون سنة، وممّا ورد عن ابن عمّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ابن عبّاس -رضي اللّه عنه وأرضاه-، أنّ شيثاً ولد ومعه أخته حزوراً، ويعرف شيث في اللغة السريانيّة باسم شاث، أمّا شيث فهو اسم عبري.
لماذا حرم الله النساء على النبي شيث عليه السلام
ومن المعلوم أنّ أمّ البشر حوّاء كانت تلد في الحمل الواحد طفلين أحدهما ذكر والآخر أنثى، وذلك حكمة من اللّه لكي يتزوّج كلّ صبيّ من أخته حتّى تعمر الأرض بالبشر، وذلك كان متاحاً في ذلك الوقت، ولكن حرمه على اللّه على نبيّه شيث، وأمره بعدم الزواج بأخته حزور، وذلك ابتلاء من اللّه لرسله، كما ابتلى من بعده خليل اللّه إبراهيم -عليه السلام-، وحفيده نبيّ اللّه يعقوب -عليه السلام-، وابنه يوسف الصديق -عليه السلام- وعلى ذرّيّة آل إبراهيم جميعاً السلام، ولكنّ نبيّ اللّه شيث تزوّج من أخته، وخالف أوامر اللّه تعالى، فعاقبه اللّه بتحريم جميع نساء الأرض عليه.
صفات سيدنا شيث عليه السلام
نظراً للبعد الزمنيّ الّذي بيننا الآن وبين الزمن الّذي نحن بصدده، فإنّ المعلومات الواردة في ذكر نبيّ اللّه شيث تكاد تكون معدومة، وأثرها مغلوط ومشكوك في صحّتها، لذلك نذكر ما هو موثوق منها مثل كون النبيّ شيث بارّاً بوالديه، وحبّ للعلم والتعلّم، فقد علّمه آدم الكثير، وانتقلت إليه الدعوة ورسالة التوحيد بعد وفاة آدم، ومن الصفات الأخرى كونه أجمل أبناء آدم، ويذكر أنّه عاش نحو تسعمائة عام.
وصية سيدنا آدم لابنه شيث قبل وفاته
أوصى نبيّ اللّه آدم عليه السلام ابنه النبيّ شيث، بأن يتولّى أمور قومه من بعده، ويخلّفه في الدعوة إلى دين اللّه التوحيد، كما أوصاه بأن يتجنّب أخيه الأكبر قابيل لما في نفسه من حقد وغلّ، ومن أجل ذلك خشي نبيّ اللّه آدم أن يلحق قابيل الضرر أيضاً بابنه هابيل، فيفقد عزيزاً أخّر، واستجاب نبيّ اللّه شيث إلى ما وصاه به أبوه وخلّفه في قومه، وأخذ يدعو الناس إلى وحدانيّة اللّه، واتّخذ من الجبال مسكناً له ولمن تبع من قومه.
أول حادثة زنا في التاريخ
قبل أن نخوض في ذكر تلك الحادثة، تقتضي علينا الأمانة العلميّة التنويه بأنّ الإسرائيليّات هي مصدر هذه القصّة، وحينما سئل رسولنا الكريم عن الإسرائيليّات قال “لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم فقد يكون حقّاً فتكذّبوه، وقد يكون باطلاً فتصدّقوه”، وقال أيضاً” حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج “، أي أنّنا نذكر ما ورد في كتب التاريخ المأخوذة من الإسرائيليّات بغرض العلم والمعرفة لا أكثر، وفيما يلي تذكّر الإسرائيليّات:
- أنّه بعد مقتل قابيل لأخيه هابيل، انعزل عن أبيه وعشيرته، ولجأ إلى السكن بالسهول، وكان قابيل خبيث النفس، غير محبّ للخير.
- نصح آدم ابنه شيث بألّا يتبع أخاه قابيل، ونصح شيث قومه من بعد أبيه، بعدم اتّباع قابيل وقومه، وألّا يتركوا مساكنهم بالجبال، وينزلون عند قابيل وقومه.
- تجرّأ أحد رجال نبيّ اللّه شيث، ونزل إلى السهول في عيد قوم قابيل، فأثارته النساء المتبرّجات هناك اللّاتي نالت استحسانه، وهنّ الأخريات استحسنه، وذلك لما يتّصف به رجال قوم شيث، حيث كانوا يتسمّون بصفة الجمال ونسائهنّ غير كذلك، خلاف رجال قوم قابيل الّذين كان رجالهم يتّصفون بدمامة الوجه، بينما نساؤهنّ ذات جمال أخّاذ.
- حينما عاد ذلك الرجل إلى قومه بالجبال، أخذ يسرد عليهم ما رآه من جمال النساء وحسنهنّ، وما يتّصف به قوم قابيل حيث أنّهم لم يكونوا يحرمون الاختلاط بن الرجال والنساء كما هو الحال عند قوم نبيّ اللّه شيث.
- بطبيعة الحال افتتن رجال قوم نبيّ اللّه شيث بتلك النساء وبأحاديث صاحبهم، فخالفوا ما نهاهم عنه نبيّ اللّه ونزلوا إلى السهول، وحينما رآهنّ نساء قوم قابيل، أعجبن بهم، وروّادهنّ عن أنفسهم، ووقع بينهم المحظور، وتعتبر هذه أوّل حادثة زنا على وجه الأرض.
- أخذ ذلك الأمر يتكرّر وينتشر سريعاً، حيث تفرّ مجموعة من قوم شيث لتهبط سهول قابيل وأتباعه، حتّى بدأ يقلّ عدد قوم شيث، بينما تزداد قبيلة قابيل عدداً وقوّة، ويزداد معها الفساد والطغيان في الأرض.
- بعد وفاة نبي الله شيث، هجمت جماعات من قبيلة قابيل على أتباع شيث الموحدين، وظلوا يؤذونهم ويلحقون بهم الأضرار، وذلك لأنهم ضاقوا ذرعا بهم، وكرهوا عقيدتهم، وهكذا البشر تتحول حينما يتمكن منها الشيطان -حفظنا الله وإياكم-.
- حينما كثر الفساد فيّ لأرض، وقلّ عدد الموحّدين المؤمنين بعبادة اللّه، بعث اللّه رسلاً أخرى بعد شيث عليه السلام.
- من الجدير بالذكر أنّه ما زال هناك طائفة مؤمنة بنبيّ اللّه شيث -عليه السلام-، وهم الصابئة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه الكريم في سورة البقرة (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم)، وهم موحّدون باللّه، وينطقون شهادة أن لا إله إلّا اللّه، ويصلّون صلاة تشبه صلاة المسلمين ولكن بدون سجود، وصلاوتهم ثلاث قبل شروق الشمس، وقبل الظهر وقبل الغروب، وهم يؤمنون بما يعرف باستنساخ الأرواح، وكتابهم الخمسون صحيفة الّتي يقال إنّها نزلت على نبيّ اللّه شيث، ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن كتب الحديث الشريف قد ذكرت صحائف شيث الخمسين في حديث رواه أبو ذرّ الغفاريّ ولكنّ سنده ضعيف.
العظة من قصة النبي شيث
كلّ ما يفعله اللّه عزّ وجلّ لحكمة وبمقدار، وفي تلك القصّة نستخلص كثيراً من الدروس المستفادة مثل:
- إنّ اللّه -عزّ وجلّ- يوهب الإنسان نعماً كثيرة، وأفضل ممّا أخذ منه، جزاء لما احتسبه عند اللّه.
- أن يعلم الناس الّذين يقدّسون الأنبياء ويزيدون من إجلالهم، أنّ الأنبياء بشر يصيبون ويخطئون مثلنا.
- إنّ اللّه إذا أحبّ عبداً ابتلاه، وأنّ الصبر عند الابتلاء هو مفتاح الفرج.
- أنّ النفس أمّارة بالسوء، وأنّ النفس إذا لم نشغلها بالحقّ شغلتنا بالباطل، لذلك ينبغي علينا اتّباع أوامر اللّه -سبحانه وتعالى- واجتناب نواهيه.
- وجوب التوبة وسرعة الإنابة إلى اللّه -عزّ وجلّ- بعد فعل المعاصي.
- أكبر عظّة علينا أن نعيها هي أنّ الغريزة الفطريّة الّتي أودعها اللّه في البشر هي المحرّك الأوّل لكثير من شرور الإنسان ودوافعه، حيث تمّت أوّل جريمة قتل على وجه الأرض بسبب شهوة قابيل الّتي طوّعت لنفسه قتل أخيه هابيل، ثمّ يرسل اللّه شيثاً وهو الأخ الأصغر لقابيل، فيشتهي قوم شيث قوم أخيه قابيل، فتحدّث أوّل جريمة زنا على وجه الأرض، لذلك يفترض بنا تزكية أنفسنا وتطهيرها من كلّ الآثام والفجور تنفيذاً لقوله تعالى في سورة الشمس (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقوّاها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها).
- ينبغي علينا أن ندرك أنّ الأتقياء هم الّذين ينجون من عذاب اللّه، وينالون جنّاته العلى خالدين في رضوانه.