
ربى الرياحي
عمان- تتوتر الكثير من العلاقات وربما أيضا تنتهي تماما بسبب نبرة الصوت العالي التي يتسم بها بعض الأشخاص، وقد يلجأ لها بعضهم الآخر وسيلة دفاع عن أنفسهم.
ورغم أن ارتفاع الصوت قد يكون أحيانا طبعا، إلا أن هناك من الناس من يكتسبها عادة، وتصبح جزءا من شخصيته يحتمي بها كلما شعر بالهزيمة وباحتياجه لأن يثبت أنه على حق.
تلك المواقف التي تنتهي غالبا بتأجيج خلافات لا معنى لها سوى أنها نتاج أحاديث كانت نبرة الصوت العالي فيها هي الرابحة والمنتصرة هي في حقيقتها مواقف تنم عن انعدام ثقة، وأحيانا كثيرة تسهم في كشف شخصية الآخر، وأكثر من ذلك قد تؤدي إلى قلب الحقائق فقط لأن صاحبها نجح في تشويش الأطراف المتحاورة الأخرى، واستطاع أن يكسب هو الجولة.
النفور والتوتر والانفعال كلها مشاعر تطغى بقوة على حديث الثلاثيني إياد مع زملائه في العمل، بسبب صوته العالي خسر الكثير من صداقاته، وبات الجميع تقريبا يتجنبون الدخول معه في أي نقاش مهما كان نوعه وأهميته. رغبته الدائمة في أن يكون هو المسيطر في كل حديث يفتح كانت السبب وراء خلافات كثيرة أججتها نبرة صوته المنفعلة التي أصبحت تضايق جميع زملائه، حتى المدير المسؤول عنه.
إياد ورغم إدراكه لحقيقة صوته العالي لم يكن يتقبل أبدا انتقاد زملائه له، وطلبهم الملح بأن يخفض صوته لكون ذلك يتسبب في ازعاجهم وتوترهم طوال الوقت حتى تهديده بالفصل لأكثر من مرة لم يجد نفعا. فرص عديدة منحت له على أمل أن يغير من نفسه، لكن جميعها باءت بالفشل.
لم يكن هناك خيار آخر أمام زملائه سوى أن يتقبلوه كما هو ويتأقلموا مع طبيعته التي بدت تتكشف لهم يوما بعد يوم، الوقت وحده هو الذي جعلهم يقتنعون بأن صوته العالي هو طبع فيه حتى وإن حاول تغييره تدريجيا سيكون من الصعب التخلص منه نهائيا فهو في علاقته مع أولاده ومع زوجته وحتى مع والدته يتحدث بالطريقة نفسها، وبنبرة الصوت ذاتها.
صمت مطبق يخيم على أفراد عائلة أم وسام بمجرد أن تبدأ هي بالكلام يقول أحد أبنائها، والدتي لا تدرك نهائيا أن صوتها عال، الأمر الذي يجعل مصارحتهم لها بالحقيقة مهمة صعبة جدا، وذلك لأنها تنفعل وتتضايق كلما طلبوا منها أن تخفض صوتها.
يحاول الابناء ممازحتها وإخبارها بأن المكان صغير وبأنهم يسمعون حديثها حتى لو كان همسا، لكن كلامهم هذا لم يكن يعجبها أبدا بل على العكس تماما كان يزيدها حدة وعصبية وأحيانا كثيرة ترفض أن تكمل كلامها، لأنها ترى أن صراحتهم تلك تحرجها وتسلبها حماسها واندفاعها وتبعدها عن كل ما تريد قوله معتبرة ذلك الأسلوب إهانة لها تنم عن وقاحة أبنائها معها وعدم احترامهم لحديثها.
تحسسها بهذه الطريقة جعل أبناءها اخيرا وبعد الكثير من المحاولات لتغييرها يكتفون بالاستماع لها فقط دون أن يفكروا في مناقشتها. بحسب أحد أبنائها.
المتخصص النفسي الدكتور موسى مطارنة يرى أن الصوت مهارة تتأثر بانفعالات الشخص وردات فعله، لكنها أيضا يمكن التحكم بها من خلال التدريب، وذلك يكون بتعويد الشخص على ضبط نبرة صوته ومعرفة متى يمكنه رفع صوته ومتى يخفضه.
ويلفت إلى أن الموقف والموضوع يحددان حتما مسار الحديث وطبيعته إضافة إلى أن هناك أساليب متعددة يتم استخدامها في الحديث من شأنها أن تكسب الشخص ثقة بالنفس وتجعله مسموعا من قبل جميع الأطراف المتحاورة خاصة إذا نجح في توصيل فكرته بكل هدوء وروية والابتعاد عن الحدة والعصبية والصراخ. ويبين أن هناك بعض الأشخاص يتسمون بنبرة الصوت العالية والمنفعلة بحيث إنهم في جميع الحالات والأوقات يتحدثون بالطريقة نفسها، وهذا غالبا ما يتسبب بخسارتهم ونفور الناس منهم وتجنب النقاش معهم الأمر الذي يصعب من توصيل رسائلهم حتى وإن كانت مهمة. داعيا للانتباه لنبرة الصوت والتغلب عليها كمشكلة تخلق الكثير من الخلافات بين الناس وتحول النقاش أيا كان لساحة معركة تنتهي بسببها الكثير من العلاقات الإنسانية، كالصداقة والزمالة وحتى الزواج أيضا.
ويقول المختص الاجتماعي الأسري مفيد سرحان أن التواصل مع الناس ضرورة للجميع، لأن الإنسان كما يقال مدني بطبعه، أي أنه لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، وأدوات وطرائق التواصل متعددة ومنها الصوت، فهو أداة تواصل وتعبير بين الناس، وهو ينقل المشاعر والأفكار والعواطف، ويعبر عما في داخل الشخص حتى دون أن يراه.
ويتابع، للصوت تأثيرات كبيرة في المستمع، فهو يعطي انطباعا عن الشخص والصورة عنه. فيمكن للمستمع القريب أو البعيد أن يعرف مثلاً أن المتحدث غاضب أو فرح أو منزعج، أو أنه على عجلة من أمره، أو أنه متردد أو خائف من خلال ما يسمى نبرة الصوت. وصوت الإنسان قد يترك أثراً في نفوس الآخرين حتى بعد انتهاء الكلام، وقد يستمر هذا الأثر لساعات أو أيام أو سنوات، وتبقى الكلمات محفوظة في الذاكرة يتم استرجاعها بالنبرات نفسها التي تحدث بها الشخص.
وقد يحكم الناس على شخصٍ ما من خلال نبرة صوته، بحسب سرحان، بغض النظر عن طبيعة وتفاصيل الكلام، فدرجة الصوت وقوته أو ضعفه تترك في النفوس انطباعاً عند المستمع أو المستمعين تجاه الشخص المتحدث، لذلك من المهم أن ينتبه كل شخص إلى طبيعة صوته. ويضيف، بعض الأشخاص يتحدثون بصوت مرتفع مع الآخرين، حتى لو كانوا قريبين منهم من حيث المسافة، أو كانوا داخل الأسرة أو في مجلس صغير العدد. ومن هؤلاء من تكون طبيعة صوته مرتفعة أو أن رفع الصوت عادة تعود عليها الشخص، ومنهم من يتعمد رفع صوته لأسباب.
ويتابع، وبعض الأشخاص بسبب ضعف السمع لديهم يلجأون إلى رفع الصوت دون شعور منهم، وهنالك من اعتاد رفع صوته منذ الصغر بسبب البيئة التي يعيش فيها، فقد يكون الأب أو الأم ذا صوت مرتفع، أو يسكن في منطقة متباعدة المساكن أو بسبب طبيعة عمله لوجود أصوات الماكينات أو الآلات. وبعض الناس لا ينتظر الآخر حتى يكمل كلامه، فتجد أنه يقاطعه بصوت مرتفع كي يتحدث هو.
ومهما كانت الأسباب فإن الصوت المرتفع أو “العالي” يعد غير مقبول اجتماعياً، ويعطي انطباعاً سلبياً عن صاحبه، وهو يفهم عند الآخرين على أنه تعبير عن الفضاضة وقلة الاحترام للآخرين، وهو يوحي بعدم الثقة بالنفس وضعف الحجة أثناء الحوار والنقاش، لذلك يلجأ الشخص لرفع صوته لإسكات الآخر وفرض رأيه.
والصوت المرتفع قد يحمل لهجة عدائية، وهو يسبب مشاكل كثيرة لصاحبه، ونفور الآخرين منه، وهو صفة سلبية يجب التخلص منها، حتى لو كان عادة، فالعادات يمكن تغيرها، ويمكن ان يتدرب الشخص على خفض صوته إذا أدرك أن الصوت المرتفع مزعج للآخرين، ويعطي صورة سلبية عن صاحبه، وقد يخسر علاقاته الاجتماعية بسبب صوته المرتفع.
وأثناء الحديث مع الآخرين يلتزم الشخص بالاستماع لهم حتى النهاية، حتى لو كان كلامهم فيه خطأ، وأن يرد عليهم بصوت معتدل بعيداً عن التشنج والتعصب الذي يؤدي إلى رفع الصوت، فالحجة القوية أكثر أثراً من الصوت المرتفع، وأن لا يسمح لنفسه أن يستفزه الآخرون، وأن لا يتجاوب مع الاستفزاز ويلتزم الهدوء حتى يكسب احترام الجميع.
وعند التعامل مع شخص مرتفع الصوت أو ارتفع صوته أثناء الحديث أو الحوار والنقاش، فعلى المستمع أو المستمعين التحلي بالهدوء وعدم رفع أصواتهم، والعمل على تهدئة صاحب الصوت المرتفع بالابتسامة والمزاح، حتى لا ينزلق الآخرون في الخطأ نفسه. كما أن الصوت المرتفع غير مقبول أيضاً داخل الأسرة، ويجب أن يكون الآباء والأمهات قدوة حسنة للأبناء في الحديث بصوت معتدل.
ويلفت سرحان إلى أن الحديث بصوت متوسط الارتفاع أو معتدل من حيث الدرجة والسرعة، يشيع أجواء الثقة والطمأنينة والراحة النفسية للجميع. والاعتدال في الصوت يكسب صاحبه الاحترام، ويمكن الآخرين من الاستماع له، ويعطيه وقتاً للتفكير قبل الكلام، ويترك أثراً طيباً في نفوس الآخرين ويعطي صورة جيدة عنه، من حيث صدق الحديث وقوة الحجة وهو مدخل لتقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية.
ويضيف، حتى لو كان الشخص صاحب حق، فإنه يجب أن لا يلجأ إلى رفع صوته أمام الآخرين، لأن رفع الصوت يُعطي صورة سلبية، ويسبب نفور الآخرين من التعامل مع هذا الشخص، فكسب القلوب واحترام الناس أهم من كسب المواقف، ويمكن الإقناع بالحجة والبينة، فالصوت أداة لإيصال الرأي وليس لمعارضة الآخرين أو فرض الرأي عليهم. ورفع الصوت صفة سلبية يجب التخلص منها.