ماسة الدلقموني*

ما الذي يفقده أطفالنا اليوم بهذه الجائحة؟ هل لنا أن نقلق؟ أي نافذة نغلق اليوم في وجه طلابنا؟ ما قيمة هذه النافذة؟ دول عديدة أبقت إغلاق المدارس آخر خيار لها منها دول من العالم الثالث ومنها دول من العالم الأول، هل هناك خيار آخر؟ أمن واجبنا العمل بجهد وتعاضد لإيجاد خيار آخر بعيد عن الإغلاق التام لكل هذه الفترة الزمنية؟ لماذا اتخذت العديد من الدول رغم بنيتها التحتية القوية للتعليم الإلكتروني كفرنسا وبريطانيا وكندا قرار الاستمرار بفتح مدارسها من شهر آب ولغاية هذا الأسبوع ولم تتخذ الإغلاق كإجراء احترازي إلا في بداية الجائحة وفتحت أبوابها لحق التعلم الوجاهي والمدمج؟ ألم تتمكن بهذا القرار من تقليل الضرر على الطلاب باستغلالها العطلة الرسمية القادمة والأعياد للإغلاق لمحاولة السيطرة لغاية معرفة طبيعة السلالة الجديدة؟
ونحن هنا لغاية اليوم، رغم الصوت المتعالي للشارع والمجتمع المدني الذي يحاول خلق حوار منذ أشهر، نواجه بتصريحات تخرج من الوزارة تقول: «لم يتم الحديث أو بناء تصور أو سيناريوهات مع لجنة الأوبئة بشأن العودة للتعليم الوجاهي للفصل الثاني». ما نحتاجه اليوم هو حوار وطني مفتوح وشامل لإيجاد الحلول الممكنة أو البدء برسم خطط مختلفة لسيناريوهات متعددة حسب المناطق ونسبة انتشار الوباء بدلًا من هذه الحرب الباردة التي نشهدها. إن واجبنا اليوم، كمواطنين ومجتمع مدني وحكومة، العمل معا لتقليل الضرر بدل تعميمه على الجميع.
أمس، كنت أتحدث مع إحدى مديرات المقاطعات بكاليفورنيا لمشاركة الخبرات وتبادل المعرفة، لتخبرني كيف توجهت كل مقاطعة بولايتهم لرسم آلية تتناسب والوضع الوبائي بخصوصية، فذكرت لي تجربتهم بالدمج والفترات التي اضطروا فيها إلى التوقف التام والالتزام بالتعليم عن بعد، وذكرت كل التحديات التي واجهتها مقاطعتهم بهذا التعليم رغم وجود بنية تحتية ومعرفة متجذرة باستخدام التكنولوجيا وتصميم الحصص عن بعد والتطبيقات بالغرف الصفية منذ عدة سنوات، وشاركت خبرات مقاطعات أخرى اتخذت إجراءات مختلفة تماما بعضها من أغلق تماما وبعضها لم يغلق أبدا وبعضها دمج بناءً على عدد الحالات. فلا يوجد سياسة واحدة يسير عليها الجميع لأن هذا غير ممكن. وتضيف ما إن وصل مقاطعتها دعم حكومي لتغطية الخسائر التعليمية التي تمس الطلاب حتى خصصوا جزءا منها لتوظيف أطباء نفسيين ومرشدين إضافيين لمساعدة الطلاب، بسبب ما رأوه من تصاعد غير مسبوق لديهم بحالات اكتئاب الطلاب. كما عملوا على توظيف كادر إضافي لزيارة الطلاب المتغيبين بالمنازل وتفقد أوضاعهم وتشجيعهم على الالتزام بمتابعة العمل.
إن كنا نعرف اليوم أننا لا نملك الإمكانيات المالية لتقديم ولو جزء بسيط مما ذكر، إن كنا نعرف أن عددا هائلا من أطفالنا اليوم لا يتمكنون من متابعة تعليمهم. وان كنا نعرف أن لا إمكانية اليوم لعائلة فيها ثلاثة أو خمسة أبناء بمصدر معيشي بسيط تأمين خمسة كمبيوترات وتكاليف صيانتها، ولا تأمين أبسط المصادر التعليمية للعمل من المنزل، فلماذا أبقينا أبواب المدارس مغلقة كل هذا الوقت؟! نعم نفهم هذا القرار في بداية الجائحة، ولكن لماذا الاستمرار به لغاية اليوم؟ لماذا مركزية القرار بهذا الخصوص؟ لماذا لم نستغل شهر تموز الماضي ونفتح المدارس بشكل منظم وتدريجي ونعمل على دمج التعليم عن بعد والتعليم الوجاهي بآلية تتناسب وكل مدرسة على حدة؟ ألم يكن بإمكاننا استغلال شهر تموز أو آب لصالح طلابنا ومعاودة الإغلاق عند الحاجة الماسة؟!
نعرف أن الحلول ليست بسيطة بل معقدة، وعلى الوزارة بناء العديد من السيناريوهات المختلفة، ولكن يجب أن ندرك أيضًا أن ما يحصل اليوم من ضرر على تعلم وصحة طلابنا لن يكون حله أقل تعقيدًا بعد انتهاء الجائحة.

  • متخصصة في التربية والتعليم