ترف البدائل
[wpcc-script type=”817210188819c8137ff6e0aa-text/javascript”]
البدائل هي ترف امتلاك الأحلام، ولو أنها بقيت في عالمٍ يغيب الحسُ عن التيقن بوجودها. فالأحلام وُلدت من أوهام المترفين.
البدائل هي ترف الذين انتظروا طويلًا وعودًا لم تتحقق، ومع ذلك لم يتركوا الرصيف، ولا المحطة، لكنهم آثروا أن ينظروا إلى الجهة الأخرى…
البدائل هي ترف الاعتقاد بأن الدروب جميعها تؤدي إلى الطاحون، طاحون المصائر، فلا داعي لتضييع الوقت عند تقاطع الطرق.
من تخلى عن البدائل تكبرا وادعاء، عاش عزلته في كهف البواكير الذي كتبت على جدرانه لغة ميتة في تاريخ حي. ومن تخلى عن البدائل اقتناعًا بأنها نقيض الوفاء، عاش عزلته حزنا وتلصصًا على فرح الآخرين، من ثقب المبدأ المتلازم مع القهر المرسوم بخط اليد.
قد تكون البدائل مخدرًا لاجتياز الزمن، على أنه حدث عابر، وقد تكون عجلة الصيرورة في تحقيق الواجب حدوثه. الاختيار بين موقفين يقضي التوازن بينهما حكمًا، يجعلك أمام الحسم ضرورة، والحسم موعد مع النار، والنار لا تعرف المساومة… أما المماطلة فارتماء في أحضان الأبدية المؤجلة.
أما معايير أفضل التفضيل في الاختيار، فهي مرهونة بوعي الضمير، الضمير الفردي والضمير الجمعي، وكيفية تشكله. الضمير هو وجع الوعد عند البحث عن بديل آن التحرر. الضمير هو وجع الوعي عند ارتمائه في العالم. الضمير هو هذيان الرغبة بتحقيق المثال، وحضوره صحوة الروح في تمثال نحتناه بأدوات العقل والوجدان.
الضمير غريزة الفرح فينا، لنا فيه كل الحق، وسط هذا الكم من المواجع، لأنه يسخر العقل في البحث لنا عن البدائل. فالفرح يبحث عن استمراره في الزمن من خلال الضمير. أما الأحزان فصيرورة مؤقتة يكتب مصيرها جريان النهر حين يقصي عنه كل ما يعكر صفوته في رحلته الى المحيط ..
البدائل بنات المراحل التي تشيب، فتزهو بفساتينها الخضراء الواعدة بثمار جديدة. البدائل زرع جديد، في أرض جديدة، لتتجدد الحياة.
العجز هو التخلي عن التنعم بترف البدائل ولو كان نافذة من ورق..
العجز هو أن نسمح لغرورنا ببناء جدران عازلة بيننا وبين الآخرين ومن ثم نبارك عزلتنا التي ندَعي أنهم اختاروها لنا..
العجز هو حجز الذات في بؤرة المساءلة عن حسابات الماضي، وقضاء الغد في دفع فواتير الأمس، من دون التهيؤ للبدائل المطروحة أمامنا.
خطوتنا الأولى أن نكون مستعدين دومًا لكل طارئ عند المراحل الانتقالية. دوام الاستعداد والتهيؤ يتطلب ثقة بقدرتنا على التجاوز والتخطي. الثقة بذواتنا هي ثقافة إقصاء العجز وتكبيل يديه ورجليه ومنعه من الاقتراب من مرمى الرؤية والسمع. حينذاك، يمكن للبصيرة أن تتواطأ مع البصر، فتصبح البدائل حاضرة بشفيف ماضيها وإمكانات غدها، والدروب التي تحترف السير عليها… البصر والبصيرة قنديل وضوء زيته عُصر من الصبر.
الصبر فن الانتظار، كما تنتظر الأرض موسم المطر، ولو تأخر قليلا. هو فسحة التأمل بمنجزاتنا والتمتع بها، كما تتمتع أوراق الشجر بضوء الشمس إلى أن يحين موعد الإثمار. الصبر هو احتراف الاستعداد للآتي، وأن ثمة ما هو في طريقه إلينا، أو نحن في طريقنا إلى ملاقاته في منتصف الدرب، بعد أن ندرك كيف نتعرف إليه. فالبدائل ترف نصنعه بإيماننا بحريتنا وجهودنا وثقتنا باختيارنا…
٭ أكاديمية وروائية لبنانية
ناتالي الخوري غريب