3 أسباب تجعل الذكاء العاطفي سلاحاً سرياً للشخص الرياضي

ذات يوم، قالت لي ابنتي البالغة من العمر 11 عاماً ونحن في طريق العودة إلى المنزل من تدريب السباحة: "إنَّ الحاجة إلى النجاح أكبر من الحاجة إلى التنفس"، كنتُ أعرف أنَّها رياضية ماهرة، لكنَّني كنتُ مندهشةً بما سمعتُه منها. يتطلب الوصول إلى ذروة الأداء الرياضي، الوعي الذاتي العاطفي والتحكم الذاتي في العواطف والنظرة الإيجابية. أُقدِّم لك في هذه المقالة 3 أسباب تجعل الذكاء العاطفي سلاحاً سرياً للرياضي.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة “سارة كيفل” (Sarah Kivel)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية مع الذكاء العاطفي.

يشعر معظمنا بالدهشة من الرياضيين البارعين مثل “ميا هام” (Mia Hamm)، و”ماجي ستيفنز” (Maggie Stephens) و”ستيفن كاري” (Stephen Curry)، فهم يُظهِرون شغفهم في الملعب وفي المسبح؛ حيث يقضون الكثير من ساعات التدريب كل يوم، كما أنَّهم يكرسون أنفسهم وحياتهم من أجل الرياضة.

فلا نرى الرياضيين الاستثنائيين في عالم المحترفين فحسب؛ بل إنَّهم موجودون في كل مكان، في ملاعب كرة القدم المحلية وفي المسابح وفي ملاعب كرة السلة، ولكن، ما الذي يميز هؤلاء الرياضيين ذوي الأداء العالي عن البقية؟

بصفتي رياضيةً وأمَّاً لأطفال رياضيين ذوي قدرة تنافسية عالية، تعلمتُ أنَّ الأمر يتطلب أكثر من الموهبة واللياقة البدنية لتحقيق أفضل أداء ممكن؛ حيث يتطلب الأمر التركيز والقيادة والالتزام، كما يتطلب أمراً لا نسمع عنه كثيراً في عالم الألعاب الرياضية، وهو الذكاء العاطفي.

يتطلب الوصول إلى ذروة الأداء الرياضي، الوعي الذاتي العاطفي والتحكم الذاتي في العواطف والنظرة الإيجابية.

أُقدِّم لك فيما يلي 3 أسباب تجعل الذكاء العاطفي سلاحاً سرياً للرياضي:

1. يعتمد كسب الميدالية الذهبية على الوعي الذاتي والإحساس بالحالة الداخلية للجسم:

يمكن للرياضي الواعي عاطفياً أن يدرك عواطفه وتأثيرات تلك العواطف في أدائه الرياضي، فهو يعرف ما يشعر به، ولماذا يشعر به، وكيف يمكن أن تخدمه أو لا تخدمه عواطفه جيداً في المنافسة.

عندما تُنشَّط تلك العواطف، غالباً ما تكون مصحوبة بتغيُّرات في الجسم مثل معدل التنفس ومعدل ضربات القلب والشد العضلي، كما تكتشف القشرة الانعزالية (أو ما يسمى بالأنسولا) التغيُّرات الجسدية وتنقل المعلومات إلى الأجزاء الأخرى من الدماغ.

إذ إنَّ الإحساس الداخلي في الجسم هو إحساس أقل شهرةً ويساعدك على فهم ما يجري داخل جسمك والشعور به، فالقدرة على تحديد المكان الذي تأتي منه المشاعر والعواطف في الجسم، هي مفتاح الرياضي للاستجابة للتوتر بطريقة مفيدة.

على سبيل المثال: يجب أن يمتلك السباحون المهرة رشاقة راقصة الباليه، وقوة ومرونة لاعب الجمباز، ومهارات السباح السريع ولاعب كرة الماء، ورئتي الغواص، وقدرة تحمُّل عدَّاء المسافات الطويلة؛ حيث تتطلَّب هذه الرياضة التركيز والانضباط والتفاني والشغف، وعادةً ما يوجد 8 رياضيين يعملون معاً كفريق واحد في المنافسة، ولكن عندما يصاب أحدهم بنوبة هلع ولا يمكنه البقاء تحت الماء، تنتهي المنافسة، ومن ثمَّ لا توجد فرصة للفوز بميدالية ذهبية.

عندما يتمكن السباح من إدراك ما يشعر به الجسم وملاحظته قبل حدوث نوبة الهلع، فيمكنه تعلُّم طريقة التواصل مع أفكاره وعواطفه، وإدارة ما سيحدث بعد ذلك جيداً؛ حيث يلاحظ أنَّ قلبه يبدأ بالخفقان بسرعة كلما شعر بالتوتر، ومن خلال ملاحظة هذه الأحاسيس في الجسم والانتباه لها فعلاً، يمكن للرياضي أن يتعلم الاستجابة لنبضات القلب السريعة، ثم مع الممارسة يمكنه تهدئة نفسه.

وقد يتعلم القيام ببعض الأمور مثل التركيز على التنفس أو الإيقاع بدلاً من السماح لعقله وجسمه بالتفكير في ضربات القلب السريعة ونوبات الذعر التي تلي ذلك، ومن خلال الممارسة، يمكن للسبَّاح الماهر المدرك لذاته أن يتعلم الاستجابة لأيَّة تجربة تظهر، والحفاظ على السيطرة على الأمور التي ستحدث بعد ذلك، بدلاً من التصرف دون تفكير، فهذه هي الطريقة التي تساعده على الفوز بالميداليات الذهبية.

شاهد بالفديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/PZmo3oOMngE?rel=0&hd=0″]

2. يمكن أن يعني التحكم الذاتي في العواطف الفرق بين الفوز والخسارة:

عندما يُظهِر الرياضي التحكم الذاتي في العواطف، يمكنه حينها إدارة عواطفه المضطربة بفاعلية أكبر، والحفاظ على صفاء ذهنه وهدوئه، ومن جهة أخرى، فإنَّ الرياضي الذي يفتقر إلى التحكم الذاتي في العواطف، قد يفقد السيطرة على عواطفه أو قد يكون غير قادر على العودة إلى وضعه الطبيعي عند تحفيزه؛ ممَّا يكلِّف الفريق المنافسة.

وقد أشار المؤلف “دانيال جولمان” (Daniel Goleman) إلى ذلك بما يسمى بالـ “السلب النفسي”، في كتابه الصادر عام 1996، “الذكاء العاطفي: لماذا يهم أكثر من معدل الذكاء؟” (Emotional Intelligence: Why It Can Matter More Than IQ).

عندما تُحفَّز اللوزة الدماغية فإنَّها ترسل إنذاراً؛ ممَّا يُطلِق هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول في الجسم للاستعداد لاستجابة الكر أو الفر، كما يؤدي السلب النفسي إلى إيقاف قدرة قشرة الفص الجبهي – وهي جزء من الدماغ – على اتخاذ القرارات المنطقية لفهم المحفز.

وفي هذه الحالة تكون لدينا فرصة ضئيلة أو معدومة للاستجابة بطريقة فعَّالة، ومن ثمَّ استجابة غير مناسبة للمحفز، وينتهي بنا الأمر إلى الشعور بالندم عندما نهدأ، وهذا هو الفارق بين الفوز والخسارة.

لقد كانت كرة القدم التنافسية جزءاً مؤثراً وهاماً في حياتي، فقد بدأتُ اللعب أول مرة في أواخر السبعينيات، عندما كانت توجد فرص قليلة للفتيات في الرياضات المُنظمة، وسرعان ما وقعتُ في حب كرة القدم وواصلتُ اللعب خلال سنوات دراستي الجامعية في “جامعة كاليفورنيا في دافيس” (University of California, Davis)؛ حيث كانت مباراة واحدة في السنة الأخيرة في المدرسة الثانوية تُظهِر بوضوح سبب استمراري بعد أكثر من 30 عاماً.

لقد كنتُ إحدى أفضل اللاعبات الهجوميات في فريقي، ولعبت مدة 4 سنوات في الجامعة، وفي السنة الأخيرة، انضمَّت طالبة مبتدئة إلى فريقنا، وفي منتصف إحدى المباريات بينما كنَّا خارج الملعب، أتذكَّر هذه الطالبة الجديدة، فقد كنتُ أناديها “لوسي” (Lucy)، ولقد كانت ترشدني وتقترح كيف يجب أن أتحرك وأصل إلى موقعي، وعند سماع كلماتها انتقل تركيزي من اللعب إلى إخبارها بطريقة مباشرة وصارمة ألَّا تخبرني ماذا يجب أن أفعل، وانتهى بنا الأمر بالخسارة.

يفتقر الكوتشز أحياناً إلى التحكم الذاتي في العواطف؛ حيث يُستفَزون بسبب خطأ ارتكبه لاعب رياضي لديهم أو قرار خاطئ من قِبل الحكم، وفي إحدى مباريات كرة الماء، كان الفريق المضيف في المقدمة، وكانوا يلعبون مع عدد قليل جداً من اللاعبين البدلاء، وقد بدا أنَّ الرياضيين قد تعبوا، حينها بدأ الفريق الزائر بتسجيل الأهداف، وكانت النتيجة تقترب من نتيجة الفريق المضيف.

نتيجةً لذلك، بدأ مدرب الفريق المضيف يخبر فريقه بأنَّهم سيخسرون، وبدأ بالصراخ بصوت عالٍ، وبدأ ينتقد لاعبيه في جميع أنحاء المسبح؛ الأمر الذي دفعهم إلى السباحة ببطء أكثر، وبدلاً من بذل كل ما لديهم في الدقائق القليلة الأخيرة من المباراة للحفاظ على تقدمهم، توقفوا عن المحاولة، وانطلقَت صافرة المباراة وانتهت المباراة وتمكَّن الفريق الزائر من الفوز وتحقيق الربح.

يمكن أن تتغير الأمور بسرعة عندما نُستفَز من قِبل شخص ما أو شيء ما يقوله شخص ما، ويمكن أن تتولى اللوزة الدماغية هذا الأمر، ويمكن أن تدمر أيَّة فرصة لتحقيق نتيجة إيجابية.

3. امتلاك نظرة إيجابية يدفع الفريق بأكمله إلى مستوى متقدم:

النظرة الإيجابية هي أن تكون لديك نظرة متفائلة نحو الأشخاص والمواقف والأحداث؛ حيث يستمر اللاعبون أصحاب النظرة الإيجابية في تحقيق أهدافهم، على الرغم من جميع العقبات والعوائق التي يواجهونها، ويمكن للكوتش صاحب النظرة الإيجابية، أن يُلهم الفريق للعمل الجاد وتجاوز المواقف الصعبة والخسائر.

توجد أدلة علمية تُظهِر أنَّ الأشخاص أصحاب النظرة الإيجابية لديهم المزيد من النشاط على الجانب الأيسر من قشرة الفص الجبهي، وتُظهر أبحاث أخرى أنَّ هذه المنطقة من الدماغ مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشعور بالإيجابية، كما نمتلك أيضاً خلايا عصبية في أدمغتنا تعكس الحالة المزاجية للآخرين من حولنا.

على سبيل المثال: عندما يبتسم شخص ما، فإنَّنا غالباً ما نرد له الابتسامة دون التفكير في الأمر، وبالمثل، يمكن أن يكون موقف ونظرة القائد أو الكوتش معديَين، فعندما يكون للكوتش نظرة إيجابية، فهناك فرصة كبيرة لتكون نظرة الفريق كذلك.

“مورين أوتول بورسيل” (Maureen O’Toole Purcell) الحاصلة على ميدالية فضية أولمبية، تعرف عن كثب فوائد النظرة الإيجابية؛ حيث تقول: “توجد أوقات تكون فيها الأمور صعبة، ولكن يجب عليك أن تعلم وحسب أنَّ الخير سيأتي من الأمور الصعبة”.

“مورين” هي أيضاً كوتش، وتقول إحدى لاعباتها عنها: “تحفزنا “مورين” على العمل الجاد، وعندما نخطئ في مباراة، لا تنتقدنا، وبدلاً من ذلك، تساعدنا على فهم ما يمكننا فعله بطريقة مختلفة في المرة القادمة، لقد قادنا الكوتشينغ الذي حصلنا عليه من “مورين” نحو الفوز بكأس البطولة والحصول على ميدالية فضية في أولمبياد الناشئين”.

لا تساعد النظرة الإيجابية الرياضي على تجاوز العقبات الصعبة مثل الإصابات والخسائر فحسب؛ وإنَّما تساعد الفريق ككل؛ إذ إنَّها تخلق بيئةً إيجابيةً معديةً للفريق، وتُلهم الرياضيين والفريق على العمل الجاد؛ حيث يؤدي العمل الجاد والتحفيز إلى الارتقاء بالرياضي والفريق إلى مستوى متقدم من النجاح.

من الواضح أنَّ الذكاء العاطفي يمثل فارقاً كبيراً في الأداء الرياضي، ويمكننا جميعاً أن نتعلم كيف نصبح أكثر ذكاءً من الناحية العاطفية، وفيما يلي ثلاث طرائق يمكنك اتباعها:

  • ملاحظة مشاعر جسمك: يمكنك إجراء فحص قصير للجسم؛ أغمض عينيك وركز انتباهك على نقطة في أعلى رأسك، ثم انتقل ببطء إلى أصابع قدميك، ولاحظ مع تقدُّمك كيف يشعر كل جزء من الجسم، كرِّر تلك العملية يومياً.
  • تركيز الانتباه على الأمور التي تحفزك: ما هي الأمور التي تظهر في الحياة اليومية والتي تثير المشاعر السلبية؟ متى وأين ومع من تحدث هذه المحفزات؟ خصِّص بعض الوقت للتفكير في هذه الأسئلة ودوِّن إجاباتك.
  • ممارسة الامتنان: احتفظ بدفتر للامتنان، واكتب ثلاثة أمور كل يوم تشعر بالامتنان نحوها، وسجِّل بعض الملاحظات، أو حتى أخبر الكوتش الخاص بك أو زميلك في الفريق بالأمور التي تشعر بالامتنان نحوها؛ إذ تشبه هذه الممارسة تدريب العقل على البحث عن الأمور الجيدة، فكلما تدربنا على البحث عن الخير في حياتنا، زاد احتمال تطويرنا لنظرتنا الإيجابية.

لن يساعدك تعزيز الذكاء العاطفي على تحقيق ذروة الأداء في رياضتك فحسب؛ وإنَّما سيساعدك على أن تصبح الأفضل في جميع جوانب حياتك، لهذا السبب، اجعل الذكاء العاطفي سلاحك السري.

المصدر

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *