نتحدث اليوم عن تفسير سورة الحجرات للشيخ ابن عثيمين وهو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن العثيمين الوهيبي التميمي، ولد الشيخ عام( 1347هـ 1929م) في عنيزة من مدن القصيم، نشأ نشاةً بسيطةً في أسرة محبة للعلم والقرآن الكريم وظهر نبوغه المبكر وتأثر بالشيخ عبد الرحمن السعدي كثيرًا وعدد من العلماء، وتعلم العلوم المختلفة، وكان لا يحب المديح، واشتغل بالتعليم والخطابة والتأليف على مدى طويل من أعوام حياته، وتوفي رحمه الله بعد صراع مع المرض سنة 2001 م في جدة وصلي عليه في المسجد الحرام ودفن في مكة، وفي هذا المقال نطلع على قبس من النور الذي أفاض به الله تعالى على الشيخ في التفسير، مع تفسير سورة الحجرات ابن عثيمين مع الموسوعة.
هذا هو الجزء الأول من التفسير اضغط هنا للوصول إلي تفسير سورة الحجرات الجزء الثاني .
فوائد سورة الحجرات
فضل سورة الحجرات
- نجد أن السورة ابتدأت بنداء الإيمان أي اظن ما فيها إرشاد للمؤمنين في نواحي حياتهم.
- تحدثت السورة عن الآداب التي يجب مراعاتها مع سيد الأنام من خفض الصوت وتشريف النداء.
- ثم تحدثت عن وجوب التثبت من الإشاعات وأخبار الفاسقين غير الموثوق فيهم حتى لا يترتب على أخبارهم ما يستدعي الندم.
- ثم تحدثت عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة في بعض المور خوفًا من المشقة عليهم الحاصلة بسببها مما يدل على رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته.
- تلك فوائد الجزء الأول من تفسير سورة الحجرات ولفوائد باقي السورة بقية في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.
تفسير سورة الحجرات ابن عثيمين (الجزء الأول)
الآية 1
(يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)
نداء الإيمان
تحدث الشيخ أولًا عن افتتاح السورة بنداء الإيمان وهو إما للأمر بالخير أو النهي عن شر وأن إجابة ذلك النداء من مقتضيات الإيمان.
معنى التقدم
- ثم يتحدث الشيخ عن معنى النهي عن التقدم ويبين أنه النهي عن سبق النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل، أو أن المعنى لا تقدموا شيئًا بين يدي الله ورسوله، ثم يتحدث عن بعض الأمثلة على ذلك كتقدم رمضان بصوم يوم أو اثنين فكأنه بدأ بالصوم قبل أن يحين وقته فكأنه تقدم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
البدع وأنواعها وطرقها
- ثم يتحدث الشيخ عن أن من الأشياء التي تدخل ضمن التقدم البدع بأنواعها بل هي من أشد التقدم، فحقيقة حال المبتدع كأنه يستدرك على الرسول ما فاته، أو يستدرك على الشريعة التي كملت كما ذكر الله تعالى.
- فإذا كان فعل المبتدع كمالًا في الدين فالدين قد كمل في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي){3-المائدة}، وإذا كان أنها تتضمن الطعن في الدين لذلك وصفها الشيخ بأنها أشد أنواع التقدم.
- ثم يتحدث الشيخ عن أنواع البدع فيقول: والبدعة أنواع كثيرة بدع في العقيدة وبدع في الأقوال وبدع في الأفعال.
- ثم يتكلم عن بدع العقيدة وأنها تأتي من طريقين: التمثيل والتعطيل.
- التمثيل هو إثبات صفات الله تعالى و تمثيلها بصفات المخلوقين، والتعطيل هو إنكار ما وصف به الله تعالى نفسه إنكار تأويل كتأويل اليدين المبسوطتين بالنعمة، أما إذا كان إنكاره إنكار جحود فهو كفر
- ثم بعد ذلك يتحدث الشيخ عن بدع الأقوال كابتداع ذكر او أدعية لم توردها السنة الشريفة.
- ثم يتكلم عن بدع الأفعال ويمثل لها ومن الأمثلة التي ذكرها على بدع الأفعال التصفيق عند الذكر وهز الرأس عند التلاوة بقصد التعبد والتمسح بالكعبة بغير الحجر الأسود والركن اليماني والتمسح بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وحجرة قبره الشريف ومنبره وجدران مقبرة البقيع.
- ثم يصدر الشيخ حكمه العام على تلك البدع بوصفها أنها من التقدم بين يدي الله ورسوله ويواصل بعد ذلك ذكر أمثلة أخرى على البدع.
التقوى
- يواصل الشيخ تفسيره للآية الأولى بحديثه عن قوله تعالى: (واتقوا الله).
- ويذكر أن معناها اتخذوا وقاية من عذاب الله ويذكر أن طريق تحقق التقوى هو فعل الأوامر واجتناب النواهي.
- ثم يتحدث عن نوع من الناس يتكبرون عند نصحهم بالتقوى وينكر عليهم ذلك بقوله أن الله تعالى قد أمر من هو أشرف منهم وأشرف الخلق أجمعين بالتقوى فقال له: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين){1-الأحزاب} إلى غير تلك الآيات.
- ثم يتحدث عن أن ترك التقوى قد يكون كفرًا وقد يكون دون ذلك، اعتمادًا على أن التقوى هي فعل الأوامر واجتناب النواهي.
- فترك الصلاة من ترك التقوى الذي يعد كفرًا لأن تارك الصلاة كافر.
- وهكذا يواصل ضرب الأمثلة مريدًا أن التقوى هي معنىً شامل لكل الشريعة الإسلامية.
إن الله سميع عليم
- ذكر العلامة ابن عثيمين أن هذه الجملة جاءت للتحذير من الوقوع في التقدم المذكور فقال أن الله سميع لما تقولون عليم بما تقولون وما تفعلون.
- ثم ذكر كون العلم أشمل وأعم من السمع لأن السمع متعلق بالمسموع والعلم يتعلق بالمسموع وغيره.
- ثم ذكر أن السمع الذي اتصف الله به سمع إدراك وسمع إجابة.
- فسمع الإدراك قد يراد به بيان الإحاطة والشمول كهذه الآية أو التهديد كقوله تعالى:(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء){181-آل عمران}، أو التأييد كقول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى){46-طه}.
- أما سمع الإجابة فهو استجابة الله لمن دعاه.
- أما قول الله (عليم) فمعناه أنه ذا علم واسع وعند الإيمان بكون الله تعالى سميعًا عليمًا فعند ذلك يستتبع الأوامر وتجتنب النواهي.
الآية 2
يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
- يتحدث الشيخ عن العلاقة بين الآيتين الأولى والثانية أن الأولى فيها النهي عن التقدم والانية نهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.
- فيكن نداء النبي صلى الله عليه وسلم نداء تشريف وتعظيم كذلك يجب عليكم إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لكم.
- كذلك لا تنادونه باسمه المجرد ولكن قولوا يا رسول الله يا نبي الله.
- ذكر الشيخ أن الآية دليل على أن من يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم قد يحبط عمله وهو لا يشعر.
- وذكر الشيخ أنه لما نزلت الآية كان ثابت بن قيس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم جهوري الصوت فلما نزلت الآية جلس في بيت حزينًا وتغيب، فطيب النبي صلى الله عليه وسلم خاطره وأخبره أنه من أهل الجنة.
الآية 3
يقول تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر كريم).
- يقول الشيخ لما نهى الله عن رفع الصوت على نبيه وحذر من عاقبة ذلك أثنى على من يغضون أصواتهم عنده أي يخفضونها ويتكلمون بأدب عنده.
- ثم ذكر السر في استعمال اسم الإشارة (أولئك) هو للتعظيم من شأن هؤلاء فهو يدل على البعد أي بعد المنزلة وعلوها.
- ثم ذكر الشيخ معنى الامتحان للتقوى أي أخلصها الله للتقوى فامتلأت بها.
- ثم أخبر الله تعالى عن ثوابهم وهو مغفرة لذنوبهم وأجر على أعمالهم الصالحة.
- وفيه إشارة إلى أن التقوى محلها القلب.
الآية 4
يقول تعالى (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون).
- ذكر الشيخ أن تلك الآية تشير إلى القوم الجفاة الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وجعلوا ينادون الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء حجرات نسائه حتى يخرج إليهم.
- وفي هؤلاء قال الله تعالى: (أكثرهم لا يعقلون) أي ليس عندهم عقل للرشد.
أنواع العقل
- ثم يذكر الشيخ أن للعقل أنواعًا: عقل رشد وعقل تكليف.
- فأما عقل الرشد فهو ضد السفه وهو المشترط في التصرف في المال.
- وأما عقل التكليف فهو ضد الجنون وهو المشترط في التكاليف.
- ثم يذكر أن قوله تعالى (أكثرهم) يدل على أن بعضهم كان متأدبًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع صوته عليه.
الآية 5
يقول تعالى (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم والله غفور رحيم).
- أي لو أنهم صبروا لكان ذلك خير ضصا لهم لانهم هكذا سيلتزمون الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وفي نفس الوقت ستضئ حاجتهم.
- وقوله تعالى (والله غفور رحيم) إشارة إلى أن الله تعالى غفر لهم ورحمهم وهذا من كرمه فالله تعالى يغفر ما دون الشرك والمشرك لو تاب فالله تعالى يغفر له لأن الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها.
الآية 6
يقول الله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
- ذكر الشيخ أن الفاسق هو من انحرف في دينه وعقيدته ومروءته وضد الفاسق العدل وهو من استقام في دينه ومروءته.
- والمعنى كما ذكر الشيخ انه إن جاءنا فاسق في دينه ولكنه لم يصل إلى حد الكفر فهو ليس بعدل وذكر الشيخ بعض صفات الفاسق.
صفات الفاسق عند ابن عثيمين
ذكر الشيخ ابن عثيمين بعض صفات الفاسق وإن كان قد اختلف معه بعض العلماء في بعض هذه الصفات ومنها:
- لا يبالي بنفسه يمشي بين الناس مشية الهوجاء.
- يتحدث برفع صوت.
- يأتي بأغراض بيته ويطوف بها في الأسواق.
- الحالق لحيته ل مخالفته قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعفوا اللحى).
- فهذا عند ابن عثيمين لا نأخذ بخبره ولا نرده بل نتبين وهذا التباين واجب قراءة (فتثبتوا).
- ثم ذكر فائدة حبره أنه يدفعنا للتساؤل وذكر أمثلةً على ذلك.
- ثم ذكر الحكمة من التثبت من خبر الفاسق وهي حتى لا يدفعنا خبره إلى إصدار حكم خاطيء نندم عليه، كذلك قد ينتشر خبره الخاطيء في المجالس وهذا من باب التحذير من النميمة، وذكر أحاديثًا على التحذير من النميمة.
- وذكر أن من هذا النوع الفتاوى المنسوبة إلى العلماء التي لم يتكلموا بها لهذا يجب التثبت من هذه الأخبار خاصةً في عصرنا عصر الإشاعات.
الآية 7
يقول تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون).
- ذكر الشيخ أن سبب ما سبق هو ورود أخبار عن قوم بما ليس فيهم للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره الله تعالى بالتثبت والتأكد من الخبر وكان بعض الصحابة قد أراد ان يعاقب هؤلاء القوم اعتمادًا على ذلك الخب ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل بعد نزول هذه الآية.
- ثم ذكر معنى الآية أنه لو أطاعكم في كثير من الأمر لشق عليكم ما تطلبونه منه صلى الله عليه وسلم ومن ذلك طلب الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم لن يقوم بهم الليل كله فلم يوافقهم على طلبهم لما فيه من مشقة عليهم، وذكر الشيخ أمثلةً أخرى على ذلك.
- ولكنه حتى لو خالفكم فالله تعالى حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم بحيث تقدمون طاعته صلى الله عليه وسلم على ما يخالفكم فيه.
- ثم ذكر أن الله حبب إليكم الإيمان وزينه أي جعلكم تقومون به وتستمرون على عمله بلا انقطاع فثبت تلك المحبة في قلوبكم.
- ثم ذكر أنه كره إليكم الكفر الذي هو ضد الإيمان والفسوق الذي هو ضد الاستقامة والعصيان الذي هو ضد الإذعان وفي هذا تدرج من الأعلى إلى ما هو دونه، ثم تكلم الشيخ عن أمثلة لكل منها فالكفر في أحكام المرتد والفسوق كارتكاب الكبيرة والعصيان ارتكاب الصغائر.
- ثم أن هؤلاء الذين حبب الله الإيمان لديهم هم الذين سلكوا طريق الرشد وهو حسن التصرف، ويكون في المال والدين.
الآية 8
يقول تعالى:( فضلًا من الله ونعمةً والله عليم حكيم).
- يعني أن الله تعالى أفضل عليكم بقضله لا بكسبكم فمن علم الله منه حسن النية وحسن القصد وحسن الإخلاص حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه.
- وذكر أن النعمة في الدنيا وفي الآخرة والتي في الدنيا متاحة لكل البشر أما التي في الآخرة فليست إلا للمؤمن، والمؤمن يحصل على النعمتين حتى وإن كان فقيرًا أو مريضًا أو غير ذلك فهو في نعمة.
- والله تعالى يعلم السر وأخفى فهو العليم، أما الحكيم أي أنه ذو حكمة بالغة فجميع ما يحكم به موافق ومطابق للمصالح.
كان ذلك الجزء الأول من تفسير سورة الحجرات مع بعض الفوائد المستفادة من هذا الجزء من سورة الحجرات. تابعونا على الموسوعة ليصلكم الجزء الثاني من تفسير الإمام ابن عثيمين لآيات القرآن الكريم من سورة الحجرات.
المصدر:
تفسير القرآن الكريم للشيخ ابن عثيمين (بتصرف).



