المحتوى:
لماذا لا نرى العنف النفسي بوضوح؟
التجاهل
اللوم الدائم
رفض الابتهاج
التبسيط إلى حد التسطيح
لأنه من الممكن، بل والشائع في الكثير من المجتمعات، أن يجتمع الحب والأذى معًا في علاقة واحدة، تطل علينا مسلسلات رمضان عامًا بعد عامًا وبها مجموعة من أشكال عنف العلاقات؛ العنف النفسي منها والعاطفي، والقاسم المشترك بين النوعين هو أنهم من أنواع العنف غير المرئي.
مع بدء المارثون الدرامي المرتقب في رمضان، اهتم المشاهدون بمتابعة الكابلز/ الثنائيات في مختلف المسلسلات، وبتحليل طبيعة علاقتهم، حيث تماهوا مع بعض الشخصيات واستطاعوا خلق رابط إنساني يمكِّنهم من التعاطف معهم في بعض الأحيان، والغضب من أفعالهم في أحيان أخرى.
ومن أكثر الثنائيات التي تعاطى معاها الجمهور، ثنائية “هنا”/ منى زكي و”حازم”/ محمد ممدوح، في مسلسل “لعبة نيوتن”. فمن خلال بضعة مشاهد تجمعهم في مراحل مختلفة من علاقتهم، تمكّنوا من جذب انتباه المشاهد وكشفوا له جوانب من علاقتهم غير المستقرة، بعيدًا عن أجواء المسلسل المشوّقة والخط الأبرز به: سفر “هنا” لأمريكا ومحاولتها للاستقرار ومن ثم الولادة هناك.
لماذا لا نرى العنف النفسي بوضوح؟
وبطبيعة الحال، كما أعتدنا مؤخرًا، بدأت النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي حول أبرز أحداث مسلسلات الشهر الكريم، وكان للعنف الأسري والابتزاز العاطفي نصيب الأسد من تلك المناقشات، سواء حول “حازم”/ محمد ممدوح، الذي وصفه البعض بالشريك المؤذي واكتفى البعض الآخر بوصفه كشريك يبالغ في خوفه على شريكته، أو حول “عابد”/ خالد الصاوي في مسلسل “اللي مالوش كبير”، الذي أعتاد الاعتداء جسديًا على زوجته.
والمفارقة هنا أن مشاهد “عابد” العنيفة ضد زوجته “غزل”/ ياسمين عبد العزيز، نجحت في تحريك أول بلاغ رسمي من برلماني إلى النيابة العامة، ينتقد استمرار العنف ضد المرأة في مسلسل “اللي مالوش كبير”، ولكن في الوقت نفسه، لم تثر مشاهد العنف النفسي في مسلسل “لعبة نيوتن” حنق الكثيرين. ومن هنا يتبلور السؤال؛ كيف يصبح العنف في بعض الأحيان غير مرئي؟
تٌجيب “ن. ح”، 31 سنة – مترجمة، واصفة العنف غير المرئي بـ “العنف اللي ماتعرفيش تمسكيه ويخلّيكي تشكّي في نفسك وتفكَّري مرَّة واتنين.. هو ده بجد عنف ولا أنا أوفر؟!”. في الأوساط العلمية، تضاربت تعريفات العلماء فيما يخص العنف النفسي. ولكن استقر جمهور العلماء على وصفه بالإساءات الإنفعالية ذات الصيغة العاطفية وليست الجسدية، مثل التجاهل والتلاعب والترهيب واللوم وحتّى رفض الابتهاج.
حب المراهقات والتحديات اللاتي يواجهن مع قيود المجتمع الذكوري، ودور الأهل في تقوميهن واحترام مشاعرهن
اقرأي المزيد ..
التجاهل
على مدار أكثر من ثلاث حلقات متتالية، رفضت “هنا” استقبال مكالمات “حازم” أو الرد على رسائله سواء ليطمئن عليها أو على جنينها، ومن هنا نتطرق لاستخدام التجاهل كعقاب في أحد أبرز أشكال العنف النفسي.
للتجاهل المتعمد أسباب عدة، فقد يكون نوع للعقاب، أو نتيجة للشعور بفقدان العاطفة تجاه شريكك، أو سببه -على عكس المتوقع- الرغبة في جذب المزيد من انتباه واهتمام الطرف الآخر. ولكن في حالة “ر.ع”، 26 سنة – مصوَّرة فيديو – فجاء نتيجة لـ “تكبير الدماغ” ورغبةً في خلق مساحة فاصلة بين الشريكين.
“بقيت بلاقي نفسي متضايقة وأنا مش فاهمة ليه، لكن عشان أقول إن ده بسبب التجاهل، وأحدد المشكلة فين، الموضوع أخد سنة كاملة.” في بداية العلاقة، لم تتخيل “ر. ع” أن تصل حياتها العاطفية مع شريكها إلى هذا الحد من التجاهل، المُتعمَّد في رأيها وغير المُتعمَّد في رواية زوجها.
التجاهل يجعل الحياة فاترة على مختلف الأصعدة، أو كما تصفها “ر. ع”؛ “عملت زي ماعملتش.“
وكمحطة أخيرة يلجئ لها البعض في رحلة الخلافات الزوجية، تأتي مرحلة الاستشارات الأسرية، ولكن في حالات العنف غير المرئي يصبح شرح الموقف أصعب “لمَّا فشلت في التفاهم معاه والموضوع وصل للعائلتين، ماحدش كان فاهم أنا متضايقة وبتخانق ليه؟ ماحدش كان شايف التجاهل مشكلة أصلًا ومحتاجة حل.”
اللوم الدائم
علاقة “هنا” و”حازم” لم تبخل علينا بالعديد من مشاهد إلقاء اللوم على طرف بعينه دون الآخر، بدايةً من وصف حازم لهنا بإنها ضمن “الستات الخايبة” كطريقة سلبية للتحفيز، وصولًا لقرار إنفصالهم نرى كلا الطرفين يلوم الآخر فقط دون النظر إلى أخطاءه.
تشير الدراسات إلى أن اللوم قد يكون نتيجة للبحث الدائم عن الكمال وعما ينقص الشخص في شريكه وفي حياته، يصف “م. إ”، 26 سنة – مهندس، “هو شعور مصاحبك 24 ساعة إنك مش كفاية، ومهما فكَّرت في الحاجة قبل ما تقولها أو تعملها برضه هتبقى فيها حاجة ناقصة. مش غلط، لأ ناقصة وكان ممكن تبقى أحسن.” الباحث عن الكمال هو في سباق دائم مع نفسه ومع الآخرين، وعلى الرغم من أنها سمة إيجابية في الأساس، إلا أن الارتباط بشخص يبحث عن الكمال ويرفض ما دون ذلك، أمر مرهق.
المثالية أو البحث عن الكمال سمة تدفع أصحابها إلى السعي لتحقيق مُثُل أو أهداف غير واقعية، وتوقعها من الآخرين أيضًا، الأمر الذي ينتج عنه العديد من المشاكل والاضطرابات النفسية كالاكتئاب وتدني تقدير الذات وتقدير الآخر.
“التشجيع بيحفّزني أكتر من اللوم، عشان كده شهور العلاقة الأولى كانت كابوسية لإن مافيهاش غير لوم. والموضوع ماقلّش واتوازن غير بإستشارة خبيرة علاقات.”
من اللوم الدائم والتحفيز السلبي كحجر أساس في علاقات العنف غير المرئي، نتطرق إلى رفض الابتهاج.
قلق العلاقات العاطفية المعروف بـ Relationship Anxiety..
اقرأي المزيد ..
رفض الابتهاج
من خلال البحث بكلمة “رفض الابتهاج” على جوجل، ستجد أغلب النتائج على متصفح البحث تربط المصطلح بمرض الاكتئاب. هل يمكننا استنتاج أن الشركاء رافضي الابتهاج مصابون بالاكتئاب؟
لـ “س. خ”، 28 سنة – طبيبة نفسية، وجهة نظر أخرى بناءً على تجربة شخصية وليس خبرة عملية، “من واقع خبرتي الاتنين مش مرتبطين، ممكن يبقى شريكك بيعمل كل الأنشطة الاجتماعية عادي بس مصمم ماتبقاش معاكي، ولو طلبتي تعملوا الأنشطة دي لوحدكم يا هيرفض يا هيماطل.”
أشكال الإساءة وسوء المعاملة المختلفة قد تسبب للبعض صدمات نفسية، منها القلق، أو الاكتئاب المزمن أو اضطراب كرب ما بعد الصدمة أو يكون سبباً في تعريضه لذلك. ولكن في حالة العنف النفسي تظهر الآثار على فترات زمنية أطول وبشكل تدريجي، مما يجعل الشريك المُعنَّف في حيرة من أمره، هل هذه طبيعته أم آثار ارتباطه بشريك عنيف؟
“العنف في حالتي كان واضح ليّا، بس اللي خلّاني أكمِّل إن شريكي والمحيطين كانوا شايفين الموضوع اختلاف طباع ومش المفروض يأثر عليا أصلًا. فـ بدأت ألوم نفسي كل ما أتضايق، وأحس إن أنا اللي طلباتي كتير
وشخص صعب إرضاءه”.
التبسيط إلى حد التسطيح
مع تزايد الغضب في أعقاب الحوادث المتكررة للعنف ضد المرأة، تبنى البعض نظريات قطبية، سحطية، فيما يخص العنف النفسي خاصة في العلاقات العاطفية، فالشركاء إما أخيار وضحايا، إما أشرار ومعنّفون. ولكن، على الجانب المشرق، خرجت العديد من مسلسلات رمضان 2021 لتغرد خارج سردية الضحية والشرير، لتقدم لنا شخصيات تميل للواقعية وتتدرَّج أفعالها بين الخير والشر مع التركيز على رمادية انفعالاتهم وحياتهم.
إذا كنتي أحد طرفي علاقة عنف نفسي، ننصحك بقراءة الموضوع التالي للتعرفي على المزيد حول العلاقات المؤذية:
لا تجعلي حياتك تضيع بوجود هذه العلامات المدمرة
اقرأي المزيد ..
تصرفات مؤذية لازم تقفي عندها.
اقرأي المزيد ..
كتابة: نور صلاح نصر