يستغرب بعض الناس فكرة تخصيص يوم أو حتى بضع ساعات لترتيب الفوضى وإعادة التنظيم والتركيز قبل الشروع في العمل أو المشروع؛ حيث يعتقد الكثيرون بأنَّه لا مبرر للغياب عن العمل للقيام بما نَعدُّه عديم القيمة أو روتينياً.
وفي هذا السياق ربما تتذكَّر مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لينكولن (Abraham Lincoln): “إذا كان لدي ثماني ساعات لقطع شجرة، فسوف أقضي أول سبع ساعات في شحذ المنشار”، يرى الكثير منا الشجرة ويبدأ بقطعها؛ لكن يستغرق هذا وقتاً أطول، ويجعل الأعمال الروتينية أصعب، ونشعر بأنَّنا لم نقطع الشجرة كما ينبغي.
تتزاحم المهام والأهداف في وظائفنا، وهذا أمر لا مفرَّ منه، وينطبق الأمر نفسه على حياتنا الشخصية، ولم يَعُد في الإمكان إيجاد التوازن بين العمل والحياة، فقد سيطرت متطلبات الحياة علينا؛ لذا إن أردنا النجاح في كل ذلك، علينا التعامل تعاملاً مختلفاً مع ما علينا فعلُه لتقديم أفضل ما لدينا؛ وأحياناً يتطلَّب الأمر السماح لأنفسنا بالتوقُّف وشحذ المنشار.
ماذا يحدث عندما نتوقَّف ونخصِّص وقتاً للتركيز وتنظيم كلٍّ من مساحاتنا وأذهاننا؟ عندما نبتعد بوعي عن أمورنا المعتادة للتنسيق والتنظيم، سينعكس ذلك علينا إيجاباً من الناحية النفسية والجسدية، فمن خلال التخلُّص من الفوضى، أو إعادة تنظيم مهمَّة مرهِقة أو إنهائها، فإنَّنا نتخلَّص من الإجهاد الناجم عن هرمون (التوتر) الكورتيزول الذي تسبِّبه لنا هذه الأشياء، وهكذا نشعر أنَّ الأعباء قد أُلقيت عن كاهلنا ونحسُّ براحة أكبر.
فضلاً عن ذلك، يتيح لك نسيان الارتباطات البعيدة عنك التي تجعل ذهنك يشرد في مكان آخر تركيزَ طاقتك على المهام والإجراءات اللازمة للارتقاء على المستوى الشخصي والمهني، ويمكن أن تكون هذه الارتباطات خاصة بك كتنظيف منزلك، أو خاصة بالآخرين كمساعدة أحد المقربين أو وضعِ قائمة مهام جديدة لإنجاز مشروع ما أو جمعِ ملابس أطفالك القديمة والتبرُّع بها أو حتى تنظيم ذهنك عن طريق التأمُّل.
أياً كانت “الفوضى” الخاصة بك، فهي حقيقية، وتحتاج منك إلى تخصيص بعض الوقت للسيطرة عليها؛ ولكن يمثِّل هذا الأمر صعوبة بالنسبة إليك؛ لذا خصِّص يوماً واحداً كلَّ شهر لمعالجة أية مهمَّة يجب القيام بها كي تنعم بالتركيز والهدوء والوضوح والتنظيم، سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي أم المهني، خصِّص يوماً واحداً فقط طلباً للشعور بالإنجاز والراحة وحتى السيطرة.
قد يجد بعض الأشخاص صعوبة في ذلك نتيجة وجود الكثير من الأمور التي يجب عليهم فعلها وضرورة وجودهم في العمل؛ لكنَّ الغرض من إيجاد وقت للتنظيم وإعادة ترتيب الأولويات ليس إجهادك بل التخفيف من حدة التوتر لديك، وهذا أمر لن تندم على تخصيص يوم من أجله، وستجد الحرية عند منحِ نفسك الأولوية؛ وذلك لأنَّك ستستأنف العمل بنشاط وفي وقت قصير، فعند التخلُّص من الفوضى وشحذِ طاقتك، ستكون في النهاية قادراً على مساعدة الآخرين بمجرد أن تستلم زمام الأمور.
إنَّ أخذ يوم إجازة واحد في الشهر، أو حتى تخصيص بضع ساعات منه لإكمال المهام الضرورية وغير المستعجَلة أمر بالغ الأهمية في الرعاية الذاتية؛ كما تدعم الكثير من الأبحاث فائدة التخلُّص من الفوضى والراحة التي يمنحك إيَّاها التنظيم لصحَّتك.
لا تقلق فلن ينتقد أحد الفوضى الموجودة لديك أيَّاً كان شكلها، ولا حاجة بك إلى إخبار الآخرين بها؛ فما يهم حقاً هو إدراك وجود الفوضى في حياتك، وسيعود التخلُّص منها عليك وعلى مَن حولك بالفائدة.
المصدر