يعتمد ذلك على قدرة العلماء في التوصل لتقنية مناسبة لاستخلاص غاز الميثان المفيد، (وهو المكون الرئيسي للغاز الطبيعي) في هيدرات الغاز في تشكيلات تتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة. ويجري العلماء حالياً في جميع أنحاء العالم أبحاثاً على هيدرات الغاز من أجل فهم خصائصها، وكيف يمكن استخدامها كمصدر بديل للطاقة لتحل مكان الفحم والنفط والغاز الطبيعي التقليدي الذي يعاني أيضاً نقصاً في إمداداته، إضافة إلى تسبب حرقه في نفث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، مسبباً وضعاً أسوأ لظاهرة الاحتباس الحراري. وهيدرات الغاز تعتبر عنصراً واعداً للمساعدة في مكافحة الاحترار العالمي من خلال نفث كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنةً بغيرها من أنواع الوقود الأحفوري.
ما هي هيدرات الغاز (Gas Hydrates)؟
“هيدرات الكلاثيرات” (Clatherate Hydrates) أو “كلاثيرات الغاز” (Gas Clatherates)، أو “هيدرات الغاز” (Gas Hydrates)، أو هيدرات الخ، ومعروفةٌ كذلك باسم “الجليد الحارق” هي مادة صلبة شبيهة بالجليد، ومركب متشكل من ارتباط جزيئات الماء والغاز الطبيعي. وهي مواد صلبة بلورية مائية، فيزيائياً تشبه الجليد، وفيها جزيئات صغيرة غير قطبية (عادة من الغازات)، محتجزة داخل “أقفاص” من جزيئات الماء المترابطة هيدروجيناً مع جزيئات الماء. من دون دعم الجزيئات المحتجزة، يمكن للتركيبة الشعيرية لهيدرات الكلاثيرات التحلل إلى بنية كريستالية تقليدية للجليد أو الماء السائل. معظم الغازات منخفضة الوزن الجزيئي (بما فيها: O2، وKr، وXe، وH2S، وCH4، وCO2، وN2، وH2، وXe)، فضلاً عن بعض المواد الهيدروكربونية الأعلى والقيرونات ستشكل هيدرات في درجات حرارة وضغط جوي مناسب. تكون وتحلل هيدرات الغاز هي مرحلة انتقالية من الدرجة الأولى، وليس تفاعلات كيميائية كما أنَّ الميكانيكية التفصيلية لعملية التكون والتحلل على المستوى الجزيئي لا تزال غير مفهومة بشكل تام.
للوهلة الأولى، من حيث الشكل العام، تبدو مثل كرات ثلجية من حيث اللون والتكوين والبرودة، لكن بارتفاع درجة حرارة المحيط، وانخفاض الضغط بمقدار محدد، تشتعل الهيدرات وتعطي ماء وغاز الميثان (CH4) -الغاز الطبيعي المعروف منذ القدم- محتجز ضمن “تركيبة كريستالية” (Crystal Structure) من الماء والمادة العضوية. كما أسفلنا فإن “هيدرات الغاز” (كلاثيرات الميثان، أو هيدرات الميثان، أو ثلج المثيان) وهو الشكل الصلب من الماء الذي يحتوي على كمية كبيرة من غاز الميثان داخل تركيبة كرستالية. وتتشكل تحت درجات حرارة منخفضة وضغوط عالية في قاع المحيط، وعادةً ما يتم ذلك على أعماق تزيد على 500 متر، وتقع أساساً داخل الركام البحري على امتداد الجرف القاري، وكذلك في بقاع دائمة التجمد في المنطقة القطبية الشمالية، كان يعتقد في ما سبق أنها تتشكل في المناطق الخارجية من المجموعة الشمسية، حيث درجات الحرارة المنخفضة والمياه المتجمدة هي ظاهرة شائعة.
المخزون العالمي من الثلج الملتهب:
من الصعب جداً معرفة أماكن وجود الهيدرات، ولا سيما معرفة كمياتها جراء وجودها في أعماق سحيقة.
والطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هي الحفر، لكن عمل الحفارات محفوف بالمخاطر الكبيرة، لأن الهيدرات في باطن الأرض خاضعة لضغط شديد، والحفر عليها وزوال الضغط عنها قد يؤدي إلى انفجارها.
كما أنه من المعروف أن ثلاثاً وعشرين في المائة من سطح الأرض بقاع دائمة التجمد وهناك إمكانية تواجد هيدرات الغاز تحت سطحها، مما يدعو الباحثين للاعتقاد بأن حجم احتياطي الهيدرات المتجمدة المحتملة لأن تستغل كوقود يفوق بكثير مصادر الغاز التقليدي إلى حدٍّ كبيرٍ ولمرات عدة.
من جانب آخر، تتوقع وكالة المسح الجيولوجية الأميركية (United States Geological Survey) أن يبلغ المخزون العالمي لغاز الميثان الناتج من هيدرات الغاز على الأقل 1041 x غيغا طن من الكربون (في تقدير متحفظ للغاية)، لكنهم يتعدون ذلك بالذكر إلى أن كل قدم مكعبة من الهيدرات الصلبة تطلق 160 قدم مكعبة (4.5 أمتار مكعب) من الغاز الطبيعي، هذا تقريباً يساوي نحو ضعف كمية الكربون الداخل في تركيبة إجمالي كل أنواع الوقود الأحفوري المتوافر على سطح الأرض.
اهتمام عالمي:
اكتشفت هيدرات الغاز في عام 1810 من قبل السير همفري ديفي، واعتبرت آنذاك بمنزلة فضول وعبث مختبري وفي سنة 1930 ظهرت الهيدرات كمشكلة كبرى عندما اتضح أنها تساهم في انسداد أنابيب نقل الغاز في ظل الظروف الباردة. ولقد أبدى العلماء اهتماماً بهيدرات الغاز لأول مرة في عام 1982 عندما اكتشفت خلال مشروع الحفر في أعماق البحار قبالة ساحل المحيط الهادئ في غواتيمالا، وتم استخراج عينات أجريت عليها الدراسة والبحث وبمجرد انتشار الخبر عن خواص هذه المادة المتجمدة الحارقة، انطلقت العديد من الدراسات لتعلن بداية سباق للوصول لمصادر وقود بديلة.
وفي السنوات القليلة الماضية، العديد من الحكومات (بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وروسيا والهند واليابان) أصبحت مهتمة جداً بامكانات هيدرات الميثان كنوع من أنواع الوقود الأحفوري.
بعدها انضم باحثو المختبر الوطني في شمال غرب المحيط الهادئ في جهد تعاوني في مجال الطاقة مع كبار العلماء في جميع أنحاء العالم لمتابعة احتياطي واسع النطاق، في حد ذاته، يمكنه في حد ذاته، إمداد أميركا بالطاقة لقرن قادم.
المادة الشبيهة بالجليد هيدرات الغاز المحاصرة داخل الصخور العميقة تحت سطح الأرض يمكن أن تبشر بالخير بالنسبة لموارد جديدة للطاقة.
أما اليوم فيجد الباحثون مخزوناً هائلاً من هيدرات الغاز في جميع أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة، والهند، واليابان. بالاضافة إلى آلاسكا، تملك الولايات المتحدة ودائع واسعة من هيدرات الغاز في خليج المكسيك وقبالة الساحل الشرقي. تلقى اليوم بحوث هيدرات الغاز اهتماماً متزايداً في جميع أنحاء العالم فاليابان والهند لديهما حالياً برامج بحثية كبرى تعد من أكبر البرامج البحثية في هذا المجال في العالم، ومعظمها مدعومة بتمويل جيد.
واستناداً لميثاق بحث وتطوير هيدرات الميثان لعام 2000، فان حكومة الولايات المتحدة قد انفقت عدة ملايين من الدولارات، وبالتعاون مع الجهات والشركات الخاصة، للتحقق من إمكانية استغلال هيدرات الغاز كمصدر بديل للطاقة. والعلماء بشكل خاص متفائلون بشأن المخزونات الهائلة من هيدرات الغاز الموجودة في آلاسكا وفي خليج المكسيك. كما أنّ الأبحاث تجرى بشكلٍ متسارعٍ من قبل وزارة الطاقة الأميركية، وهيئة المسح الجيولوجي الأميركي للوصول لفهم أفضل لهيدرات الغاز ودورها في البيئة الطبيعية وتغير المناخ.
البرنامج الوطني الياباني الواعد في بحوث هيدرات الغاز، تمتلك اليابان واحدة من أكبر البرامج البحثية العالمية في مجال هيدرات الغاز، والبحث جار على قدم وساق من أجل استغلال الهيدرات باعتبارها مصدراً مهماً من مصادر الطاقة.
كندا كذلك شاركت في بحوث هيدرات الغاز منذ 1970 وتلعب الآن دوراً رائداً في تكنولوجيا إنتاج هيدرات الغاز، ويسعى فريق العلماء من معهد الأبحاث البحرية الألمانية «جيومار» في مدينة كيل (شمال) إلى استخراج الثلج الملتهب من تحت قاع البحر قبل أن يحترق كي يسخروا الطاقة الصادرة عنه في إنتاج الكهرباء والحرارة. وسبق للعلماء الألمان أن عثروا على هيدرات الميثان بكميات هائلة تحت قاع البحر، على عمق 300 متر، قرب سواحل البرازيل والصين واليابان وكوريا والهند. كما كشف المعهد لاحقاً عن «خزين» كبير من الثلج الملتهب قرب سواحل بريطانيا والنرويج وتحت الجليد الأزلي في القطبين.
دورها في التغير المناخي:
يرى بعض المهتمين بهيدرات الغاز أن هذا المخزون قد لعب دوراً مهماً في تغير المناخ العالمي القديم. فظاهرة الانبعاث الطبيعي لغاز الميثان ساعد بدوره إلى تبني الكثيرين لنظريات تؤكد أن هذه الظاهرة تسببت في إنهاء العصر الجليدي الأخير. فهم يعتقدون أنَّ الزلازل أو التآكل أدت إلى انبعاث غاز الميثان من خلال جيوب كبيرة تحت سطح الأرض إلى الغلاف الجوي للأرض، مما سبب تغيراً كبيراً في درجات الحرارة العالمية. فغاز الميثان يمتاز بفعالية تقدر بـ 20 مرة أكبر اذا قورن بغاز ثاني أكسيد الكربون كنوع من الغازات الدفيئة (Greenhouse gas).
وهيدرات الغاز قد تحتوي على ثلاثة أضعاف تركيز غاز الميثان، مما هو موجود في الغلاف الجوي اليوم. إن تغيرات الضغط ودرجات الحرارة في الأعماق، وتذبذب مستوى سطح البحر، والحركات الطبيعية في قاع المحيط قد تحرر غاز الميثان إلى الجو، مما قد يؤدي إلى تغيرات كبيرة على المدى الطويل في درجات الحرارة العالمية.
وفي المقابل، يتوقع العلماء أنَّ الاحترار العالمي قد يرفع درجة حرارة مياه المحيطات بمقدار ما يكفي لإذابة هيدرات الغاز كذلك. وبدوره ايضاً فإنَّ ذوبان هيدرات الغاز قد يتسبب في إحداث تغيرات مناخية عالمية أكبر، والتي تتسبب أيضاً في ذوبان مزيد من الهيدرات، مما يؤدي إلى الإفراج عن مزيد من غاز الميثان في الغلاف الجوي وهكذا… حلقة متصلة لا تنتهي دورتها من الاحترار العالمي!
إن وجود هذا المخزون الضخم من الغاز المسبب للدفيئة والذي يبلغ تأثيره كما أسلفنا عشرين ضعف قوة ثاني أكسيد الفحم لا يبعث أبداً على الارتياح. لأنه اذا حصل انكسار ضعيف في قاع البحر فإنه قد يطلق بقوة في الجو حرارة مرتفعة تؤدي إلى حدوث كارثة. وحسبنا إجراء مقارنة بسيطة لجعلنا نتأكد من ذلك: فالمعروف حالياً أنَّ العالم يطلق سنوياً 7 مليارات طن من غاز الكربون، وهذا كثير جداً ويشكل خطراً، ومع ذلك فهو لا يشكل سوى واحد في الألف من مخزون الكلاترات. وهذه المادة أكثر تهديداً من هيدرات الغاز الأقل استقراراً: ففي الواقع، إن تغيرات بسيطة في ظروف الحرارة والضغط قد تكفي لإطلاق غاز هيدرات الميثان. ويرى باحثون أنَّ ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات بمقدار 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى إطلاق نصف مخزون الميثان! ذلك أنَّ ارتفاع الحرارة يؤدي إلى تفكيك البلورات التي تطلق الميثان، وعلى الفور ترتفع حرارة الجو جراء ذلك وبسرعة، ومسرعة في الوقت نفسه إطلاق الميتان .. إلخ.
من الأعماق البحرية:
في هذا المجال، نشر الباحث الفرنسي دوغاريد في مجلة العلوم الصادرة عن الأكاديمية الوطنية في عام 2004 مقالاً يبين فيه أنَّ تحرر الميثان وانطلاقه من الأعماق البحرية السحيقة ربما لا يصل إلى سطح المياه. فالواقع أنَّ الميثان يتأكسد طبعاً بتماسه مع الماء ويتحول إلى ثاني أكسيد الكربون CO2، ولا شيء يثبت أنَّ هناك فرصة للوصول إلى الجو. لكن هذا الباحث درس بقايا قواقع المنخربات (وهي من وحيدات الخلية)، وتأكد له العثور على الفحم في العضويات الموجودة في قاع البحار وفي وسطه وعلى سطحه. وأساس الميثان يصل إذاً إلى الهواء على الأرجح. بقي القول إن الميتان المتحرر الذي عثر عليه الباحث كينت في خليج سانتا باربارا قد لا يكون سوى ظاهرة محلية نتيجة تسخين متواصل وليس سبباً له. إذاً، ولكي نعرف ما إذا كانت الهيدرات قد أدت دوراً فاعلاً في أجواء الأرض خلال المليون سنة الأخيرة، لا بد من التأكد من أنَّ الأجواء آنذاك كانت غنية بالنظير 12 للكربون – وليس الركام البحري الذي لا يقدم لنا سوى معلومات محلية.
يرى دافيد آرشر أنَّ الهيدرات موجودة منذ نحو مليون سنة، وهذا المخزون لا تطرأ عليه سوى تغيرات قليلة خلال قرن واحد. وفي الواقع يجب أن تبقى هذه الهيدرات حبيسة طبقاتها الركامية، وهذا ما يفرضه العقل. الا إذا ارتأت الدول الصناعية غير ذلك.
مستقبلها كمصدر للطاقة:
عندما تستخرج هيدرات الغاز من قاع المحيط، فإنَّ الفارق الكبير في درجة الحرارة والضغط يسبب انصهار الهيدرات مطلقة غاز الميثان الضار في الغلاف الجوي. هذا الافتقار إلى الاستقرار داخل المركب، يشكل خطراً على كل من البحث العلمي وعلى مناخ الأرض كذلك. وبمجرد الوصول إلى معرفة افضل لكيفية العثور على مخزونات واعدة لهيدرات الغاز، فإننا سنحتاج إلى معرفة كيفية إنتاجها بطريقة آمنة ومجدية تجارياً، يؤكد المشاركون في بحوث الهيدرات. واليوم يعكف العلماء على إيجاد طريقة ذات فعالية أكبر لاستخلاص هيدرات الغاز بطريقة تبقيها مستقرة. فبدلاً من التعدين لاستخراج كتل صلبة من هيدرات الغاز المتجمدة، يتوقع العلماء إمكان الاستفادة من صهر المركب، وهو تحت الماء واستخراج الغاز بطريقة مشابهة لطريقة إنتاج الغاز الطبيعي الآن.
واحدة من أكثر التقنيات الواعدة لاستخراج غاز الميثان من الهيدرات ببساطة تنطوي على تخفيض مقدار الضغط على المخزون. طريقة أخرى تنطوي على تبادل جزيئات الميثان في مركز “الكلاثرات” (clathrate) بجزيئات ثاني أكسيد الكربون، فباستطاعة العاملين، من الناحية النظرية، التنقيب وجمع الغاز باستخدام التكنولوجيا المستخدمة نفسها في التنقيب عن النفط والغاز. وهناك تدخلات تعرفها الشركات النفطية منذ زمن بعيد، يمكن تطبيقها على الركام التقليدي الكامن في أعماق البحار، لكن ذلك يطرح بعض المشاكل.
إنَّ تخفيف الضغط، على سبيل المثال، قد يؤدي إلى تشجيع تحرر غاز الميثان.. والغاز المنطلق في هذه الحالة سيكون بكميات قليلة جداً. أما المشكلة الأخرى الكبرى، فهي وجود فرق كبير بين الميتان المخزن والميتان القابل للاستخراج. وهكذا نجد أنه ليكون الاستخراج مربحاً، يجب وجود مناجم ذات تركيز عال من حيث المخزونات، والواقع أنَّ الهيدرات الموجودة داخل أجواف الركام البحري تشكل شبكة متفاوتة الغنى بالميثان، وحجم هذه المشكلة مرتبط بنوعية الأمكنة. ويعتقد علماء هيئة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة بأنه من المرجح أن لا يشهد العالم إنتاجاً كبيراً من هيدرات الغاز خلال الثلاثين عاماً المقبلة، والمتوقع خلالها أن تحل كل المسائل التقنية العالقة اليوم، لا يوجد حتى الآن معلومات كافية عن هذه الاحتياطيات المتجمدة للأخذ بها كقاعدة للشروع في استغلالها، ولكن مرة أخرى، من المفهوم أنَّ اعتماد مصدر الوقود هذا سيكون مفيداً لدول العالم كافة.
المصدر: القبس