والتربية البيئية تنبع من إعطاء توجه جديد، وترابط لمختلف الاختصاصات والتجارب التربوية القائمة (علوم طبيعية، علوم اجتماعية، فنون وآداب) مما يوفر إدراكاً متكاملاً للبيئة، ويدفع للقيام بالأعمال الرشيدة اللازمة لسد الحاجات الاجتماعية، ومن هنا أمكن اعتبار التربية البيئية عملية يقوم الأفراد والجماعات من خلالها بوعي البيئة وإدراك التفاعل القائم بين مختلف مكوناتها الطبيعية والحياتية والاجتماعية والثقافية، وكذلك تحصيل المعارف والقيم والمهارات والتجارب، والإرادة اللازمة للعمل فردياً وجماعياً على حل مشكلات البيئة الراهنة والمقبلة.
ومن المفروض أن تؤدي هذه التربية إلى تغيير السلوك ليس لدى عامة أفراد الشعب فحسب، وإنما أيضاً لدى المسؤولين الذين يؤثرون بأعمالهم وقراراتهم مباشرة في البيئة، ومن هنا جاء التلاحم بين التربية البيئية وقضايا التخطيط الإنمائي الوطني.
والتربية البيئية، وفقاً لتعريف تبيليسي، ينبغي بسبب طبيعتها، أن تتوجه إلى جميع أفراد المجتمع، وفقاً لطرائق تفي باحتياجات مختلف فئات الأعمار والفئات الاجتماعية المهنية، وتستجيب لمصالحهم واهتماماتهم وحوافزهم. وينبغي أن تخلق لدى الجمهور العام (أطفالاً وناشئين وكباراً) وعياً بالمشكلات الخاصة بالبيئة وتجعله يفهمها فهماً أوضح، وعليها أن تقدم إعداداً مناسباً للمنتمين لبعض الفئات المهنية التي تضطلع بأنشطة ذات تأثير مباشر في البيئة (المهندسين، مخططي المدن، المعماريين، الأطباء، المعلمين، الإداريين، رجال الصناعة، وغيرهم)، وعليها أيضاً أن توفر التدريب المناسب للباحثين وغيرهم من المتخصصين في علوم البيئة. وينبغي أن تكون المضامين والأساليب والمواد التربوية مهيأة بما يتواءم مع احتياجات أولئك الذين يتعلمون.
ولما كان ينبغي لهذه التربية أن تكون مستمرة ومفتوحة للجميع، فيجدر إدخالها في جميع مستويات التعليم المدرسي وغير المدرسي. وينبغي عندئذ تعديل البنى المؤسسية بحيث يتكامل هذان النمطان من التعليم. ولابد كذلك من التنسيق بين جميع الموارد التعليمية في كل مجتمع، بل من تحقيق التكامل بين هذه الموارد.
عندئذ يمكن هذه التربية أن تقوم في درء المشكلات البيئية وحلها، ولكن من الجلي أن الجهد التعليمي لا يمكن أن يؤتي ثماره كلها ما لم تؤخذ أيضاً في الاعتبار عوامل مهمة مختلفة، مثل وضع التشريع الملائم، واتخاذ التدابير الرامية إلى مراقبة حسن تطبيق القوانين، وتأثير وسائل إعلام الجماهير، وغيرها، ذلك أن تأثير هذه العوامل في مجموعها يجب أن يسير في الاتجاه نفسه، وعلى نحو متماسك لكي تسهم إسهاماً فعالاً في تحسين البيئة. ولكن لن يتم ذلك إلا إذ بنيت السياسة الخاصة بذلك على فلسفة للتربية البيئية. فما هي هذه الفلسفة؟
الموسوعة العربية
التربية البيئية