كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

الإنسان كائنٌ اجتماعي بالفطرة، يعيش ضمن عائلة وأقارب وأصدقاء، ويحدث أن يختفي أحدهم في حياتنا فجأة، إمَّا بالموت أو السفر أو الخصومة. وتجربة الفقدان هذه ليست سهلة، بل تُعَدُّ من أقسى التجارب في الحياة؛ لما يترتب عليها من شعور بالألم واليأس والاشتياق. فكيف كيف نتعامل مع الفقدان؟

الحزن في تجارب الفقدان أمرٌ طبيعيٌ، لكنَّ خطورته تكمن في تحوله إلى اكتئاب يُسيطر علينا ويُفقدنا الرغبة بالحياة، ويجعلنا نرفض الاستمرار دون الشخص الذي فقدناه، فنُصاب بالتشويش والضياع والعزلة.

لذا فإنَّه لمن الضروري معرفة كيفية التعامل مع حالة فقد عزيز، والتسلُّح بما يُخفِّف عنا آثار هذا الفقد.

مراحل الحزن الخمس:

تقول إليزابيث كوبلر روس (طبيبة نفسية وكاتبة عملت في مجال الدراسات النفسية) في كتابها “عن الموت والفقد”: إنَّ هنالك خمس مراحل للحزن الذي يُولِّده الفقد، وقد يختلف الناس في حزنهم وردَّات أفعالهم تجاه الفقد؛ فالبعض لا يمرُّ بتلك المراحل بالترتيب، أو يمكن أن يعود لأحد المراحل السابقة قبل أن يصل مرحلة التقبُّل.

1. المرحلة الأولى (الإنكار):

وهو ردُّ الفعل الطبيعي الأول للفقد، إذ لا يُصدِّق الإنسان الفاقد بداية الأمر خسارة الشخص الذي فقده، ويُحاول ألا يعترف بها، ويقول خبراء علم النفس أنَّ الإنسان يلجأ لهذه المرحلة  كنوع من الدفاع، وحماية نفسه من الألم.

2. المرحلة الثانية (الغضب):

يبدأ الإنسان تصديق ما حدث شيئاً فشيئاً، ويشعر أنَّ الفقدان أمر واقع؛ وهنا تنتابه مشاعر الغضب ويبدأ التساؤل “لِمَ هو وليس شخصاً آخر؟”، ” لِمَ أنا؟”. قد يقوم بتوجيه هذا الغضب إلى نفسه؛ لأنَّه يرى نفسه مُقصراً في أمر ما مع من فقده، أو يشعر بالغضب من أحبابه الراحلين أنفسهم؛ لأنَّهم رحلوا وتركوه، أو يغضب من الأطباء؛ لأنَّهم لم يُنقذوا له من فقد، أو حتى قد يشعر بالغضب من “الله تعالى”؛ لأنَّه لم يتدخل ويمنع ما حدث.

3. المرحلة الثالثة (المساومة):

تظهر في هذه المرحلة رغبة بالمساومة لدى الإنسان الفاقد؛ أي محاولة تغيير الوضع، كأن يتمنَّى أنّه لو كان قد فعل كذا أو كذا، لربَّما غيَّر الأمر ولم يحدث ماحدث.

4. المرحلة الرابعة (الاكتئاب):

وهي سيطرة الحزن التامة على الشخص، وتُعَدُّ مرحلة أساسية يجب أن يعيشها الإنسان ولا يكبُتها؛ لأنَّها مهمة للتعافي.

5. المرحلة الخامسة (التقبُّل):

يأتي التقبُّل بعد كل المراحل السابقة من المقاومة للفقد، ونَعدُّها بداية رحلة التعافي من الحزن؛ لأنَّ الإنسان يتقبُّل الخسارة فيها ويتصالح معها، لكن لا يمكن أن نَعدُّ متابعته لحياته “سعادة”، وإنَّما نوع من الرِّضا والهدوء النسبي، ما يعني أنَّ المراحل السابقة قد لا تكون منتهية، وإنَّما هادئة فحسب، وقد تُطلُّ برأسها بين الحين والآخر، لكن حينها الإنسان يكون الإنسان مسيطراً عليها أكثر ممَّا كان عليه الأمر في البدء.

كيف نتعامل مع الفقدان؟

هناك عِدة خطوات ينصح بها خبراء علم النفس للتعامل مع الفقدان وتخفيف آثاره؛ مثل:

1. تقبُّل الحزن وتركه يأخذ وقته:

الشعور بالحزن أمر طبيعي عند فقدان عزيز؛ لذا على الإنسان أن يسمح لنفسه بعيش هذه المشاعر، ويُفرِّغ ما في داخله من حزن واستياء، ويأخذ وقته للتعافي منها؛ فكبتها وإنكارها ليس أمراً جيداً؛ لأنَّها سترجع وتتسلَّل إليه مُجدَّداً، يقول بالومبو: “إنَّ الحزن ليس ذاته بالنسبة للجميع، وأفضل شيء يُمكنك القيام به لنفسك، هو منح نفسك إذناً بالشعور في كل حزنك أوغضبك أو وحدَّتك أو ذَنْبك”.

2. التقرُّب إلى اللّه:

تقرب إلى الله لتهدئة النفس وطمأنة القلوب، والتسليم بقضائه وقدره، خاصة في الموت، وتذكُّر أنَّ الموت حق، وأنَّ الله يختبرنا في صبرنا على الفقد.

3. الاستماع إلى قصص وتجارب الآخرين:

تعلم ممن مرُّوا بتجربة مماثلة ونجحوا في تجاوزها، قد يُساعد الإنسان ويُخفِّف عنه الألم؛ إذ يشعر أنَّ هناك من عانى مثله وتجاوز الأمر.

4. التَّجديد:

يُنصح عادةً بإنشاء عادات جديدة وذكريات جديدة لتجاوز الآلام؛ لأنَّ عادات الإنسان وطقوسه القديمة التي كانت تجمعه مع من فقده، تُسبب له مزيداً من الألم والحنين.

5. عدم الخجل من مشاعرنا:

يجب ألَّا يخجل الإنسان من مشاركة مشاعر الحزن مع الآخرين، بل يُفصح عمَّا يشعر به دون خجل، وألَّا يَعُدَّ ذلك ضعفاً؛ لأنَّ التعبير عن مشاعرنا وحزننا قوَّةٌ من شأنها أن تُخلِّصنا من الطاقة السلبية، وتُفرِّغ الألم الذي في داخلنا.

6. البحث عن شيء كان يُحبه:

من الأشياء المساعدة أن يبحث الإنسان عن شيء كان يُحبه الشخص المفقود، أو فكرة مُعيَّنة كان يُؤمن بها، ثم يقوم الفاقد بتنفيذها؛ هذا الأمر سيشعر الإنسان بالسعادة وأنَّه على نوع من التواصل مع من فقد.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لمحاربة اليأس والاستسلام

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/34E42YfT2jg?rel=0&hd=0″]

7. الحصول على دعم:

من المهم أن يُحاط من فقد عزيزاً بمجموعة دعم من العائلة أو الأصدقاء؛ فوجود هؤلاء بجانبه حتى وإن بقي في غرفته دون مجالستهم، يُشعره بالأمان وأنَّه ليس وحيداً كما يظن.

8. ملء وقت الفراغ:

أوقات الفراغ من أكثر الأمور التي تضرُّ الإنسان الفاقد لعزيز؛ لأنَّها تزيد أوجاعه وتجعله يفكر فيما حدث، فيسترجع الذكريات ويتأخر تعافيه من الحزن؛ لذا من أهم النصائح ملء وقت الفراغ بالعمل أو الرياضة أو قراءة الكتب أو زيارة الأصدقاء.

9. ضرورة استئناف الحياة من جديد:

يقول المؤلف ديفيد ك. سويتزر، في كتابه “ديناميات الحزن – مصدرها وألمها وشفائها”: “بعد المرور بألم الفقد فإنَّ المرء يحتاج إلى إعادة اكتشاف حياته من جديد، وعلى الرغم من كون ألمك الناجم عن الفقد حقيقي تماماً، لكنَّه ينبغي أن يأتي الوقت الذي تبدأ فيه حياتك مرة أخرى”؛ فالحياة مستمرة ولا تقف عند أحد، وعلى الشخص الفاقد أن يعي هذه الحقيقة، ويتقبَّل الفقد ويستأنف حياته رغم عدم وجود من يُحب.

10. الخروج في الهواء الطلق:

من المفيد جداً أن نمارس هذه العادة في كل الأوقات، خاصة العصيبة منها، حيث وجدت الدراسات أن قضاء ساعتين فقط في الأسبوع في الهواء الطلق، يمكن أن يُحسِّن الصحة العقلية والبدنية.

11. اللُّجوء إلى المساعدة النفسية عند الحاجة:

عموماً لا يبقى فقدان شخص عزيز في مُقدِّمة اهتمامات الإنسان بعد حوالي 18 شهر، وهذه المدة تُعَدُّ أمراً طبيعياً، لكن إن استمرت أكثر ورافقتها سلوكيات خطيرة؛ كالعزلة وعدم القدرة على مغادرة الغرفة، أو التوقف عن تناول الطعام كما ينبغي، أو فقدان الرغبة في متابعة الحياة وممارسة نشاطته اليومية الطبيعية دون الشخص الذي خسره، لابُدَّ وقتها من طلب المساعدة من طبيب نفسي أو أخصائي مؤهَل في علم النفس.

12. التطوُّع في الأعمال الخيرية:

تُساعد هذه الأنشطة الإنسان في الخروج من حزنه، لما تُحدثه مساعدة الناس من شعور بالسعادة والرِّضا عن النفس لدى الشخص الحزين.

نموذج ووردن:

يعمل “نموذج ووردن” على مساعدة الأشخاص (الذين فقدوا عزيزاً ويمرُّون بفترة حزن) في قبول الخسارة والتكيُّف مع الحياة، وذلك من خلال أربعة مُتطلَّبات أوردها عالم النفس وليام ووردن في كتابه “علاج الحزن وإرشاد الحزن.. دليل مُمارسي الصحة العقلية”؛ وهي:

1. قبول واقع الخسارة:

القبول هو أن نُسلِّم للواقع كما هو؛ لذا على الشخص الفاقد لعزيز أن يعترف بهذه الخسارة ويقبل بها، فرفضها لن يُغيِّر من الأمر شيئاً بل سيزيد الآلام. قبول الخسارة والتكيُّف معها يُعَدُّ أول خطوات التعافي.

2. تجربة ألم الحزن:

أن نشعر بالحزن والأسف على الفقدان أمر طبيعي، أمَّا غير الطبيعي هو قمع هذه المشاعر؛ لتعافينا من الحزن يجب أن نُطلق العنان لمشاعرنا مهما بلغت غرابتها.

3. التكيف مع فقدان أحد الأحبَّة:

يُعَدُّ من أكثر الأشياء ألماً اعتقاد الشخص الفاقد أنَّ إكمال حياته الطبيعية بمثابة خيانة لمن فقده، وهو شعور مُدمِّر؛ لأنّه يتركه عالقاً في حزنه، فلابُدَّ للإنسان أن يتكيَّف مع الحياة دون وجود من فقد.

4. وصلُ “الميت” في أثناء الشروع في حياة جديدة:

يجب أن نبدأ حياةً جديدةً مع التفكير بمن فقدناه كذكرى جميلة، والمحافظة على اللحظات التي قضيناها معه كمصدر للقوة والبهجة، وليس كمصدر للضعف والحزن.

في الختام:

“الحزن يصقُلُنا” على حد تعبير الملك سليمان في رواية “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة إليف شافاق: “الحزن أفضل من الضحك؛ لأنَّ الحزن يصقلنا”.

إذن يمكن عَدُّ الحزن حالة صحية تصقل الإنسان وتُقوِّي تجربته وتُعمِّق نظرته إلى الحياة، لكن شرط أن يبقى الحزن في حدوده الطبيعية، ولا يتحول إلى شبح يُسيطر على حياة الإنسان. خسارة شخص نُحبه تجربة سوف يمرُّ بها كل البشر في كل وزمان ومكان؛ لأنَّ الأبديَّة غير موجودة في الحياة، وهذه سُنَّة الكون التي يجب ألَّا تغيب عن أذهاننا؛ فالفقد أمر مُتوقَّع الحدوث في أيَّة لحظة، ويجب التسلح بالقوة والموضوعية في التعامل معه وقبوله.

علينا أن نعي حقيقة أنَّ الحزن أمر طبيعي وصحي عند الفقد، لكن دون أن نُسلِّم أنفسنا له بلا أيَّة مقاومة؛ إذ لابُدَّ من السيطرة عليه ومنعه عن قتلنا وإنهاء الحياة في داخلنا.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *