ونفسر ذلك بكل سهولة على أنّ الإلكترونات التي انفصلت من الذرات بسبب الاحتكاك، تظل متجمعة في منطقة الاحتكاك، ولا يمكنها الانتقال خلال المادة لأنّ المطاط والبلاستيك وكذلك الصوف هي مواد عازلة كهربائياً؛ فهذه الشحنات المتجمعة السالبة (التي تنتج عن الإلكترونات التي اكتسبها القضيب بواسطة الاحتكاك) والموجبة (التي تنتج عن البروتونات الزائدة التي بقيت في قطعة الصوف بعد أن خسرت الإلكترونات) هي المسؤولة عن القوة التي ظهرت وأدّت إلى تجاذب قطع الورق الصغيرة إلى القضيب المطاطي. ويطلق على هذه الشحنات المنفصلة الشحنات الساكنة (static charges) لكي نميزها عن الشحنات المتحركة التي تنشأ في الأسلاك التي توصل التيار الكهربائي.
البنية الذرية للمادة
نعلم أنّ المادة مؤلفة من ذرات، والذرّة مؤلفة من إلكترونات وبروتونات ونيوترونات حيث تدور الإلكترونات حول نواة الذر المؤلفة من بروتونات ونيوترونات. يمتلك الإلكترون أصغر شحنة كهربائية سالبة، ويمتلك البروتون الشحنة نفسها، ولكنها موجبة. ومع أنّ شحنتيهما متساوتين بالقيمة فإن كتلة البروتون تساوي 1840 مرة كتلة الإلكترون، وتوجد البروتونات مع النيوترونات في مركز الذرة، الذي يسمى بالنواة، وتدور الإلكترونات حولها. إنّ ترتيب هذه الجسيمات وعددها في ذرات العناصر والمواد، هو الذي يحدد خواصها المختلفة بما في ذلك الخواص الكهربائية. والشكل التالي يوضح مثالاً توضيحياً لتركيب الذرة:
ويجب أن نلاحظ أن هذا الشكل أعلاه لا يماثل الواقع أبداً من حيث الأبعاد، وذلك لأنّ النواة التي تتكوّن من البروتونات والنيوترونات تكون ذات كثافة عالية وحجمٍ صغيرٍ جداً، بحيث لا تزيد أبعاده على جزء من مئة مليون مليون جزء من المتر (10-14 m)، بينما تدور الإلكترونات حول تلك النواة، وعلى مسافة تبعد عنها، بجزء من ألف مليون جزء من المتر، وهذا يعني أن المسافة التي تفصل بين الإلكترون والنواة تساوي مليون مرة قطر النواة، فإذا كان قطر النواة مثلاً بحجم قطعة النقود المعدنية الصغيرة، فإن الإلكترون يبعد عنها مسافة 10 كم.
وتتوزع الإلكترونات على أكثر من مدار، بينما تتجمع كل البروتونات في النواة، وفي الذرات المتعادلة، المستقرة، يجب أن يتساوى عدد الإلكترونات الدائرة في مدارات حول النواة، مع عدد البروتونات المجتمعة فيها. إنّ توزيع عدد الإلكترونات على مدارات حول النواة، خاصة تلك الإلكترونات الموجودة في المدار الأبعد عنها وهو المدار الخارجي، يحدد إلى حد بعيد الخواص الكهربائية والحرارية وكذلك الخواص الكيميائية لهذه الذرة.
من أين تأتي الشحنات الحرة
فيما عدا المدار الأول، فإنّ المدار الخارجي لا يمكن أن يحوي أكثر من ثمانية إلكترونات، بينما يتشبع المدار الأول بإلكترونين فقط، فعندما يكون هذا المدار غير ممتلئ تمتلك الإلكترونات التي تسبح فيه درجة من الحرية بحيث يمكن أحياناً (في المواد الناقلة كهربائياً كالمعادن) أن تترك الذرة وتسبح بين الذرات الأخرى وخاصة عندما يحوي هذا المدار إلكتروناً واحداً أو اثنين أو ثلاثة، فعندما يتجاور العديد من ذرات النحاس مثلاً في سلك من النحاس، فإن الإلكترون الخارجي في كل ذرة، يمكنه الانتقال من ذرة إلى أخرى، ويطلق على هذا الإلكترون في هذه الحالة، “الإلكترون الحر”. وهذه الإلكترونات الحرة هي المسؤولة عن جودة توصيل النحاس للتيار الكهربي.
المواد الناقلة والمواد العازلة
فالمواد الموصلة (conductors) هي تلك المواد التي تسمح بسهولة بانتقال إلكترون من ذرة إلى أخرى، وبصفة عامة، تُعد معظم المعادن، مثل النحاس والفضة والألمنيوم والذهب والحديد والقصدير، مواد جيدة التوصيل. أما المواد التي تميل ذراتها، إلى الاحتفاظ بالإلكترونات مستقرة في مداراتها، فيطلق عليها المواد العازلة (insulators)، وهي مواد لا تسمح بتوصيل التيار الكهربي بسهولة، مثل الزجاج والبلاستيك والمطاط والمايكا. ولبعض المواد خواص توصيل متوسطة، فهي ليست موصلاً كاملاً، ولا عازلاً كاملاً، وهي تجمع إلى حد ما، بين خواص الفئتين؛ فهذه المواد يطلق عليها المواد شبه الموصلة (semiconductor)، مثل عناصر الجرمانيوم والسليكون؛ وقد أصبح لهذه المواد الآن قدر كبير من الأهمية في عملية إنتاج الترانزيستور، والدوائر الإلكترونية المتكاملة (Integrated circuits).
قيمة الشحنة الكهربائية
وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ الشحنات الكهربائية التي أمكن قياسها حتى الآن، تساوي قيمتها عدداً صحيحاً من مضاعفات شحنة الإلكترون أو البروتون، ولكننا نعرف اليوم أنّ هناك جسيمات أوّليّة لها شحنات تساوي ثلث أو ثلثي شحنة البروتون غير أنّ هذه الجسيمات لا توجد بشكل حر في الطبيعة.
ويتم التعبير عن الشحنات بواحدة كهربائية خاصة يطلق عليها “الكولوم” (Coulomb) بحيث تكون شحنة الإلكترون الواحد تساوي 1.602×10-19 كولوم، وذلك نسبة إلى العالم الشهير شارلز أوجستين كولوم، الذي درس طبيعة القوة المتبادلة بين الجسيمات المشحونة واستنتج القانون الخاص بذلك والذي يسمى أيضاً قانون كولوم الذي يعتبر من أهم القوانين الطبيعية والذي ينص على أنّ القوة المتبادلة بين جسيمين مشحونين تتناسب طردياً مع قيمة شحنة كل منهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما. ولاحظ أيضاً أنّ الشحنات ذات الطبيعة المختلفة تتجاذب، والشحنات ذات الطبيعة المتماثلة تتنافر؛ فإذا اقترب جسيمان مشحونان بشحنات ذات طبيعة مختلفة فإن كلاً منهما يجذب الآخر، وإذا كان الجسيمان بشحنتين موجبتين، أو شحنتين سالبتين، فإنّه تظهر بينهما قوة تنافر تعمل على دفعهما عن بعضهما البعض.
انحفاظ الشحنة الكهربائية
وكذلك تجدر الإشارة إلى مبدأ طبيعي يحكم على الشحنات وهو ما يسمى مبدأ انحفاظ الشحنة (conservation of charge) وينص على أن المجموع الجبري للشحنات الكهربائية، في أي نظام مغلق يكون رقماً ثابتاً؛ وهذا يعنى أن الشحنات الكهربائية يمكن نقلها من جسم إلى آخر، ولكن لا يمكن خلق شحنات جديدة كما لا يمكن تدمير شحنة موجودة. ولكن يمكن ضمن شروط معقدة إنتاج شحنات موجبة وشحنات سالبة من جسيمات أخرى معتدلة وكذلك دمج هذه الشحنات الموجبة والسالبة لإنتاج جسيمات أخرى معتدلة، وتبقى القيمة الكلية للشحنات محفوظة.
وكذلك يجب أن ننوّه هنا إلى أنّ إطلاق الشحنة السالبة على شحنة الإلكترونات والشحنة الموجبة على شحنة البروتونات هو أمر اصطلاحي محض حيث استخدم العلماء منذ البداية مصطلح الشحنة السالبة للتعبير عن طبيعة الشحنة الكهربائية التي تتكون على المطاط والبلاستيك، ومصطلح الشحنة الموجبة للتعبير عن طبيعة الشحنة الكهربائية التي تتكون على الصوف والزجاج؛ ثم بعد اكتشاف طبيعة الذرة ومكوناتها كما وضحنا أعلاه أصبحت شحنة الإلكترون هي الشحنة السالبة لأنها تطابق الشحنة التي تتكون على المطاط، وأصبحت شحنة البروتون هي الشحنة الموجبة لتطابقها مع الشحنة المتكونة على الزجاج.