كتبت- ندى سامي
صباح اليوم الأول من شهرها التاسع من الحمل، استيقظت “مريم نصير” على آلام شديدة أسفل البطن والظهر، لم تتحمل الوجع فحاولت الاتصال بالطبيبة التي تتابع حملها، ولكن دون فائدة.. نقلها زوجها إلى المستشفى وأخبرهم الطبيب المناوب أن الطفل في طريقة للخروج إلى الحياة خلال ساعة واحدة.. ولكن الـ60 دقيقة تحولت إلى 24 ساعة مخاض.
استعدي لاستقباله.. 8 علامات لنزول رأس الجنين للحوض
الولادة المتعسرة هي عدم قدرة المرأة على ولادة طفلها بطريقة طبيعية عبر قناة الرحم، ووفقُا لموقع “health line” فإن تعسر عملية مرور الطفل عبر عنق الرحم إلى الحوض قد تحدث نتيجة بعض المشكلات كحجم وحالة الجنين الصحية أو حجم الرحم والحوض، مما يعيق عملية الولادة الطبيعية، وقد يؤثر على صحة الأم والطفل.
احسبي موعد ولادتك
“مريم”.. 24 ساعة مخاض
كانت مريم، تعاني من سكر الحمل والذي أدى بدوره لزيادة حجم الجنين عن المعدل الطبيعي، وزاد الأمر سوءًا اتساع الحوض، وعند انتقال الطفل من الرحم إلى الحوض، تسبب في حدوث طلق مبكر ولكن خروج الطفل من الحوض في غاية الصعوبة، ساعات طويلة تشعر فيها بالألم، في كل لحظة تنقبض فيها عضلات الرحم تشعر أن انبساطها سيكون لحظة ولادتها.
أخبرها الطبيب أنها ستضع طفلها بولادة طبيعية ولكن كثرة تناوب الأطباء عليها جعلها تشعر أن هناك أمر خطير.. “انهرت ابتديت أصرخ وأقولهم عايزة دكتورتي”، وبعد نصف ساعة أخرى حضرت الطبيبة لفحصها أخبرتها أنها تعاني من حالة ولادة متعسرة، وأن التدخل الجراحي لن يكون في صالح الجنين نظرًا لوضع الطفل وأن عليها المشي والحركة لعله يغير من وضعه.
الساعات تمر والألم يزداد ومريم تمشي في طرقات المستشفى بزي العمليات مستندة للحامل الذي يحمل المحلول الموصول بيدها، بعد كل ساعة تخضع مريم، للفحص وتخبرها الطبيبة بعبارة واحدة “لسة شوية”.. بعد انقضاء 24 ساعة من آلام المخاض أخبرتها الطبيبة أن الجنين قام بتغيير وضعه ويمكنها الولادة قيصريا.
دخلت صاحبة الـ27 عاما غرفة العمليات وقبل أن تأخذ حقنة البنج أعلن الجنين تمرده وأخرج رأسه للحياة، واضطرت الطبيبة إلى فتح الرحم من الأسفل حتى تستطيع إخراج الطفل، وبصعوبة بالغة تمت الولادة ولكن بعد أن أنهكت الأم وتعرض الطفل إلى الجذب مما أصابه بخلل في الدماغ نتج عنه إعاقة ذهنية من الدرجة المتوسطة.
رحلة طويلة خاضتها مريم، حتى وضعت طفلها، ولكن الأصعب كان بعد عملية الولادة وبعد معرفتها بالضمور الذي طال رأس الصغير، واحتمال إصابته بإعاقة ذهنية، ومع مرور الشهور الأولى تأكدت مريم من إصابة صغيرها وبدأت معه رحلة أطول في العلاج ومحاولة أن تتكيف نفسيًا مع طفل ذو احتياجات خاصة وتأهيله للتعامل مع المجتمع الذي لم يتفهم إعاقته.
الآثار النفسية للولادة المتعسرة التي تتعرض لها الأم
اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة مرضية تحدث لحوالي 50% من النساء بعد وضع أطفالهم، 15% منهم بسب تعرضهم لصعوبات في الحمل وتعثر في الولادة، وتبدأ أعراضه بعد الولادة بأيام قليلة، وتستمر الأعراض لفترات متفاوتة وقد تطول أحيانًا لتصل إلى عدة شهور وأحيانًا أكثر من ذلك في حالة عدم التدخل العلاجي النفسي، وفقًا للدكتور محمد سليم خميس، في رسالة دكتوراه بعنوان “الاستجابة الاكتئابية لدى المرأة بعد الولادة”.
تعرضت مريم، لحالة من الصدمة جعلتها ترفض الطعام وتبكي كلما همت بإرضاع الصغير، ثلاثة أشهر وهي على نفس الحالة تدخل على محركات البحث وتجمع المعلومات اللازمة حول حالة رضيعها وتبكي.. “مكنش عارفة أتقبل الأمر.. كل ما أغمض عيني أفتكر وأحس بالألم.. وكل ما أبص لوشه أحس بالذنب”.
يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والأسرية، إن المرأة أكثر عرضة للاكتئاب من الرجل في الأوضاع الطبيعية، وتجربة الحمل والولادة تزيد من فرصة تعرضها للاكتئاب، ويزداد الأمر سوءًا عند تعرضها لتجربة ولادة صعبة ومتعسرة، يصحبها ذكريات مؤلمة خاصة إذا كانت التجربة الأولى لها في الولادة.
ويوضح أن النساء اللاتي خضعن لولادة صعبة أكثر عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة، كما أنه قد تحتاج الأم لوقت طويل حتى تتعافى من آثار الولادة والتي تركت الكثير من الآثار الجسدية فضلًا عن الأذى النفسي، ويقول استشاري الصحة النفسية أنه قد تختلف استجابة كل امرأة على حسب عدة عوامل منها طبيعة التجربة نفسها، عدد ساعات الولادة، تهيئتها النفسية والجسدية، مدى الدعم المقدم لها من قبل شريك الحياة.
قد تتعرض الأم التي مرت بتجربة ولادة صعبة وفقًا لحديث هاني إلى عصبية مفرطة، اضطرابات في تناول الطعام سواء بالزيادة أو النقصان، الميل إلى العزلة الاجتماعية، عدم السيطرة على الانفعالات، البكاء بشكل مستمر، الشعور بالخوف، القلق من المستقبل، وقد تتعرض لكوابيس ليلية متأثرة بتجربة الولادة الأليمة التي مرت بها.
كيفية التخلص من آثار تجربة الولادة المتعثرة
التخلص من تجربة صادمة ومؤلمة قد يحتاج لمزيد من الوقت، حتى تتعافى الأم من آثار ما بعد الصدمة، هكذا يقول استشاري الصحة النفسية والأسرية، ويتطلب من الأم أن تكون على وعي بأنها تجربة قد تحتاج إلى وقت ولكنها ستنتهي حتمًا، طلب المساعدة من الزوج والأم والأخت والصديقة في المهام المتعلقة بالطفل وأعباء المنزل، المشاركة في الاجتماعات العائلية والمناسبات للانخراط مع الناس والعودة للحياة الطبيعية.
وأوضح هاني، أن الزوج له دور كبير في تخطي تلك الأزمة، بمساندة الزوجة نفسيًا ودعمها، وإشعارها بالتقبل والحب، وانتظام ممارسة العلاقة الحميمة مما يعزز ثقتها بنفسها وأهميتها لأسرتها، فالعودة إلى الحياة الطبيعية بصورة سريعة يعزز من تخطي الأزمة واستقرار الحالة النفسية.
ولكن تواجد مريم، في محافظة شمال سيناء، برفقة زوجها وبعدها عن والدتها، أثقل كاهلها وزاد شعورها بالوحدة والتخبط، خاصة وأنها كانت التجربة الأولى لها مع الحمل والولادة بعد خمس سنوات من الزواج.. ولكنها وضعت قدمها على أول الطريق بعدما تعرفت على أمهات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق أحد المجموعات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”.
وجدت الأم الشابة في تلك التجمعات الداعمة الأمان، وتعرفت على التفاصيل التي تحتاجها.. شكل الحياة وطبيعتها، الإجراءات الصحية اللازمة التي يجب اتباعها مع طفلها، فشعرت بتقبل الهبة التي أعطاها الله لها، وقررت أن تكرس حياتها ووقتها لوليدها وتطوي صفحة الولادة المتعسرة.
هل يوجد علامات تنذر بولادة متعسرة؟
يقول الدكتور حسام الشنوفي، أستاذ مساعد أمراض النساء والتوليد بقصر العيني جامعة القاهرة، إنه لا يوجد علامات واضحة تنذر بولادة متعسرة، ولا يمكن تحديد إذا ستسير الولادة بشكل طبيعي أم لا، إلا عند دخول الأم تجربة الولادة بالفعل وحدوث انقباضات في الرحم، وقتها تخضع للفحص الإكلينيكي ويتم التعرف على مسار رحلة الولادة ومعرفة إذا كانت هناك معوقات تحول دون عملية الولادة.
تتمثل تلك المعوقات وفقًا للشنوفي، في وجود أورام ليفية في جدار الرحم تعيق الولادة بشكل طبيعي، كما أن أكثر الأسباب شيوعًا التي تؤدي إلى الولادة المتعسرة هو زيادة وزن الجنين.
أكد أستاذ النساء والتوليد، أنه لا يمكن تحديد ذلك إلا وقت الولادة فقط والفحص الإكلينيكي المستمر للأم أثناء المخاض، وفي تلك الحالة يعتبر التدخل الجراحي هو الحل الأفضل للأم وكذلك الجنين.
ولتفادي التعرض لولادة متعسرة نصح الشنوفي، بضرورة حفاظ الأم على الوزن المناسب، وممارسة الرياضة أثناء الحمل، وإذا كانت تعاني من مرض السكري العادي أو وقت الحمل فعليها تناول جرعات العلاج بشكل منتظم، مؤكدا ضرورة متابعة الأم الحمل مع طبيب مختص للتأكد من صحتها وسلامة الجنين ومتابعة تطور نموه، وملاحظة المعدل الطبيعي لتفادي التعرض لمشاكل أثناء الولادة.