“هل سيفخر أبنائي بكوني أبيهم أو أمهم؟”، “هل سيعلق بذاكرتهم عندما يكبروا ما أعانيه من أجلهم من تعب وكد؟”، “ماذا لو عاملني أطفالي عندما يكبرون بنفس الطريقة التي أتعامل بها أنا معهم عند إرتكاب الأخطاء الغير مقصودة والتي ستحدث بسبب سني الذي سيصبح كبيرا؟”، تساؤلات كثيرة تدور في خلد الآباء والأمهات بشأن أطفالهم، فهل حقا سيصبح الأبناء كما نريد لهم أن يكونوا؟
لماذا نربي الأبناء؟
السؤال الذي لابد أن نطرحه قبل كل هذه الأسئلة هو:”لماذا نربي أبنائنا؟” فالبعض سيقول ليراعونا في كبرنا، والبعض الآخر يقول لأن هذه سنة الحياة؟، وأخر يقول ليصبحوا أعضاء صالحين في المجتمع، والبعض لم يفكر أصلا في إجابة لهذا السؤال ويكون رده ببساطة:”لا أعرف”، وغيرها من الإجابات التي ستختلف بإختلاف هدف كل أسرة من تربية أطفالها، وأنا لن أقول لكم الإجابة النموذجية لهذا السؤال بل سأنصحكم فقط، فكل واحد منا له أهدافه الكبيرة أو الصغيرة والمختلفة عن غيره فهذه هي سنة الله في الأرض.
والنصيحة التي سأوجهها لكل أب وكل أم أن يفكروا في طريقة تربية الأبناء والمنهج التربوي الذي ينتهجوه معهم، ويقفوا وقفة صادقة مع أنفسهم ويردوا علي سؤال هام:”هل حقا الطريقة التي أربي بها أبنائي ستجعلهم يصبحون كما أريدهم؟”، فمثلا الذي يريد لطفله أن يصبح طبيبا ناجحا ومتفوقا وخدوما وخلوقا عليه أن ينظر للطريقة التي يربي بها طفله هل هي الطريقة التي ستنتج في النهاية هذا الطبيب الناجح؟، أم إنه سيصبح طبيبا لكن غير واثق من نفسه ولا يستطيع التواصل الجيد مع المرضى بسبب ضعف شخصيته؟، أو أنه لن يصبح طبيبا أصلا لأنه كره المذاكرة والدراسة بسبب أسلوب الضغط والتهديد والترهيب الذي تعرض له في الصغر؟، أو أنه سيصبح طبيبا لكن غير أمين يكذب ويسرق ويغش.
هل يستحق الأبناء كل هذا؟
أعرف أن البعض سيقول: “لما كل هذا إننا نبذل كل ما بوسعنا لتربية أطفالنا بشكل جيد وهل نبذل كل الجهد والعمل والمشقة إلا لأجلهم؟”، وببساطة سأقول إن ما يبذله كل الأباء والأمهات هو جهد مشكورين عليه جدا، لكن غير كافي، نعم غير كافي لينشئ الطفل الذي تحلمون به، فمعظمنا يرى أنه إن وفر الطعام والشراب والمسكن والألعاب والإشتراك في النادي وغيرها يكون بهذا قد أتم رسالته كأب أو كأم على أكمل وجه، لكن الحقيقة إن هذه الأشياء المادية -رغم أهميتها- لن تنتج وحدها طفل معتمد على نفسه متفوق دراسيا ذكي إجتماعيا رحيم وأمين وصادق، بل الذي يربي أبنائنا هو القدوة والمودة والحب والحنان والعطف والتوجيه المناسب لكل سن وهذا لا يقوم به إلا نحن.
فالجهد البدني الذي يبذله الأب أو الأم من أجل توفير كل ما يحتاجه الطفل من أشياء مادية هو شئ مطلوب جدا ونحمدهم عليه، لكن أطفالنا يحتاجون ويستحقون بذل مزيد من الجهد والوقت نقضيه معهم ونوجههم ونساعدهم، فمعظم المشكلات النفسية عند الأطفال والتي كثرت هذه الأيام مقارنة بالماضي سببها نقص الحب والحنان والعطف وأيضا طرق التربية الخاطئة.
هل سيفخر أبنائي بي؟
سؤال هام جدا يفكر فيه كثير من الآباء والأمهات ويدور في خلدهم:”هل سيفخر أبنائي بكوني أبيهم أو أمهم؟ هل سيعرفون مدى معاناتي في تربيتهم وتعبي لأجلهم؟”، الأطفال يتأثرون بأي شئ حولهم ويشعرون أيضا بكل شئ، لكنهم لن يتذكروا – للأسف – ماركة التابلت الذي يلعبون به ولا قيمة إشتراك النادي ولا كم الألعاب التي تمتلئ بها غرفتهم ولا ثمن الملابس التي تأتي من أغلي المحلات أو الماركات، بل سيتذكرون أنكم كنتم تلعبون معهم لعبة العسكر والحرامي وسيتذكرون الفوازير التي تجلسون لتقولوها سويا، والأهم من ذلك سيتذكرون ردود أفعالكم بعد إرتكابهم شئ خطأ.
أذكر قصة الطفل الذي أصبح محافظا على الصلاة بسبب مقولة أمه له حين نهره أبوه وضربه بسبب عدم صلاته، حيث جلست الأم بجوار طفلها وقالت له:”أحب جدا أن أراك تصلي أمامي فأنا أتعلم منك”، ومن بعدها كانت تقف ورائه كأنه إمامها وتصلي خلفه ولعلها كانت تعيد هي صلاتها بعد ذلك في الخفاء لكن الشاهد من هذه القصة إن الطفل لم يواظب على الصلاة بسبب الضرب بل واظب عليها بسبب موقف هادئ رزين حكيم، والأهم أنه أصبح شابا الأن ومازال يتذكر هذا الموقف ويدعي لأمه التي كانت السبب في مواظبته على الصلاة طوال هذه السنوات.
فأطفالنا لا يحتاجون فقط للأشياء المادية بل يحتاجون أكثر للأشياء المعنوية، فنحن كما نبني أجسامهم ونلبسهم ونطعمهم، نبني أيضا شخصياتهم ونشكل نظرتهم لأنفسهم، فهم يستحقون تعبنا وجهدنا ليصبحوا كما نتمني.
أرجو أن تكونوا إستفدتم من هذه النصائح وأتمنى أن يوفقكم الله لتربية أطفالكم والمزيد من مقالات التربية ستجدوه في قسم تربية الأبناء، ونحن نرحب دائما بإستفساراتكم وأسئلتكم وكذلك تعليقاتكم.