“الطاقات المتجددة هي وسيلة لنشر المزيد من العدالة في العالم بين دول العالم الغني ودول العالم الفقير. وهي ليست حصراً على الذين يعيشون اليوم، فالحد الأقصى من استعمال الشمس والرياح اليوم لن يقلل من فرص الأجيال القادمة. بل على العكس، فعندما نعتمد على الطاقة المتجددة سنجعل مستقبل أولادنا وأحفادنا أكثر أماناً”، هكذا وصف وزير البيئة الألماني الجديد زيجمار غابريل الطاقة المتجددة في حديثه بمناسبة افتتاح المنتدى العالمي الثالث للطاقة المتجددة في مدينة بون. فالطاقة المتجددة بأنواعها من طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة هيدروليكية وطاقة عضوية وغيرها من الطاقات “الطبيعية” تعتبر بالفعل الأمل في توفير الطاقة في المستقبل. من ناحية لأنها طاقات لا تنضب، ومن ناحية أخرى لأنها غير ملوثة للبيئة. بالإضافة إلى ذلك، تطبيق التقنيات الحديثة لتوليد هذه الأنواع من الطاقة سيوفر فرص عمل متعددة للشباب. هذا ما أكده حاضرو المؤتمر وعلى رأسهم رئيس المجلس العالمي للطاقة المتجددة ورئيس الملتقى هيرمان شيير Hermann Sheer، فهو يهتم بالطاقات المتجددة بصفة خاصة منذ وقت بعيد ويعتبرها الفرصة الوحيدة لتزويد العالم بالطاقة في المستقبل.
“مؤتمر للطاقة المتجددة”: لماذا؟
خلال مؤتمر الطاقة المتجددة في برلين عام 2001، ظهر الاحتياج الكبير لدفع عجلة استغلال الطاقات المتجددة، من ناحية لأن الاحتياج للطاقة يزداد بشكل سريع جداً، وأسعار البترول ترتفع والمخزون النفطي يقل، ومن ناحية أخرى بسبب التغيرات المناخية المتزايدة التي تؤدي بدورها إلى كوارث. لذلك كان هناك حافزاً كبيراً لإنشاء هيئة دولية للطاقة المتجددة
( International Renewabe Energy Agency IRENA)، واتفق الحاضرون على تكوين مجلس دولي مستقل للطاقة المتجددة World Council for Renewable Energy WCRE). ويمثل هذا المجلس الصوت العالمي لهذه الطاقة، يحاول التشجيع على تنفيذها وإصدار الوثائق اللازمة للإعلام عنها، كما يسعى إلى الوصول إلى حلول عملية واتفاقيات مشتركة على نطاق دولي. لهذا يقيم المجلس ملتقاً عالمياً يجمع بين السياسيين والعلماء والعاملين بالاقتصاد ورجال القانون والإعلاميين، وهو ما يجعل القرارات المتخذة أكثر واقعية وعملية. وقد أقيم هذا الملتقى لأول مرة في يونيو/حزيران عام 2002 في برلين، وشهد دورته الثانية في بون عام 2004، حيث حضر ممثلو 154 حكومة وتوصلوا إلى اتفاقية “أجندة الطاقة المتجددة العالمية”. في الوقت نفسه أقيم منتدى عالمي برلماني للطاقة المتجددة، حضره أعضاء مجالس الشعب من سبعين دولة وأكدوا فيه على أهمية العمل على إقرار قوانين خاصة بالطاقة المتجددة “طاقة القرن الحادي والعشرين”.
نشر الطاقة النظيفة واجب الجميع
ولكن القوانين وحدها غير كافية للاستفادة بالطاقة المتجددة، كما يؤكد هيرمان شير، فهو يرى أن نشر هذه الطاقة واجب الجميع وأنه يجب الجمع بين الناحية السياسية والناحية الشعبية. واليوم حيث يعاني نحو اثنين مليار فرد في أنحاء العالم من عدم وجود طاقة، كما يعاني ملايين من البشر من آثار الكوارث الطبيعية التي تسببت فيها التغيرات المناخية الناجمة عن استخدام الطاقات الحالية، يرى د. جمال عثمان رئيس قسم الكهرباء بكلية الهندسة بجامعة المنصورة في مصر ونائب رئيس الجمعية الدولية لطاقة الرياح أن العالم عليه التحرك لتشجيع العمل بهذه الطاقة التي تهديها الطبيعة للجميع، فالشمس تسطع في كل مكان وليست حكراً على شعب أو دولة بعينها: “هناك مسئولية حضارية لإيصال الطاقة للأماكن التي تحتاجها، سواء لعمل ضخ مياه للزراعة أو تحلية المياه في الأماكن المعزولة ” ويسعى د.جمال عثمان خلال عمله في الجمعية الدولية لطاقة الرياح أن يشجع الاتجاه إلى الطاقة الشمسية بصورها المختلفة خلال الخمسين سنة القادمة، سواء الصورة المباشرة أو الطاقة الحيوية الناجمة عن التحليل الضوئي للنبات، كما يسعى لتشجيع التعاون الدولي في هذا المجال.
التعاون الدولي في مصلحة الجميع
ويتفق معه الدكتور أمين مبارك الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس وعضو مجلس الشعب والذي يجمع بين العلم والسياسة، ويمثل مصر في هذا المؤتمر، ويقول عن خبرته في هذا المجال: “مصر لديها أفضل رياح في خليج السويس، والشمس تسطع معظم العام، وفي مؤتمر البحر المتوسط قال الألمان أنهم يريدون الاعتماد على الطاقة الشمسية بشكل أكبر بحلول عام 2050 ، وأنهم يسعون لاستيراد نحو 30% من هذه الطاقة من دول البحر المتوسط، وهو ما سيرجع بالفائدة للجانبين، فهم لديهم التقنية ونحن لدينا الشمس”. ويشاركه نصر الدين شعبان ساري عضو مجلس الأمة بالجزائر الرأي، فهو يرى آفاق التعاون الجزائري الأوروبي في هذا المجال كبيرة جداً لأن الجزائر لديها ثروة كبيرة في الطاقات المتجددة يجب استغلالها.
قلة الاهتمام العربي بالطاقة المتجددة
وبالرغم من غنى الدول العربية في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلا أن الوجود العربي كان ضعيفاً. فلم تمثل من الحكومات العربية سوى مصر والمغرب والجزائر، ويرجع د. أمين مبارك هذا الأمر إلى اعتماد معظم الدول العربية على البترول وقلة الوعي بأهمية الطاقة المتجددة، خاصة وأن البترول سينفذ في يوم ما. وبالفعل تعتبر توعية الشعوب بهذه القضية أمراً هاماً، وخاصة الشباب لذا تعمل جمعية الطاقة العالمية على نشر مراكز تعليمية للشباب في هذا المجال كما ذكر د. جلال عثمان: “هناك خطة بإنشاء مراكز تميز في مناطق مختلفة من أفريقيا وآسيا وغيرها، كما أن الجامعة الألمانية بمصر أنشأت قسم لدراسة الطاقات المتجددة”.
وتشارك منظمة اليونسكو الاهتمام بالتوعية في هذا المجال، لذا فقد كانت قضية توعية الشباب بهذه الطاقات، وإدخالها في المناهج الدراسية في قلب مناقشات المؤتمر. كذلك لم يقتصر الأمر على حضور المختصين، ولكنه شهد حضور بعض المهتمين بالطاقة البيولوجية من الفلاحين، وبعض المدرسين، وممثلي جمعيات حماية البيئة، ليصبح بالفعل ملتقى يبحث على أرض الواقع كيف يمكن الاستفادة بهدية تهديها الطبيعة للجميع.