وتأتي المعاناة التي تنبع من الأضرار الصحية التي تسببها القمامة المنتشرة في الأحياء الشعبية في بعض الدول النامية, والتي يتم حرقها فيها أيضا .. رغم أن هناك حلول إيجابية لمكافحة هذا السلوك الضار جداً للبيئة و الصحة العامة .. و القمامة .. أحد أسباب انتشار الأمراض والأوبئة حول العالم.. وتراكمها نتيجة حتمية لسلوك الغالبية من أفراد المجتمع .. وهي تعني في جوهرها , الإحساس بنظافة المكان الذي يتعامل معه الإنسان , سواء كان هذا المكان هو المنزل أو المصنع أو المكتب أو الشارع أو حتى مجرد وسائل النقل العامة.
إن سبل التخلص من مخلفات المنازل عديدة , حسب السلوك الحضاري أو المتخلف لربة المنزل .. ولابد من إلقاء نظرة على ما يفعله أصحاب المتاجر , والمصانع وغيرهم في البيئة التي نعيش فيها حتى تتحول حياتنا تدريجيا إلى مقلب للقمامة تهدد الصحة بالأخطار و الأمراض الفادحة , غير ما تحمله لنا تجمع القاذورات من روائح كريهة وفساد في الذوق و قبح المكان …. وعندما يصبح هذا هو السلوك السائد , فإن تلال القمامة سوف تفوق الحد الأقصى لقدرة السلطات المسؤولة عن النظافة , وعندئذ يصبح تقويم هذا السلوك واجبا عن طريق القوانين الرادعة الفورية حتى تصل إلى درجة الإلزام ثم التعود والوعي .
القمامة أحد المصادر الرئيسية لتلوث البيئة , وانتشار الأمراض , فهي تحتوي على الكثير من المواد العضوية التي يتوالد بها كثير من الميكروبات التي تستطيع الاحتفاظ بحيويتها فترة طويلة في هذا الوسط المناسب, ولذا تعد مرتعا خصبا لتوالد جميع الحشرات الناقلة للأمراض التي تتكاثر فيها بصورة سريعة لتنتشر داخل المساكن .. ناقلة للقاطنين فيها كم كبير من جميع الأمراض التي تهدد صحتهم وحياتهم . ومن هذه الحشرات : الذباب المنزلي , والذباب الذي يصيب الجروح باليرقات (Myiasis). والصراصير, والبعوض.كما أن بعض الحيوانات مثل الفئران . تتكاثر جداً بجانب القمامة .. بالإضافة إلى أنها أصبحت مصدرا غذائيا لبعض الحيوانات الضالة مثل : القطط والكلاب التي تحمل فيروسات مرضية كالسعار أو طفيليات التوكسوبلازموزس (Toxoplasmosis), وجميع هذه الأمراض إما أن تنتقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .. ومن بعض الأمراض الشائعة نتيجة تواجد القمامة هي : النزلات المعوية سواء الدوسنتاريا الأميبية أو الباسيلية أو الميكروبية , وطفيليات الجارديا والإكسيورس , وميكروبات التيفود والباراتيفود والالتهاب الكبدي الوبائي والرمد الصديدي والطاعون , وأمراض إصابة الجروح بالتقيح ويرقات الذباب المتوالد , وحمى الملاريا والفلاريا , والأمراض الأخرى التي قد تنقلها الفئران و من أخطرها على الإطلاق الطاعون…. فضلا عن الروائح الكريهة التي تصدرمنها , والمنظر القذر لأماكن السكن وما حولها.
و بعيداً عن العادات غير الصحية لتجمع القمامة تأتي أكثر الطرق المسببة لتلوث البيئة , و هي التخلص من القمامة عن طريق حرقها بين المساكن وهذه أساليب قديمة اعتاد عليها البعض و للأسف حتى شركات القمامة نفسها تقوم بذلك , و إذا كان التخلص من القمامة عن طريق الحرق إحدى الوسائل المعروفة صحيا والمعترف بها , فإنها يجب أن تتم بمواصفات خاصة بحيث لاتكون داخل حدود المدينة , حتى لا تؤثر الأبخرة المتصاعدة من المواد العضوية, وكذلك الدخان في تلوث الهواء الذي يساعد حتما في تكاثر أمراض الجهاز التنفسي .. علاوة على أن ضرره بالغ على المصابين بحساسية الصدر مثل الربو الشعبي أو الحلق أو الجهاز التنفسي العلوي , ويسبب كذلك احتقانا في العينين , وإحساسا بالإعياء .
أما بالنسبة للأحياء الشعبية و العشوائية في بعض مناطق العالم كمصر و الهند و هندوراس بنجلاديش, فنجد أن المساكن بها مكدسة , وبدون منافذ صحية , وتحتوي على أزقة ضيقة متعرجة , وجميعها قد تم تأسيسه بطريقة عشوائية تبتعد عن الأصول الصحية للمساكن, وخاصة في دول نامية لا توجد بها خدمات أساسية و هنا تبدأ مشكلة التخلص من القمامة , ويصبح إلقاؤها في الأزقة أو الأماكن الخالية القريبة من المباني أمرا عادياً .. كما أن عدم وجود وسائل الصرف الصحي السليم والاعتماد على (( الترنشات )) التي غالبا ما تطفح لتحول أكوام القمامة إلى كارثة كبرى في تلوث البيئة . وجميع هذه الأمور تقع مسؤوليتها الكاملة على المواطن المقيم الذي لا يعرف كيف يتعامل مع القمامة و لا يعي معنى نظافة المكان الذي يعيش فيه . ولكن تبقى مسؤولية الهيئات المسؤولة عن النظافة كبيرة في دول نامية تعتري أنظمتها الفساد و الفوضى.
إذا كانت المسؤولية تقع أساسا على المواطن , ثم بالتبعية على المجتمع ككل , فإن جزءا من المسؤولية تتحملها الأجهزة المسؤولة عن النظافة والتخطيط العمراني للمدن .. فيجب أن يلتقي الطفل دروسا تطبيقية في المحافظة على ملابسه وحجرته بالمنزل , وذلك على سبيل المثال بوضع سلة مهملات في المنزل ليلقي فيها بأكياس الحلوى الفارغة .. وتستمر هذه الدروس لتصبح عادة عنده حتى في المدرسة , وذلك بالحفاظ على الفصل والملعب والشارع نظيفاً .. وهذا السلوك مسؤول عنه ولى الأمر والمعلم ..أما الذين اعتادوا على المسلك الخاطئ , فإن القوانين الفورية الرادعة تحسم المواقف بتطبيقها دون تهاون على المخالفين .. ثم يأتي بعد ذلك دور الهيئات المسؤولة عن النظافة لتحافظ على الوجه الحضاري لكل شبر في الأرض التي استوطنها الإنسان .
وهناك طرق عديدة للتخلص من اماكن تجمع القمامة , بتحويلها إلى حدائق و مساحات خضراء, فالقمامة بعد جمعها من المنازل والشوارع ووضعها في المقالب المخصصة لها , يتم فرزها وتصنيفها حسب مكونتها : فضلات طعام , مواد صلبة , أوراق , جلود .. ثم تقوم الهيئات المعنية بتطوير المقالب العمومية إلى مقالب صحية خالية من عوامل تلوث البيئة سواء بالرائحة أو بالحشرات, أو بالحيوانات الضالة التي تعيش عليها .
وللتخلص من القمامة , بطريقة صحية , لابد من إعداد موقع مصمم هندسيا لاستقبالها , يحتوي على ميزان للسيارات المحملة بها , لحساب الكمية الواردة من كل حي أو منطقة ومعرفة عدد العاملين والأدوات المستخدمة لذلك .. كما لابد أن يحتوي هذا الموقع على نظام خاص لتصريف غازات المقلب الصحي , حيث لابد من وضع مواسير ( بولي فينيل ) , تم تثقيبها , ويوضع فوقها حوالي 60 سم من الحصى , وفوقها طبقة أولى من الرمل لا تقل عن 60 سم أيضا .. وهذا يعتبر بمثابة الفلتر للتخلص من الغازات , لأن غاز الميثان أخف من الهواء , ويبحث دائما عن مكان أقل ضغطا للصعود إلى أعلى .. ولكن لابد التعامل مع هذا الغاز الذي ينتج في البيئة العفنة بحرص لكونه من الغازات القابلة للأشتعال و ذلك بحساب نسبة تركيزه حتى لا تصل مستوى اللإشتعال و ذلك بسحبه بمضخات خاصة للتخلص منه.
ويعتمد أسلوب الدفن الصحي للقمامة التي يتم استقبالها يوميا على اساليب التجميع بطريقة الضغط حيث تضغط بالمعدات الثقيلة الخاصة لتقليل حجمها, وتغطي في نهاية اليوم بطبقة من الرمال لكي تمنع خروج الروائح وتهافت الحشرات.
وقد يكون من الجيد تحويل القمامة العضوية إلى مصانع تنتج الأسمدة العضوية, وهذا أفضل الحلول لتدوير القمامة العضوية علي أن يتم فرز باقي المواد يدوياً مثل الورق , والبلاستيك , والزجاج , والأقمشة والعظام .. أو بواسطة المعدات الحديثة حيث يتم فرزها مغناطيسياً , ثم تجري عملية خلط وتجانس للمواد لتقليل حجمها , وجمع القابل منها للتخمر في أكوام بأحجام مناسبة لإتمام التخمر نهائيا .. بعد ذلك يتم التقليب الميكانيكي , وتخزين الناتج وتعبئته , وهذا الأسلوب لاينتج عنه تلوث للبيئة سواء للجو, أو للأرض, أو الماء .. وفي الوقت نفسه نكون قد استفدنا من القمامة التي كانت تهدر فضلا عما تسببه من أضرار صحية و بيئية بتحويلها إلى سماد لاستغلاله في تحسين التربة الزراعية و بأعادة تصنيع ما يمكن تصنعية من بلاستيك و معادن.