الأخلاق أم الإتيكيت؟
يُستَخدم تعبيرا الأخلاق والإتيكيت (حسن التصرُّف) كمترادفين، ولكنَّهما يحملان في الواقع معانٍ مختلفة:
الإتيكيت:
حُسْنُ السلوك السائد المتعلِّق بالمعايير الثقافية وكيفية التصرُّف بلباقة، مثل إخبارك بالأشياء التي يجب -أو لا يجب- القيام بها؛ وهو يتجاوز الأخلاق، إذ إنَّه توجيهٌ للسلوك، مثل توجيهك لكيفية استخدام الشوكة والملعقة.
الأخلاق:
الأخلاق تقدير الآخرين، وهي جملةٌ من القواعد والإرشادات التي تُظهِر من خلالها احترامك للآخرين. إنَّ قولك عباراتٍ مثلَ “من فضلك”، و”شكراً”، مثالانِ على حُسْنِ الخُلُق، ولكنَّهما في نفس الوقت نوعانِ من الإتيكيت.
الإتيكيت أمرٌ هام:
يقول اختصاصيو التربية أنَّ الآباء الذين يهملون تعليم أطفالهم آداب السلوك الاجتماعي الأساسية، يضعون أطفالهم في وضعٍ غير مؤاتٍ في سنٍّ مبكِّرة، فإذا كنت تريد منهم أن يتعلَّموا آداب السلوك السليم، فيجب أن تمارس أولاً ما تنصحهم به. لذا، كن نموذجاً يُحتَذَى به لأطفالك.
أولاً: إتيكيت إلقاء التحية
1. قولُ “مرحباً”، وذكرُ اسم الشخص:
إذا كنت لا تستطيع تذكُّر اسم شخصٍ ما عندما تُحيِّيه، فاسأله؛ لن يفكر أحدٌ فيك بشكلٍ سيءٍ إذا طلبت معرفة اسمه، بل على العكس؛ فلربَّما أسعدهم سؤالك. لذا، علِّم أطفالك الترحيب باستخدام اسم الشخص.
تُفضِّل بعض العائلات أن يستخدم أطفالها ألقاباً، مثل: السيد، أو السيدة؛ لذا يعود الأمر لك في تعامُل أطفالك مع الكبار باسمهم الأول. ولكن، ربَّما يكون من الأفضل بالنسبة إليهم أن يتعلَّموا الألقاب المناسبة ليُحسِنوا التصرُّف في حال واجهوا موقفاً يُقدِّم فيه شخصٌ بالغٌ نفسه باستخدام تعابير مثل: “السيد فلان”، أو “السيدة فلانة”، لذا يجب عليهم حينها استخدام اللقب لإلقاء التحية على الكبار.
2. التواصل البصري:
تقدِّر ثقافتنا التواصل البصري؛ لذا شجِّع أطفالك على النظر إلى أعين من يرحبِّون بهم، ودرِّبهم على ذلك في المنزل، سواءً كان معك أم مع جديهم أم جيرانهم، حيث يتعلَّم الطفل بالتكرار، وإذا جعلت الأمر ممتعاً، فسوف يتذكَّرونه أكثر.
عندما يتواصل طفلك بصرياً بينما يستقبل شخصاً بالغاً، احرص على الثناء عليه جيداً، فقد يحتاج الأطفال الخجولون إلى مزيدٍ من التشجيع والممارسة؛ ولكن بعد فترةٍ من الزمن، ستكون التحية مع التواصل البصري عادةً طبيعية.
3. سؤال الشخص عن حاله:
إنَّ سؤال شخصٍ ما عن حالته طريقةٌ ممتازةٌ لإظهار الاهتمام؛ وفي حين يمكن أن تُقال في بعض الأحيان دون الكثير من الاهتمام، فلا يزال من الجيد أن يتعلَّمها أطفالك، ويمكنك تعليمهم قول أشياء مثل:
- كيف حالك؟
- هل أنت بخير؟
- كيف تسير أمورك؟
4. قولُ “سررتُ برؤيتك”:
بعد الانتهاء من محادثةٍ مع شخصٍ ما، فمن الأدب أن تُخبِره أنَّه لمن الجيد رؤيته، إذ يُعلِّم التدريب على قول ذلك طفلَك أن يكون لطيفاً مع الناس. يجب تعليم اللطف، فهو لا يأتي بشكلٍ فطريٍّ لجميع الأطفال أو البالغين؛ لذا عليك أن تشرح ما هو اللطف، ولماذا من الهامِّ إظهاره؛ فهو طريقةٌ صغيرةُ يمكن لطفلك من خلالها تغيير العالم من حوله.
ثانياً: إتيكيت الشكر والاستئذان
5. قول “شكراً على استضافتكم”:
إذا دعى شخصٌ ما طفلك لتناول وجبةٍ أو قضاء وقتٍ لِلّعب، فعلِّمه أن يشكر مضيفيه؛ فهذه العبارة طريقةٌ أُخرَى لإظهار امتنانهم. يتفاجأ الكبار عندما يُظهِر الأطفال التقدير، لكنَّ الشعور بالامتنان للمضيف قد يصبح عادةً طبيعيةً لدى أطفالك.
6. قول “هل تأذنُ لي من فضلك؟”:
مَن منَّا لم يسمع طفلاً يصيح قائلاً: “أريد هذا”؟، لكن حتَّى الطفل الصغير يمكنه أن يتعلَّم كيف يقول من فضلك. “تقمُّصُ الأدوار” طريقةٌ ممتعةٌ لتعليم هذا لأطفالك، فقط اجعل أوقات التعلُّم قصيرة، بحيث لا تزيد عن 15 دقيقة.
يمكنك إظهار الطريقة الصحيحة والطريقة الخاطئة لطلب شيءٍ ما، كما يمكنك فعل ذلك من خلال التظاهر بأنَّك الطفل الملحاح كثير البكاء، وسوف يستمتع الأطفال كثيراً عندما يدركون أنَّك تعلِّمهم شيئاً.
7. قول “شكراً لك”:
إنَّ الامتنان طريقةٌ مدروسةٌ لإظهار أنَّ الأشخاص يعنون لك الكثير. لا يأتي الصغار إلى العالم شاكرين وممتنين، وهذه العبارات هي شيءٌ آخر بسيطٌ تعلِّمه لطفلك عن طريق تقمُّص الأدوار.
ثالثاً: إتيكيت المائدة
8. الجلوس على المائدة:
الجلوس على الكرسي بشكلٍ مناسبٍ ليس نوعاً من الإتيكيت فحسب، بل هو أيضاً مسألة سلامة. استخدم “التعزيز الإيجابي – positive reinforcement” لتذكير طفلك بالجلوس، وحاول أن تقول: “أرِني كيف تجلس”، بدلاً من “لا تقف”؛ إذ يمنح التعزيز الإيجابي الطفل فرصةً لحلِّ المسألة بمفرده.
9. اسأل قبل أن تأخذ:
علِّم أطفالك أن يطلبوا الأشياء التي يحتاجونها بدلاً من أخذها من فوق الطاولة مباشرةً. وللأسف، يقوم العديد من البالغين بذلك. لذا، درِّب طفلك ليقول: “هل لي من فضلك أن آخذ كذا وكذا”.
10. قول “لا شكراً، أنا لا أُفَضّل تناول هذا”:
ليس من الضروري أن يُحبَّ أطفالك كلَّ شيءٍ يُقدَّم في الوجبة الواحدة، فعلِّمهم كيفية رفض الطعام الذي لا يريدون تناوله بلطف، وإنَّ مجرد عبارة “لا شكراً”، عبارةٌ ممتازةٌ بالنسبة إلى طفلٍ صغيرٍ ليقولها، ولكن يمكن لطفلٍ أكبر أن يقول مثلاً: “لا، شكراً لك، لا أفضِّل تناول البروكلي”.
يطرح هذا سؤالاً حول ما إذا كان يجب جعل الأطفال يأكلون كلَّ شيء يوضَعُ في طبقهم؛ وفي الحقيقة، هذا الأمر متروكٌ لك؛ لكن بشكلٍ عام، يجب أن يتناولوا -على الأقل- حصةً أو اثنتين من كلِّ شيء. إنَّها ممارسةٌ جيدةٌ ليتعلَّمها الطفل، وسوف تخدمه لاحقاً في الحياة.
11. تجنُّب وضع المرفقين على الطاولة:
من غير المحبَّذ في آداب الإتيكيت وضع المرفقين على طاولة الطعام، ومن السهل أن نكسر هذه العادة بالتذكير المتكرِّر. وبالطبع، سوف يحتاج الأب والأم إلى التقيُّد بهذا أيضاً.
12. قول “هلَّا عذرتموني؟”:
بشكلٍ عام، يجب أن يستأذن طفلك قبل أن يترك المائدة في نهاية كلّ وجبة. يمكنك تعليمهم الانتظار حتَّى ينتهي الجميع من تناول الطعام قبل أن يطلبوا مغادرة طاولة الطعام، إذ إنَّها لمجرَّد تصرُّفاتٍ جيدةٍ أن تنتظر الآخرين وتطلب الإذن قبل مغادرة الطاولة. كما أنَّ وقت مغادرتهم المائدة وقتٌ رائع ليشكروا مضيفهم على الوجبة.
رابعاً: التحدُّث في العموميات، قواعد تبادل الحديث
13. مقاطعة الحديث بطريقةٍ صحيحة:
يحتاج الطفل أحياناً أن يسألك عن شيءٍ ما؛ لذا علِّمه الطريقة الصحيحة لمقاطعة حديثك. يقوم البالغون بذلك طوال الوقت، وهو أمرٌ يحتاج الطفل إلى تعلُّمه؛ فلا تفترض أنَّهم سيكتشفون ذلك بأنفسهم.
يُعلِّم بعض الآباء الطفل لمس ذراعهم بلطف، ومن ثمَّ عندما ينظرون إليه، يمكن للطفل أن يقول: “معذرة،…” ويسأل عمَّا يريده. يتطلَّب الأمر تدريباً، ومن الصعب على الأطفال امتلاك التحكُّم بالنفس للانتظار، لكنَّهم سيتعلَّمون.
14. حديث البالغين:
يحتاج أطفالك أن يتعلَّموا كيف يَدعوكَ تتحدَّث مع زميلٍ في العمل أو مع صديقٍ دون أن يعلِّقوا على ما تقول، وغالباً ما يفعل الأطفال الصغار ذلك؛ لأنَّهم يريدون جذب كامل اهتمامك.
غالباً ما يفترض البالغون أنَّ الأطفال لا يمكنهم تعلَّم أشياء صعبةٍ مثل هذه، ولكن أطفالكم سيفاجئونكم. ولعبة تقمُّص أدوار هذه رائعةٌ لأطفالك، فيمكنك مثلاً التظاهر بالتحدُّث مع صديقٍ غير مرئيٍّ بينما ينتظر طفلك بجانبك حتَّى تنظر إليه، ولا تنسَ أن تمنحهم الكثير من الثناء عندما ينتظرون بصبرٍ في محاولةٍ لزيادة وقت الانتظار. استمرَّ في ممارسة هذا عندما تأتي الجّدَّةُ أو صديق، حتَّى يتمكَّنوا من تجربته في الواقع، وأثنِ عليهم عندما يحاولون جاهدين.
15. انتظار الضيف قبل أن يبدأ تناوُلَ الطعام:
لا يفهم الكبار هذا دائماً، ولكن يمكن لأطفالك تعلُّمه. لذا تدرَّب على ذلك في المنزل في وقت العشاء أو الإفطار، واجعل طفلك يجلس ويراقبك، واجعلها لعبةً له في أثناء جلوسك. ضع منديلك على حضنك، وارفع شوكة الطعام خاصَّتك، ثمَّ يمكنه التقاط شوكته والبدء في تناول الطعام. هنئه عندما يفعلها بشكلٍ صحيح، وكن صبوراً إذ يحتاج الأطفال إلى التكرار والتذكير.
أفكارٌ أخيرةٌ حول تعليم الأطفال الإتيكيت:
عزِّز ما تتوقَّعه من أطفالك عندما يكبرون؛ فقد يُتوقَّع من طفلٍ يبلغ من العمر عامين أن يقول فقط “مرحباً”، ولكن يجب على طفل عمره خمس سنواتٍ أن يقول “مرحباً سيد فلان، إنَّه لمن اللطيف رؤيتك”.
قد يشعر أطفالك بالخجل عندما تستقبل جارك، ولكن ذكِّرهم بمدى أهمية التركيز على الشخص الآخر بدلاً من التركيز على أنفسهم. سوف يساعدهم ذلك في الشعور بخجلٍ أقل.
ترك الآخرين مرتاحين سببٌ عظيم لامتلاك قواعد سلوكٍ جيدة، لكنَّ الإتيكيت مفيدٌ لطفلك أيضاً؛ لأنَّه يعدُّهم للحياة من خلال إعطائهم الأدوات التي يحتاجونها ليشعروا بالراحة في أيِّ مكان.
تعمل آداب السلوك على تحسين ثقة أطفالك حتَّى يتمكَّنوا من العيش دون الشعور بعدم الاستعداد للتعامل مع الآخرين كما يجب؛ لذا ابدأ تعليم أطفالك قواعد الإتيكيت، وسيشكرونك على ذلك لاحقاً.
المصدر