وهذا لا يعني أن المباني الخضراء كلها غير مكلفة, بل هناك حد أدنى في الوقت الذي فيه حد أعلى من المعايير التي فعلا مكلفة، ولا تأتي بالتوفير إلا بعد عدة سنوات. لكن يجب علينا أن نهتم بتوفير بعض التكاليف علينا لنتقيد بما هو مفيد، ويوفر علينا من تلك المعايير وأهمها العزل الحراري والتقنية الذكية لتشغيل وإيقاف الأجهزة أتوماتيكيا بواسطة خلايا وحساسات تفتح عندما ندخل وتقفل عندما نخرج، سواء للإنارة أو التكييف, الذي يشغله أطفالنا أو نساؤنا وتترك تشتغل وتصرف أو تهدر أموالنا طوال الشهر.. إذا فبعض معايير المباني الخضراء هي لمصلحة الوطن والمواطن فلماذا لا نطبقها؟
من المتوقع أن تبدأ مدن في الشرق الأوسط بوضع معايير إلزامية للمباني, وقد تكون الإمارات من أولى دول المنطقة التي تلزم مبانيها لتكون بمعايير واشتراطات خضراء. فقد أصبح إلزاميا في معظم مدن العالم ألا تصدر رخص أو فسح البناء إلا بعد الالتزام والتأكد من أن تصميم المبنى وتنفيذه سيكون مطابقا لمواصفات المباني الخضراء. ويقصد بها المباني التي تحد من انبثاق الكربون في الهواء، وتلوث البيئة، ورئة المواطن، وأن تكون فيها توفير أكبر لاستعمال الطاقة سواء الكهرباء أو الوقود في أنظمة التبريد والتدفئة, خاصة في تطوير مواد العزل الحراري والتكييف الموفر للطاقة واستعمال الطاقة الشمسية. وأصبحت تسمى مبان عديمة انبثاق أو انبعاث الكربون أو صفر الانبعاث, وأصبح عرفا دوليا ومقايسة عالمية إجبارية يجب أن يتقيد بها جميع الدول, لذلك فإنني أرى أن وزارة الشؤون البلدية والقروية ممثلة في أماناتها وبلدياتها يحب أن تفكر جديا في الموضوع قبل أن نجبر عليه, وألا يتم إصدار أي رخص وفسوحات مستقبلية إلا بعد مطابقتها مواصفات المباني الخضراء. وأن يتم تعديل أو إضافة تلك الاشتراطات والمواصفات لكود البناء السعودي الذي سيصدر قريبا ـ إن شاء الله. وأنظمة البناء والأمن وإطفاء الحريق لدى الجهات الأمنية والدفاع المدني وغيرها من الجهات التي لها علاقة. وأن يتم دعم الأبحاث العلمية في مجال البحث عن مواد أفضل للعزل، وتطوير صناعة التكييف الصحراوي التي لم تتحسن منذ عقود.
وبعد مؤتمر جدة للطاقة العام الماضي ومطالبتي بأن تكون السعودية المقر السنوي لهذا المؤتمر, وأن نصوغ الرؤية المستقبلية للمملكة, فالجميع يرى أننا من أكثر الدول التي في حاجة إلى مثل هذه الاشتراطات في ظل ظروفنا المناخية الحارة والقارسة, وما يؤدي إليه ذلك من تكلفة عالية ومصروفات فوق قدرة بعض المواطنين من جراء الهدر الكبير في استعمال الطاقة للتكييف. واسم المباني الخضراء المقصود به, إضافة إلى كون المبنى ذكيا، فإنه يجب أن يصل إلى مرحلة من التحكم بالطاقة ليصل معدل ما يبعثه المبنى من الكربون الملوث للجو درجة الصفر ZeroEmmision، ويحقق الاستدامة لفترة طويلة. وذلك يتطلب مواصفات عالية من العزل الحراري، واستعمال الأجهزة التي تستعمل غازات لا تصدر التلوث.
ومن المتوقع أن نرى في القريب العاجل تطويرا لاستعمالات أكثر ابتكارا للطاقة الطبيعية. وخروج أنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة. وفي مجال استعمالات المباني يعد المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حاليا للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية تحت اسم (ليد) LEED، وتليه هيئة أبحاث المباني البريطانية (مقياس بريام)، لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدينة بوسطن، وسياتل، ونيويورك، وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبان متعددة الأدوار, وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء. ولكل نوع من المباني، سواء كان صناعيا أو سكنيا أو صحيا معايير مختلفة. وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل السبوت لايت, للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة, وكل المباني القادمة لا بد أن تخضع لهذه إلا .. ويبدو أننا في المملكة والشرق الأوسط أصبحنا أمام الأمر الواقع، وأننا مجبرون على السير خلف القافلة, فالأمور تزداد سوءا والعالم من حولنا لن يسكت, ومن المتوقع أن تصدر إجراءات صارمة في هذا الخصوص.
وأخيرا توصلت بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء, التي توفر 25 في المائة من طاقة التكيف, وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات، وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح وتسقى عادة من مياه المطر أو تنقية مياه الصرف الصحي. وتلك الحدائق ليس بالضرورة أن تكون زهورا أو ثمارا, بل قد تكون نباتات صحراوية وصخورا تعزل الحرارة عن سطح المبنى. وبذلك فإن الحديقة من الرمل والنباتات تعمل كعازل حراري جيد في الصيف، وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
وهذا التوجه يعد فكرة قديمة بدأت في ألمانيا, حيث وصلت مساحة تلك المباني إلى حدود ثلاثة آلاف فدان عام 2003. وأخيرا قام مجلس مدينة تورنتو الكندية بالأخذ على عاتقه أن تغطي الأسطح الخضراء 50 إلى 70 في المائة من أسطح مدينة تورنتو.
وفي الوقت نفسه، بدأ المجلس الأمريكي للمباني الخضراء في التوجه إلى عدم الترخيص للمباني السكنية إلا بعد التقيد بمواصفات واعتبارات المباني الخضراء ومدى التوفير في الطاقة، وطول عمر المبنى، وتقليل مدى ما يبعثه للهواء الخارجي من تلوث, ومدى تنقيته للجو الداخلي لسكان المنزل.
الاحتباس الحراري يبدو أنه شر لا بد منه, ونحن نعاني قلة المطر والحرارة الشديدة .. فماذا يحمل لنا المستقبل؟ ويصاحبه ارتفاع أسعار البناء، فهل نعود إلى البناء بالطرز القديمة أم نطور صناعة المكيفات الصحراوية التي ما زالت بدائية, التي توفر كثيرا من الطاقة، مقارنة بأنظمة التكييف الأخرى؟ حري بنا أن نهتم بإلزام الجميع بالتقيد بأقل مواصفات المباني الخضراء مثل العزل الحراري وتقنية الفتح والإقفال لأنظمة التكييف والإنارة بواسطة خلايا وحساسات أتوماتيكية والبحث عن البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر إلى استيرادها. ودعوة إلى المسؤولين عن مدننا ومراكز البحث للحاق بالقافلة قبل أن تفوتنا.
المصدر: مهندس نت