فمنذ آلاف السنين نظر الناس إلى هذا الكون على أنه ثابت، واعتقدوا أن الأرض تمثل مركز الكون، وتدور حولها الشمس والكواكب والنجوم، والصورة التالية تمثل شكل الكون كما تخيله الناس لقرون طويلة.
في أوائل القرن العشرين تبين أن معظم النجوم التي نراها بالعين ما هي إلا جزء ضئيل من مجرتنا ” درب التبانة”، هذه المجرة تحوي أكثر من مائة ألف مليون نجم ، وشمسنا هي أحد نجوم هذه المجرة.
ولكن مجرتنا ليست هي الوحيدة في هذا الكون، فقد أدرك العلماء فيما بعد أن الكون مليء بالمجرات، فهو يحوي أكثر من مائة ألف مليون مجرة!!
لقد تأمل العلماء الكون وما فيه من نجوم ومجرات… واعتقدوا أن هذه المخلوقات مبعثرة ولا يوجد أي نظام يحكم توزعها. ولذلك بدأوا يطرحون سؤالاً: ما هو شكل هذا الكون إذا نظرنا إليه من الخارج؟ وبعبارة أخرى: كيف تتوزع المجرات والنجوم في هذا الكون الواسع؟
ما هو شكل الكون الذي نعيش فيه ؟
لقد تطلبت الإجابة عن هذا السؤال تصميم كمبيوتر عملاق. بلغ وزنه أكثر من مائة ألف كيلو غرام ، والعمليات التي ينجزها في ثانية واحدة، تحتاج الحاسبات الرقمية العادية مدة 10 مليون سنة لإنجازها. هذا الكمبيوتر سوف يقوم برسم صورة مصغرة للكون.
تم إدخال عشرة آلاف مليون معلومة، تشمل معلومات عن توسع الكون، وعن سلوك النجوم والمجرات، وعن المادة المظلمة، والغبار الكوني، ومعلومات حول أكثر من20 مليون مجرة! وعلى الرغم من السرعة الفائقة لهذا الجهاز إلا أنه بقي يعمل في معالجة هذه البيانات شهراً كاملاً!! وكانت الصور التي رسمها للكون كما يلي:
عندما رأى العلماء هذه الصور أدركوا على الفور أن المجرات لا تتوزع عشوائياً، بل تصطفّ على خيوط دقيقة وطويلة، وترتبط هذه الخيوط بعقد، وتشكل نسيجاً كونياً رائعاً! وأدركوا أيضاً أن كل خيط من خيوط هذا النسيج قد تم حبكه بالمجرات بطريقة شديدة الإحكام ، ولذلك أطلق العلماء مصطلحاً جديداً هو «النسيج الكوني».
لقد كانت المفاجأة بالنسبة لي عندما وجدتُ آية في القرآن الكريم تشير بوضوح كامل إلى هذا النسيج المحكم وما يحويه من خيوط حُبكت بإتقان، يقول تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وقد وجدتُ أن كلمة (الحُبُك) تعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذا النسيج الكوني . وهذا ما تأكدتُ منه بعد الرجوع إلى أقوال المفسرين وعلماء اللغة. حيث وجدتهم يتحدثون في تفسيرهم لهذه الآية عن نسيج مُحكم في السماء.
من عظمة هذه الآية أنها شديدة الوضوح ، فمنذ نزولها فهم منها المسلمون أن السماء التي أقسم الله بها هي ذات نسيج محكم وطرق مليئة بالنجوم ، ومع أنهم لم يروا هذا النسيج إلا أنهم آمنوا به لأن الله هو من حدّثهم عنه!! ونحن اليوم نرى في هذه الآية إشارة إلى حقيقة جديدة هي النسيج الكوني، وقد يتطور العلم فتأتي الأجيال القادمة لترى في هذه الآية ما لا نراه اليوم. وصدق الله عندما قال: (سنريهم آياتنا في الآفاق).
من أغرب ما صادفته أنني وجدتُ بحثاً حديثاً بعنوان: «كيف حُبكت الخيوط في النسيج الكوني»!!! ووجدتهم يؤكدون أن الكون قد حُبك بالمجرات والنجوم، والعجيب أنني عندما رجعتُ إلى تفسير ابن كثير وجدته يقول: «(والسماءِ ذَاتِ الْحُبُكِ): أي حُبكت بالنجوم» إنه تطابق مذهل بين ما قاله المفسرون منذ مئات السنين، وبين ما يراه العلماء اليوم!!!
وأخيراً لو توجهنا بسؤال لعلماء الغرب: ما رأيكم أن ما تكتشفونه اليوم قد تحدث عنه كتاب منذ القرن السابع الميلادي! إنهم سيقولون إن التنبؤ بالبنية النسيجية للكون يتطلب تقنيات متطورة جداً ولا يمكن لبشرٍ أن يتنبَّأ بذلك؟ ونقول لهم نعم، إن قولكم صحيح لو كان القرآن كلام بشر، ولكن القرآن كلامُ ربّ البشر تبارك وتعالى !!فهل تخشع قلوبكم أمام عظمة هذه المعجزة؟؟!
المصدر: افاق علمية