ان للحظ كيمياء اذا ما مس كلبا احاله إنسانا
ومن التوظيف الرائق لمفاهيم الكيمياء في العشق والصبابة تغزل الكيميائي والشاعر ابن النية المصري اذ يقول : تعلمت علم الكيمياء بحبهِ غزال بجسمي ما بعينيه من سقمِ
فصعّدت انفاسِ وقطّرت ادمعي فصح من التدير تصفيرة جسمي
ولايخفى على اللبيب ان الفاظ ( التصعيد , التقطير , التدبير ) من الفاظ الكيمياء القدييمة، وان تصّفير جسم المحب الملتاع تشبيه وكناية عن صفرة الذهب الذي اتعب الكيميائين السعي لتحصيلة :
لقد سبق وان اشرنا في بعض حلقات موضوع (الكيميائيون …… نوادر وامثال ) الى بعض الاشعار الرئقة للكيميائي والاديب المصقع الطغرائي التي يشير فيها الي فكرة علم الكيمياء (مفتاح العلوم والكنوز ) مثل قوله : و ورثت هرمس سر صنعته الذي مازال ظناً في الغيوب مرجما
و ملكت مفتاح الكنوز بحكمة كشفت لي السر الخفي المبهما
في الحقيقة لم يقتصر استخدام الكيمياء كمصطلح استعاري لتجسيد و ابراز احاسيس الغرام بل استخدم كذلك حديثا في المعاني السياسية و من احدث من ابدع في ذلك الشاعر نزار قباني في قصيدة عن انتفاضة اطفال الحجارة التي عنون لها بكيمياء الحجر!!!
اما فيما يتعلق بالادب الغربي فقد شهد عدة كيميائيين قرضوا الشعر، كان من اشهرهم الانجليزي همفري ديفي الذي كتب بعض الاشعار العاطفيه في صباة وكذلك هوفمان الشاعر والاديب والكيميائي الحاصل علي جائزة نوبل . لكن في الغالب تميز الادب الغربي في الكيمياء برز بوضوح في مجال الرواية والادب المسرحي .
الرواية الادبية الكيميائية… بين الخيال العلمي والفلسفة البشرية
للاسف كما كان الحال مع الشعر العربي- في الغالب- لم ينظر للكيمياء الا من وجهة النظر السلبية المتمثلة بمحاولة الكيميائين العبثية لتغير طبيعة الاشياء بطرق وتجارب عديمة الثمرة الحقيقية، فاننا نجد وبصورة مشابهة ان الادب الغربي وبالاخص في مجال الرواية كرّس و اكّد الصورة النمطية السيئة للكيمياء فيما يتعلق بجانبها المظلم. فمن ذلك مثلا رواية الدكتور جيكل والمستر هايد التي وظفت فيها الكيمياء كملخب قط مقيت لتشريح النفس البشرية واستخرج مكوناتها فهذه الرواية الفلسفية النفسية تدور حول عالم كيميائي يصنع مشروب او دواء كيميائي يكشف عوار النفس البشرية الشريرة، عندما يتحول العالم اللبق والخجول الي مسخ بشري بغيض. الانكى من ذلك والاسوء، اتجاه بعض الادباء الغربين الى ربط الكيمياء بجانب العواطف الغريزية الجنسية ، فكثير ما تستخدم توصيفات كيمياء العواطف والاحاسيس لاضفاء مزيد من التشويق لموضوع ملتهب اصلا و لهذا شاع استخدام مصطلح كيمياء الجسد للدلالة علي اللذة الجانحة . في الجانب المقابل توجد بعض الاعمال الادبية التي توظف الكيمياء في سياق مقبول وايجابي كرواية(الخيميائي) للكاتب البرازيلي المعاصر بابلو كويلو التي ترمز لسعي النفس البشرية وتلهفها الابدي للبحث عن قدرها الذى قد تطارده في اقاصى المعمورة (الشرق الاسلامي في الرواية المذكورة ) وهو في الواقع موجود في مسقط راس الانسان وتحت وسادتة وهو لايبصره.
على كل حال لقد تم استخدام الكيمياء بشكل متوسع جدا في الادب القصص الحديث المعروف بالخيال العلمى science fiction لدرجة ان الامثلة على هذة الاعمال الادبية عصيه على الحصر او المتابعة لكن يمكن الاكتفاء بالاشارة لبعض الاعمال الادبيةالمنتقاة، ليس لقيمتها الفنية فهي بالجملة ضعيفة فنيا مقارنه بكتابات الروائى الانجليز ه ج ويلز صاحب رواية آلة الزمن, لكن اختيارها تم لانها تدور بوضوح حول الكيمياء بالاضافة وهو الاهم ان مؤلفى هذه الروايات هم في الاصل من اهل حرفة الكيمياء لا بل ان احدهم حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء. العمل الادبي الاول هو احلام الكربون Carbon Dreams للعالمة الادبية سوزان جينيز التي انتجت توليفة مشكلة من قصة حب مع اعتراضتا سياسة مع العنصر الاهم وهو الرسالة العلمية الغير مباشره . هذه الرسالة العلمية تم توصيلها بشكل قصصي عن طريق تتبع احداث حياة عالمة محيطات شابة تحاول فهم احجية تغير المناخ الكوني ودورغاز CO2 في ذلك. الشيئ الذي ليس فقط له اثر علي تغيير المناخ لكن له ايضا نوع علاقه بالاحلام والكواليس المبثوثة في ثنايا الرواية. العمل الادبي الاخر له خاصيه فنية فريدة فهو عبارة عن عرض مسرحى قام بتأليفه رولد هوفمان الكيميائي والشاعر الشهير الحاصل على جائزة نوبل والكيميائى والروائي كارل دجيراسي المشهور في اوساط الصيادلة والكيمياء العضوية بأبو حبوب الحمل (لمساهمته في اكتشافها وتطويرها). لقد حمل عملهما الفني المسرحي اسم (أكسجين) Oxygen، وهو يدور حول احداث متخيلة لنقاش ومحاجة علمية يديرها اعضاء لجنة جائزة نوبل لاختيار شخصية كيميائية تاريخية عاشت قديما و تستحق ان تمنخ الجائزة الرفيعة . بلا شك كان اكتشاف الاكسجين حدثا ومفصلا علميا كبيرا يستحق مكتشفة منحه جائزة نوبل الاستثنائيه هذه، ولهذا تدور احداث المسرحيه لمحاولة معرفة العالم الاكثر استحقاقا لهذا الانجاز من بين عدة علماء كبار مثل لافوازية وبريستلي كلا ساهم بجهد هام في هذا الاكتشاف.
الصورة أقوي من الف كلمة
في الختام ما زال هنالك مجال اخر فني شاق كان للكيمياء تاثير تفاعلي معه و هو مجال الفن التشكيلي و التصوري. كما هو معلوم يوجد قائمة طويلة جدا من الوحات الفنية التي تدور حول علماء الكيمياء و احداث الكيمياء الكبرى فعلي سبيل المثال هناك رسومات مشهورة تخلد تجارب لافوازية مع غاز الاكسجين. و في المقابل بعض مفاهيم الكيمياء في لوحات الفنانين المعاصرين مثل سلفادور دالي. العجيب في الامر ان هنالك معارض فنية حديثة لا تعرض لوحات فنية مرسومة او مصورة و لكن تعرض نتاج البحوث العلمية الجادة مثل الاشكال الثلاثية الابعاد لبعض المركبات الكيميائية مثل الادوية و الهرمونات و غيرها. هذة الاشكال مولدة بالحاسب الالي و لا شك لبعضها لمسات فنية مقبولة. اخيرا هنالك ايضا الاشكال الفنية البديعة التي تصور بعض اكتشلفات الكيمياء و رجالاتها المشهورين ، لكن هذة الاشكال موجودة علي طوابع البريد التذكارية و ليست علي جدران المعارض الفنية.
المصدر: مجلة المياه
Source: Annajah.net