يجد الكثيرون صعوبة في الحفاظ على الإنتاجية وإنجاز العمل اللازم، مما يؤدي إلى الإرهاق والتعب وفقدان الحافز مع مرور الوقت؛ إذ لا يجعل العمل من المنزل زيادة الإنتاجية بالأمر السهل، وقد بدأت الشركات تدرك الخسائر الناتجة عن العمل من المنزل من قبل الفرق القيادية والموظفين؛ ومع ذلك، فإنَّ عدداً قليلاً جداً من الشركات تمتلك الموارد المناسبة لتوعية القوى العاملة وإطلاعهم على طرائق العمل من المنزل، وهذا هو السبب في أنَّ الكثير منهم يعانون في عملية التوازن الدقيقة المتمثلة في عدم تعارض حياتهم العملية مع حياتهم الشخصية.
حتى قبل أن يأتي فيروس كورونا (COVID-19) إلى العالم، كان من المحتمل أن يصبح العمل من المنزل حقيقة واقعة، حيث صرح نحو 80٪ من العاملين الذين شملهم استطلاع الرأي لشركة أول لابس (Owl Labs) أنَّهم يفضلون العمل من المنزل ولو لبعض الوقت، وتشكل هذه الإحصائيات أخباراً رائعة لجميع الأطراف المعنية؛ إذ تشير التقديرات إلى أنَّ الشركات القادرة على السماح لموظفيها بالعمل عن بُعد ستحقق وفورات سنوية قدرها 11000 دولار لكل موظف يعمل عن بُعد لنصف الوقت، مع توفير إضافي من (2500-4000) دولار سنوياً للموظفين الذين يختارون العمل عن بُعد.
كيف نجهز موظفينا إذاً للنجاح في أثناء عملهم من المنزل؟ وما هي العوامل التي تحدد إنتاجية قادة الشركة وموظفيها في أثناء العمل عن بُعد؟
تكمن الإجابات في الدماغ من خلال تحديد عادات يومية للنجاح تركز على تعزيز تواصل القادة مع الموظفين وإنتاجية الموظف والمشاركة والمعالجة الإدراكية المستمرة؛ وفيما يأتي 5 طرائق لزيادة الإنتاجية يستطيع الموظفون اتباعها في أثناء العمل من المنزل:
1. الحصول على النوم الكافي لتحقيق النجاح:
يوجد سبب يجعلنا نقضي ثلث حياتنا نائمين، فالنَّوم قوة خارقة نمتلكها جميعاً بالفطرة؛ ومع ذلك، يَذكُر ثُلثُ العاملين اليوم أنَّهم يواجهون مشكلات مستمرة في الحصول على الحد الأدنى اللازم من النوم، والذي يصل إلى مدة 7 ساعات كل ليلة؛ فالنَّوم ضروري لمساعدة المخ والجسم على الراحة؛ ولكنَّه بالغ الأهمية أيضاً لترسيخ الذكريات والمعالجة الإدراكية عالية المستوى.
إذا كنت ترغب حقاً في إنجاز مزيد من الأعمال في أثناء العمل من المنزل، فامنح الأولوية لنومك بحيث تذهب إلى الفراش وتستيقظ في الوقت نفسه كل يوم؛ حيث سيساعدك ذلك على فهم ساعتك البيولوجية وتحسين قدرتك على الشعور بالنشاط باستمرار.
يمكن أن تكون قيلولة منتصف الظهيرة طريقة رائعة أيضاً لمنح الدماغ والجسم فترة راحة قصيرة، طبعاً ما دامت القيلولة أقل من 20 دقيقةً، وهو الحد الأدنى الذي يساعد الدماغ على النوم بعمق؛ في حين يمكن أن تجعلك الراحة لفترة أطول من ذلك تستيقظ وأنت تشعر بالدوار والتعب والإرهاق لأنَّك ستستيقظ في منتصف دورة النوم.
هل ما زلت مقتنعاً بأنَّ النوم غير هام؟ حسناً، استمرَّ في القراءة، فقد أجرى باحثون في جامعة ميشيغان (University of Michigan) دراسة في عام 2014 كشفت عن زيادة مدهشة بنسبة 24٪ في دخول الناس للمستشفيات بسبب النوبات القلبية التي حدثت في اليوم الذي يلي تغيير التوقيت الصيفي في الربيع عندما نفقد ساعة من اليوم؛ وتلا هذه النتائج أيضاً انخفاض بنسبة 21٪ في عدد النوبات القلبية خلال التوقيت الشتوي عندما نكسب ساعة في اليوم؛ فإذا كان تغيير بسيط كهذا يؤدي إلى هذه العواقب الوخيمة، فمَ الذي تعتقد أنَّه سيحدث لجسمك وعقلك إذا فقدت (2-3) ساعات من النوم كل ليلة وباستمرار؟
نَم كما لو أنَّ الإنتاجية في أثناء العمل من المنزل تعتمد على النوم؛ لأنَّ الأمر فعلاً كذلك.
شاهد بالفديو: 4 أخطاء فادحة عليك أن تبتعد عن ممارستها قبل النوم
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/pmxioVzzQBs?rel=0&hd=0″]
2. ممارسة التمرينات الرياضية لبناء القدرة الجسدية والعقلية:
تعدُّ التمرينات البدنية من المحفزات الفعالة للدماغ والجهاز العصبي، ويوجد سبب لتحرك الأطفال داخل رحم الأم؛ إذ من المعروف أنَّ الحركة تشكل قوة دافعة كبيرة وراء تطور نظامنا العصبي ونضوجه؛ ورغم أنَّ الأطفال قد لا يتعمدون القيام بهذه الحركات، إلَّا أنَّنا نعلم أنَّ النشاط البدني هو أساس هام للتطور السليم للدماغ ولأنظمة المعالجة الإدراكية عالية المستوى.
قد نعتقد أنَّ فوائد التمرينات الرياضية تتعلق فقط بفقدان الوزن وبناء العضلات والحفاظ على الوزن الصحي، ولكنَّها تحمل أيضاً فوائد كبيرة لصحتنا العقلية والعاطفية؛ إذ يمكن أن تقلل تمرينات الآيروبيك مثل الركض والسباحة وركوب الدراجات والمشي من مستويات القلق والاكتئاب عن طريق تعزيز النشاط في الفص الجبهي، وهي منطقة في الدماغ مرتبطة بتقدير الذات الإيجابي والشخصية والمعالجة الإدراكية.
تعدُّ الحركة عاملاً أساسياً لزيادة قدرتنا على تعلم مهمات جديدة والتركيز؛ ذلك لأنَّها تؤثر في إفراز بروتين معين يُدعَى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، والمسؤول عن تحسين المرونة العصبية والتعلم والذاكرة؛ وقد أكدت الدراسات أنَّ الإنتاجية تتحسن في مكان العمل وينخفض التغيب عن العمل من خلال المبادرات الصحية والبرامج التعليمية المتعلقة بمكان العمل؛ والتي تركز على التمرينات البدنية، وتؤثر إيجاباً في جميع مجالات الحياة الشخصية والمهنية للفرد.
إذا كنت تريد بالفعل أن تكون قائداً متميزاً، وأن تمضي بحياتك المهنية إلى الأمام من خلال العمل من المنزل، فاتخذ قراراً بممارسة التمرينات الرياضية.
3. استخدام الطعام لتغذية جسمك ودماغك:
كان توماس إديسون (Thomas Edison) سابقاً لعصره عندما قال في عام 1903: “لن يعطي طبيب المستقبل أي دواء، ولكنَّه سيهتم بمرضاه في رعاية جسمهم البشري، وفي النظام الغذائي ومعرفة أسباب المرض وطرائق الوقاية منه”؛ فالتغذية هي العمود الفقري للصحة، حيث توفر المواد الأولية التي تساعدنا في الحفاظ على أدمغتنا وأجسادنا، وتخضع دائماً إلى عملية إعادة تشكيل وإصلاح مستمرة من الضغط الذي نفرضه على أنفسنا طوال الحياة.
يمكن أن تغير خيارات الطعام على نحو كبير ما نشعر به، وتُستخدَم كمصدر أساسي لنشاط الجسم؛ إذ لا يغذي الطعام أجسامنا فحسب، وإنَّما يغذي البكتيريا التي تعيش داخل أجسامنا، حيث تشكل هذه البكتيريا المفيدة علاقة عضوية مع أجسامنا، مما يعني أنَّ كلا الطرفين يستفيد من وجود الآخر؛ كما تلعب البكتيريا دوراً كبيراً في تنظيم العمليات التحريضية الأساسية، وقد شاركت مؤخراً كوسيط في ظهور حالات التحلل العصبي مثل مرض ألزهايمر وباركنسون والتصلب المتعدد؛ كما تلعب بكتيريا الأمعاء دوراً كبيراً في تنظيم جهاز المناعة، حيث إنَّ 70٪ من الخلايا المناعية موجودة في جهازنا الهضمي؛ كما تلعب دوراً بالغ الأهمية في إنتاج الناقلات العصبية، وتشير أحدث التقديرات إلى أنَّ الأمعاء تنتج ما يقارب 90٪ من مادة السيروتونين (serotonin) في أجسامنا، وهو ناقل عصبي يسبب الشعور بالسعادة ويصبح غير متوازن في حالات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
لم يعد الطعام هامَّاً بسبب مذاقه وقوامه فحسب، وإنَّما يلعب دوراً أساسياً في صحتك العامة وعافيتك؛ فأنت تمتلك القدرة على زيادة مستويات طاقتك وإنتاجية عملك من المنزل طوال اليوم؛ ويفهم القادة الحقيقيون هذه المبادئ ويقومون بما هو ضروري لزيادة إنتاجيتهم ومستواهم في العمل.
4. الاستفادة من تقنيات إدارة الوقت:
غالباً ما نضبط مؤقتاً لتذكيرنا بمواعيد الطعام والاستيقاظ وممارسة الرياضة؛ ومع ذلك، نادراً ما نضبط مؤقتاً للعمل، وربما لم تخطر في بال معظمنا مطلقاً هذه الفكرة؛ علماً أنَّ استخدام مؤقت لتحديد أولويات العمل كان موجوداً في عالم الأعمال لسنوات عديدة.
لقد اختُرِعت تقنية بومودورو (تقنية الطماطم) (Pomodoro technique) في التسعينيات لزيادة الإنتاجية من خلال الاستفادة من فترات زمنية متسلسلة من العمل المركز، حيث ابتكرت كتقنية لتقسيم المشاريع الكبيرة والمهمات التي تستغرق وقتاً طويلاً إلى فترات صغيرة ومقبولة مدتها 25 دقيقة، مع ملاحظة صغيرة: عُيِِّنت الفترات الزمنية الأقصر لاستخدامها بدقة للمَهمَّة التي نعمل عليها ولا شيء آخر؛ ولتطبيق هذه التقنية، يجب عليك استخدام الخطوات التالية:
- اختيار المهمات التي تريد القيام بها.
- ضبط المؤقت على 25 دقيقة.
- بدأ العمل حتى ينتهي المؤقت.
- أخذ فترة راحة قصيرة لمدة 5 دقائق، ثم العودة مرةً أخرى إلى العمل.
- أخذ فترة راحة أطول مما سبق -تقريباً من (15-30) دقيقةً- عند كل 4 فترات عمل متتابعة.
قد لا يبدو هذا الفارق هاماً جداً كفكرة أولية؛ ومع ذلك، يعدُّ عاملاً هاماً للعمل من المنزل، تحديداً عندما تفكر في الأمر على أنَّ العامل العادي ينقطع عن العمل وسطياً كل 3 دقائق و5 ثوانٍ، وتتناقص الفواصل الزمنية كل دقيقتين و11 ثانية عند استخدام جهاز إلكتروني مثل الحاسوب أو الهاتف المحمول؛ بمجرد استخدام تقنية بومودورو، يمكن للعامل عن بُعد تحسين إنتاجيته على نحو كبير من خلال التخلص من العوامل الخارجية التي تشتت انتباهه عن العمل؛ والجدير بالذكر أنَّ عوامل التشتيت هذه ليست مجرد إضاعة للوقت، وإنَّما تهدر القدرات العقلية الثمينة وموارد طاقة، حيث يستخدم الدماغ 20٪ تقريباً من احتياطيات الطاقة في الجسم لإنتاج رسائل كهربائية بين الخلايا العصبية والحفاظ على سلامة الهياكل العصبية المختلفة، ويؤدي التغير المفرط بين المهمات إلى استنفاد موارد الدماغ المرغوبة، مما يؤدي إلى معدلات أسرع من الإرهاق والتعب وتراجع القدرة في ضبط النفس وتغيير المعالجة الإدراكية.
وقتك ثمين، لذلك لا تهدره في أشياء لن تفيدك على الأمد الطويل، حيث تعتمد شركتك وموظفوك على مهاراتك القيادية لتكون ذكياً في جميع الأوقات.
5. وضع جدولٍ زمنيٍّ خاصٍّ بمهماتك لتحقيق النجاح:
كم مرة خصصت وقتاً لقص شعرك؟ وماذا عن تغيير زيت سيارتك؟ قد تبدو هذه الأسئلة تافهة، لكنَّها تطرح نقطة هامة، ألا وهي: تعدُّ الجدولة طريقة ثابتة للتأكد من إنجاز الأمور.
يوفر العمل من المنزل العديد من الكماليات التي لا يمكن العثور عليها في المكتب، ولكن من السهل الاعتقاد بأنَّ هذه المرونة الإضافية تعني تنظيماً أقل ليومك، والعكس صحيح؛ فإذا كنت تعمل عن بُعد، فقد يكون تحديد جدول زمني للوقت وطريقة العمل الذي تريد إنجازه أحد أهم العوامل لتسهيل إنتاجيتك على مدار اليوم؛ ذلك لأنَّه من السهل الوقوع في فخ العمل طوال اليوم، والتحقق من بريدك الإلكتروني في ساعات المساء، وعدم وضع حد لنهاية يوم عملك.
يعدُّ إعداد جدول زمني عنصراً أساسياً لتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية، فهو يساعد على وضع هيكل محدد يستخدمه العاملون عن بُعد، والذي يعد أمراً صعباً الآن لأنَّهم يعملون من المنزل ويأخذون استراحة متى أرادوا ذلك.
كما يعدُّ وضع جدول زمني لبدء العمل وإيقافه أمراً بالغ الأهمية لتجنب الإرهاق، وقضاء الوقت بعيداً عن العمل مع أهلك وأصدقائك، والاستمتاع بوقتك الشخصي؛ حيث سيوفر وضع هيكل للعمل مثالاً يستخدمه موظفوك وأعضاء فريقك، مما يسهل تحقيق نتائج أكبر وزيادة إنتاجية العمل من المنزل؛ فكما يقول بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin): “يخطط أولئك الذين يفشلون في التخطيط للفشل”.
الخلاصة:
لتحقيق نجاح العمل عن بُعد، يتطلب الأمر قيادة فعالة للفرد والفريق، ويجب أن يفكر الجميع بالطريقة نفسها لتسهيل الأنظمة والأساليب المناسبة للتواصل.
اللحظة التي يبدأ فيها القادة والأفراد في الابتعاد عن المسار الصحيح هي عندما يفقدون تركيزهم على إنتاجية العمل من المنزل ونجاح الفريق، وتعدُّ الفردية ضرورية لتحويل حلم العمل عن بعد إلى حقيقة؛ لذلك يجب على القادة جعل حوادث الفشل طرائق لتحقيق أعضاء الفريق والمنظمة النجاح، ويجب أن يكون تنفيذ هذه الخطوات البسيطة سهلاً ومستمراً على الأمد الطويل؛ ولكن لن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، فقد أصبحت مقولة: “أنت تحتاج لـ 21 يوماً لتكوين عادة جديدة” بالية وقديمة، حيث تشير الأبحاث الجديدة إلى أنَّ الأمر يستغرق في الواقع 66 يوماً كحدٍّ وسطي لتكوين عادة جديدة؛ وكلما عمل القادة باستمرار لخلق هذه العادات، أصبحت أسهل عليهم.
المصدر