نقابة الصحافيين في مصر… أزمة ديمقراطية أم تصفية حسابات؟

القاهرة ــ «القدس العربي»: كان الموقف غير مُعتاد بأن تداهم قوات الشرطة مقر نقابة الصحافيين لتلقي القبض على اثنين من أعضائها حاولا الاحتماء بها. فتوالت تبعات الموقف من الحشد الاحتجاجي الكبير للصحافيين والمطالبة بعزل وزير الداخلية واعتذار رئيس الدولة، وتعنت الدولة وإصرارها إرساء أساليبها في مواجهة الأزمات، بدأت المفارقات والانشقاقات داخل صفوف الصحافيين، وبالفعل نجحت الدولة عبر المحسوبين عليها منهم في تنفيذ ما انتوته. وحدث تراجع كبير في موقفهم، وأصبح الأمر يقتصر على اعتصام قِلة منهم في مقر نقابتهم.

نقابة الصحافيين في مصر… أزمة ديمقراطية أم تصفية حسابات؟

[wpcc-script type=”95f1bf56e1a90f31cff17576-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: كان الموقف غير مُعتاد بأن تداهم قوات الشرطة مقر نقابة الصحافيين لتلقي القبض على اثنين من أعضائها حاولا الاحتماء بها. فتوالت تبعات الموقف من الحشد الاحتجاجي الكبير للصحافيين والمطالبة بعزل وزير الداخلية واعتذار رئيس الدولة، وتعنت الدولة وإصرارها إرساء أساليبها في مواجهة الأزمات، بدأت المفارقات والانشقاقات داخل صفوف الصحافيين، وبالفعل نجحت الدولة عبر المحسوبين عليها منهم في تنفيذ ما انتوته. وحدث تراجع كبير في موقفهم، وأصبح الأمر يقتصر على اعتصام قِلة منهم في مقر نقابتهم.
من ناحية أخرى يبدو موقف رجل الشارع العادي، الذي يتراوح ما بين تأييد الموقف الصحافي، أو غير المهتم، الذي يرى أن الصحافة دوماً تلعب لصالح السُلطة ــ في ما ندر ــ فاتركوها تجني بعض أفعالها. وبغض النظر عن موقف «المواطنين الشرفاء» الذين استأجرتهم الدولة لتصبح المواجهة شعبية لهؤلاء عديمي المسؤولية، الذين يريدون تهديد الاستقرار وإسقاط النظام والدولة، فالحالة مجرد مثال يخص المناخ الديمقراطي، وطبيعة ووجهة نظر السُلطة التي تتحكم في البلاد الآن.

الأزمة

بداية ترى همت سلامة نائبة مدير موقع (برلماني) الإخباري التابع لجريدة «اليوم السابع»، أن ما حدث من اقتحام الشرطة لمقر النقابة والقبض على اثنين من الصحافيين، يعتبر إهانة للنقابة وتاريخها، وبناء عليه أعلنت النقابة عن عقد اجتماع طارئ بحضور جميع ممثلي مجلسها، وشهدت بالفعل حشداً غير مسبوق من الصحافيين لتأييد موقف النقيب يحيى قلاش الذي أعلن عدة قرارات تمت الموافقة عليها بالكامل، وجاء أهمها ــ بغض النظر عما آلت إليه الأمور ــ الإصرار على طلب إقالة وزير الداخلية، تقديم رئاسة الجمهورية اعتذاراً واضحاً لجموع الصحافيين، الإفراج عن جميع الصحافيين في قضايا النشر، إصدار قانون منع الحبس فى قضايا النشر، دعوة جميع الصحف المصرية والمواقع الإلكترونية لتثبيت لوغو «لا لحظر النشر.. لا لتقييد الصحافة».
وتشير سلامة إلى موقف جريدة «الأهرام» العريقة، التي حسب وصفها (شذّت) عن جميع الصحف، إذ تنشر خبراً بعنوان «فشل الجمعية العمومية للصحافيين». وهنا كانت بداية الانشقاق في الصف الصحافي، سواء من جانب الصحف ورؤساء تحريرها، أو داخل أعضاء مجلس النقابة أنفسهم، وأعلنت مؤسسة الأهرام عن مؤتمر لتصحيح المسار، ورفضت القرارات التي أعلنتها النقابة بشكل صريح. اللافت هو تحوّل جميع المواقف التي كانت مؤيدة لقرارات الجمعية العمومية للنقابة إلى النقيض، لنلاحظ أن الإعلام بمختلف أشكاله أخذ على عاتقه تصدير فكرة أن هذه القرارات الهدف منها إسقاط الدولة وإقحام الرئيس في الموضوع، بل وصل الأمر إلى مطالبة بعض الإعلاميين بسحب الثقة من نقيب الصحافيين ومجلس النقابة بالكامل، إضافة إلى موقف أعضاء مجلس النواب، الذي دفع ببعضهم إلى المطالبة بذبح الصحافيين، الذين يهدفون إلى هدم النظام!

التحريض على قلب نظام الحكم

ووجهة النظر الأخرى يراها الكاتب الصحافي في جريدة «الشروق» عماد الغزالي، قائلاً.. الحقيقة إننى رفضت موقف نقيب الصحافيين منذ البداية، ولو كنت مكانه لسلّمت بنفسي الصحافيين الصادر بحقهما أمر ضبط وإحضار للنيابة العامة، وكلفت محامي النقابة بالدفاع عنهما، وينتهي دورى عند هذا الحد، أما أن أتمسك بإيواء متهمين بالتحريض على قتل رجال الشرطة وقلب نظام الحكم والتحريض ضد الجيش ورجاله وضد رئيس الدولة، فهذا يسيء للنقابة وللصحافيين. وكان الأولى أن تدين النقابة ما فعله الزميلان وأن تعاقبهما، لأن الخلط بين السباب والتحريض والكذب من ناحية، وحرية الرأى من ناحية ثانية أمر لاعلاقة له بالحق فى إبداء الرأي والتعبير، وهو أحد الخطايا المهنية الكبرى التي ترتكب يومياً في الإعلام المصري والصحافة على وجه الخصوص.

اختطاف النقابة والمناداة بسقوط حكم العسكر

ويستكمل الغزالي.. كما أن رفع شعار» الصحافة ليست جريمة «وتصوير المسألة على أنها معركة دفاع عن حرية الصحافي وكرامته، إنما هو تدليس واضح، هي مقولات حق يراد بها باطل. وبحسب فهمي للتركيبة المسيطرة على النقابة الآن ودوافعها، فإن رفع هذه الشعارات هو مجرد «عنوان «لجذب أنصار جدد للمعركة، فيتم تجييش النقابات والجمعيات إياها والتويتات العابرة للحدود، ويتم تشغيل كتائب الفيسبوك بأقصى طاقتها، تمهيداً لرفع الشعارات الأصلية للمعركة، وهي» يسقط حكم العسكر» و»الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو ما يفسر هذا التصعيد السريع والزج بالرئيس في المعركة والإصرار على مطالب يرفضها قطاع كبير من الصحافيين، لصالح قلة تختطف النقابة وتوجهها وفق أهوائها وتريدنا أن نخوض معركتها.

خطأ النقيب ومجلسه

وفيما يخص «جبهة تصحيح المسار» يضيف عماد الغزالي.. ظني أن كثيرا من الزملاء الذين انتفضوا دفاعاً عن نقابتهم فعلوا ذلك بحسن نية وبدوافع حقيقية خوفاً على نقابتهم، وهو ما ينقلنا إلى الجانب الآخر، أعني جبهة تصحيح المسار التي انتفض أصحابها دفاعاً عن نقابتهم ضد قلة تحاول اختطافها. هذا الانقسام يتحمل مسؤوليته نقيب الصحافيين الحالي يحيى قلاش، الذي تصرف بطريقة لا تليق بموقعه كنقيب لصحافيي مصر جميعاً على اختلاف انتماءاتهم. هذا لا يعني الموافقة على تصرف الداخلية، التي كان عليها أن تنتظر خروج الصحافيين المطلوبين لإلقاء القبض عليهما تجنباً للصدام، لكن خطأ النقيب ومجلسه في التعامل مع الأزمة برأيي أنكى وأشد.

معركة الديمقراطية

ويرى الشاعر والروائي شحاتة العريان، أنها ليست أزمة (النقابة) وحدها ولكن أزمة (الشعب) وليست مع (الدولة) بل مع (الداخلية). وهذا ما يضع الأمور في نصابها.. فالصحافيون عين ولسان الشعب لمتابعة أداء الموظفين العموميين، وهي سلطة رابعة، بمعنى أنها تمثل المستوى الأول من الرقابة الشعبية المباشرة على أداء مؤسسات الدولة. ولأن الإدارة العليا للبلاد مُمَثلة في رئيس الدولة ومجلس الوزراء وقعوا اتفاقية لترسيم حدود مصر البحرية، يترتب عليها حين نفاذها الانتقاص من حدود البلاد والتنازل عن جزيرتين، هذه الإدارة التي فاجأت الشعب بالتوقيع على الاتفاقية، فخرج متعلموه يعبّرون عن غضبهم من تصرفها غير الدستوري والمخالف لحقائق الجغرافية والتاريخ. وهو غضب مشروع ينظم القانون التعبير عنه سلمياً، غير أن وزارة الداخلية ارتأت غير ذلك واستصدرت أوامر ضبط وإحضار لعدد من الصحافيين لجأ منهم اثنان للنقابة. ولكون الداخلية تريد إرسال رسالة للكافة أنه لا شيء يحد من سلطتها في الاقتحام والتنكيل بالمختلفين حول مسألة الجزيرتين اللتين طلب «السيسي» ألا يتكلم الشعب في موضوعهما، فكان لابد من قطع لسان الشعب! وما نحن فيه معركة فاصلة بين الديمقراطية والاستبداد، ينبغي الاحتشاد خلالها حول مجلس النقابة المنتخب قولاً واحداً، وأي كيانات أخرى ليست سوى محاولة لشق الصف. وأنا لا أثق عموماً سوى بالمنتخب الذي يراعي أصوات ناخبيه، ويعمل على إرضائهم للحصول عليها مجدداً. أما مسألة شيوخ الصحافة والحكماء وما شابه فمجرد تصورات ولدينا المجلس الأعلى للصحافة يمثل هؤلاء، ومواقفه حكومية على الأغلب.. فليحتشد الصحافيون حول مجلس نقابتهم ونقيبهم المُنتخبين.

أزمة الصحافيين أنفسهم

وفي الأخير ترى ثناء هاشم أستاذة السيناريو المساعدة في المعهد العالي للسينما، بأن ما حدث في مُجمله يغيب عنه المنهج والتفكير في السياسة، إذ كيف يبدأ الأمر بالحد الأقصى من المطالب! إذن ما هي مساحة التصعيد؟ وأنا ــ تقول هاشم ــ قابلت عدداً من الصحافيين قالوا لي إن ما يهمهم من النقابة هو الراتب الشهري الذي يتقاضونه لكي يتمكنوا من الحياة، وما يفعله قلاش ضد مصالحهم المباشرة، فماذا سيكون مصيرهم لو وضعت النقابة تحت الحراسة مثلا مثلما حدث مع نقابة المهندسين؟ الوضع شائك والصحافيون خسروا تعاطف الشارع وهذه خسارة كبيرة أن تفقد بطانة الدعم الشعبي الذي يراهم بالأساس زمرة من الانتهازيين المرتزقة، أما حرية التعبير التي يدافع عنها بصدق قلة قليلة ممن رحم ربي فتائهون بين الغباء السياسي لكبارهم وغشم السلطة وتعنتها. ويبدو الموقف الآن في غاية الصعوبة متمثلاً في إيجاد تسوية مع السلطة التي وضعتهم في موقف حرج. وفي تقديري أنه لابد من اجتماع الجمعية العمومية، التي من حقها وحدها أن تقيل المجلس إذا مَثّل خطراً حقيقياً على مصالح أعضائها، وهذا توجه غالبية الأعضاء الآن على ما يبدو. وتختتم هاشم.. في رأيي أن أزمة الصحافيين كشفت مدى بُعدهم عن الشارع، رغم أنهم المنوط بهم حماية مصالح المواطنين، فضلاً عن هوانهم على السلطة مما يتوجب عليهم إعادة حساباتهم جيداً.

نقابة الصحافيين في مصر… أزمة ديمقراطية أم تصفية حسابات؟

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *