القذارة تشاطرني بيتي

  وأخيرا قرر الزوج “ع” إن يكشف بحديثه عن خفايا قلبه الكبير وبعد إن كان يهمس في آذان الدجى كلماته الصامتة تاركا صدى لوعتها في أعماق صدره وبين ناظريه تنسل أشباح القهر كأنها أبخرة متولدة من مشاعره السجينة وهو في كل يوم ينظر إلى زوجته بفؤاد منقبض ويبسط إليها صفحات مشرقة تضيء على نفسيهما لمسات سحرية لرؤية أنيقة وجذابة وبلمحة واحدة تنسى زوجته كل ذلك وتعيد إليه القهر والتنهد ومع كل تنهيدة تنسلخ شعلة من فؤاده المتقد فتتضعضع أحلام الجمال في مخيلته إلى إن تنسل نهائيا من واقعه الحاضر.

بدأ حديثه بعد إن سال على شفتيه صمت محزن فشخص بعينه الى شيء منظور في فضاء بيته ليعلن ما في داخله من الألم وبعد ان اتشحت ملامح وجهه بنقاب من الحياء والخجل معا قال أنها زوجتي … نعم، زوجتي ضاعت في مجالس التقولات وغرقت في لجج الكسالى فلم يعد يثلج صدرها سوى اضاعة الوقت والركون الى الفتور والكسل والاستسلام للفراغ مما اثر ذلك سلبيا على نظافة البيت والأولاد حتى اصبحت اشباح القذارة تحوم حولنا ، فتعب قلبي في داخلي لأنني لم اعد ارى ما طالما توهمته فالقذارة تشاطرني زوجتي، اولادي وكل ما في بيتي بأثاثه وغرفه وجدرانه وارضيته وروائح كريهة تنبعث من كل ركن من اركان المنزل.

وأكمل الزوج “ع” حديثه بعد ان صب من كؤوس العلقم الذي تجرعه من افعال زوجته حتى بدأت اجنحة اليأس تضعف من صوته فصمت وصمت وطال به التفكير، فقد انهكه الكلام وكلّ لسانه وهدت قواه وضاق قلبه من الكلام والشكوى.

عزيزي القارىء/ عزيزتي القارئة، وكان لا بد من الكلام لتكملة المشوار، وبدأت كلماته المتقطعة تتفلت من بين شفتيه حتى تمر من روحه وبدأ صراخه يعلو في المكان وقال: لقد اخذت بيديها ذات مرة وشددت عليهما لأنني لم اعد اطيق قلبي المتقد بحرارة مما يرى، وبعد ان امتلأت وجنتاي بدموع اليأس وبعد ان استيقظت ذات صباح على طابور من الديدان خارجا من مسكنه في سلة القمامة يتراقص على ترانيم القذارة في وسط ارضية المطبخ سعيدا بما التهمه من وليمة اثناء ظلمة الليل … نعم، شددت على ذراعيها وصفعتها في وجهها بعد ان استسلمت طويلا لأفعالها وانا انقاد كالأعمى صامتا ساكتا مما ارى حتى انني لم اعد اطيق ان يدق باب بيتي احد من اصحابي ولا حتى من ضيوفي فأول ما يدخل الضيف الى بيتي يحدق بنظرات لمشاهد محزنة يراها فتستوقفه وتملأ قلبه لوعة لتمثل له خرائب النظام وقذارة المكان او ربما يصوب نظره الى ما يرى فيأخذ بمجامع قلبه فيحاكي امارات وجهه بالصمت والذهول وقد يخرج من عينيه بريق محرق اثارته لوعة المكان يمازجه السؤال مستفهما عن حال صاحبة هذا البيت وهو جالس معقود اللسان حائر.

وكذا تمر الدقائق وهو يعيش مع صمته ناظرا الى ما وراء الأشياء وكأنه رأى رسوم الأناقة قد اضمحلت ببطء وحل مكانها هواجس هائلة من القذارة وقلة التهذيب ليجد نفسه منحجبا عن النظافة كانحجاب العين عن النور فتسبح نفسه بما يرى ثم تعود كأنها تبحث عن مشاهد تبهر قذارة المكان وعن نسيمات تنعش هواء الغرفة، اما انا فأنظر بعينين كئيبتين الى هذا المشهد الذي جعلني استصغر نفسي واستضعفها حتى اصبحت حالتي بين امرين: إما ان اتملص كل يوم من البيت لأزيل قطرة من مرارة الحزن عن جسدي، واما ان اقف كل يوم اتطلع من خارج النافذة لعلي ارى انقلابا يحول الاثاث الى نجوم منثورة ودراهم لامعة، وها انا في كل يوم اتساءل متى يتبدد الضباب عن نفسها ليكسبها الهدوء والاستقرار فترفع شراعها لتتصالح مع الوقت وتصافحه وتتأهب للمسير نحو الأفضل فتتغلب حمامة اناقتها على نسر فوضويتها.

عزيزتي الزوجة، ان الزوج “ع” ابتلي بزوجة لا تهتم بنظافة بيتها ولا حتى بمظهرها الخارجي مع ان للنظافة اثرها على النفس البشرية لذا فإهمال المرء نظافته بنفسه وبيته اجحاف بالنفس وعدوان على طبيعتها وبما ان جمال الأشياء في نظافتها، امر الله عز وجل عباده بالتزين والتجمل من غير اسراف مع التأكيد على ان لباس التقوى هو الساتر الحقيقي للانسان فقال تعالى { يا بني آدم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} والمرأة المسلمة ينبغي ان تعمل على الاهتمام بمظهرها الخارجي حسب طاقتها وقدرتها وهذا مباح ولا غبار عليه ما دام لا يتعدى حدود الشريعة الآمرة بستر العورة للرجال والنساء على السواء، قال تعالى{قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق} فالتجمل والاعتدال فيه والانضباط امر حسن ومحمود في مظهر المرأة المسلمة، وكما اننا يجب ان نلبس لكل حالة لباسها الذي يريح القلوب والأبصار كذلك نرتب بيتنا على ما ترتاح له الأذواق بما لا يتناقض مع شريعة الله.

اقرئي عزيزتي هذا النص :” انكم قادمون على اخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في اعين الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش” ( اخرجه ابو داود).

  ان المرأة المسلمة تحب دائما مزاولة العمل في بيتها واصلاحه وعدم الركون الى الكسل والاستسلام للفراغ فلا نطالبها بالامتناع عن مجالسة الجارات ولكن تحدثي، اختاه، معهن فيما يقربكن الى الله حينها تجدين السعادة والانشراح والفرح مع الاعتناء بمظهرك وجمالك وترتيب نفسك وبيتك والزمي بيتك الا لأمر مهم فإن بيتك سر سعادتك { وقرن في بيوتكن} ففيه تجدين طعم السعادة وتحافظين على ناموس شرفك ووقارك وحشمتك، فلا تقضي ساعاتك عبثا، فإياك وهجران البيت الذي بدوره يؤدي لإهمال البيت ونظافته والذي فيه الأمن والراحة والاستقرار لك ولأهل بيتك فاجعلي من بيتك جنة بالنظافة والنظام، وبالتنظيم والترتيب تحققين اهدافا كبيرة وبدونهما يضيع الجهد والزمن والهدف.

    وكما قال سعيد حوى:” تصور لو ان انسانا اهمل وضع ملابسه كلا في مكانه فكم يضيع من زمن للعثور عليها اذا اراد استعمالها، فإذا تكرر ذلك فما اكثر الزمن الضائع وقس على ذلك فإذا كان هذا في الأمور الصغيرة فما بالك في الأمور الخطيرة فالتنظيم والترتيب ادب المسلم في كل حال فالمسلمة بيتها منظم ومرتب، الحمام نظيف، اوراق الاستعمال جاهزة، ادوات الطهارة موجودة، سلة لوضع اوراق الاستعمال، طاولة نظيفة ومرتبة، مطبخها نظيف ومرتب، ادواته جاهزة للاستعمال بشكل دائم، غرفها نظيفة ومرتبة، كل شيء في محله، هندامها مرتب، تلبس لكل حالة لباسها، وقتها منظم: فقسم للعبادة وقسم للمطالعة وقسم لواجبات البيت وقسم لواجبات الأرحام وقسم لواجبات الاخوات وقسم للدنيا وقسم للآخرة.

وقد كان صلوات ربي وتسليمه عليه من أحرص الناس في استغلال الوقت، فلا تمر لحظة الا واستثمرها فيما هو خير ونافع.

  والعاقل هو الذي يعرف قدر وقته وشرف زمانه فلا يضيع ساعة واحدة من عمره الا في خير للدنيا والاخرة.

واننا نقول لهذه الزوجة وامثالها التي كانت تضيع اوقاتها في مجالس ليس لها هم ديني ولا همة في المعرفة والثقافة، الم تسمعي عن ابن الجوزي عند موته كان يبكي ويقول : قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومن قال سبحان الله وبحمده غرس له نخلة في الجنة” وقال فكم من نخيل ضيعناها؟!

وهذا هو الخطيب البغدادي- رحمه الله- كان لا يمشي الا وفي يده جزء يطالعه حفاظا على وقته.

وهذا ابو الوفاء بن عقيل الحنبلي – رحمه الله- يقول عن نفسه” لا يحل ان اضيع ساعة من عمري حتى اذا تعطل لساني عن مذاكرة او مناظرة وبصري عن مطالعة اعملت فكري في حال راحتي وانا منطرح فلا انهض الا وقد خطر لي ما اسطره واني لأجد من حرصي على العلم وانا في عمر الثمانين اشد مما كنت اجد وانا ابن عشرين سنة”.

فكم من الأيام والسنين تضيع من حياة هذه الأمة على حين يسهر اعداؤنا ويكدحون ، فهنا نعمل بوصية الرسول الأعظم التي يقول فيها:”اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك”.

وأخيرا: ان كنت ، اختاه، ألممت بتقصير فاستغفري الله وتوبي اليه وتخيلي انك قد ملكت كل ما تريدين من آمال وأحلام، ووصلت الى كل ما تريدين من أمنيات ثم فجأة ضاع منك كل شيء بغير فائدة حينها ستبكين وتتوجعين وتتحسرين وتعضين على اصابعك ندامة وحسرة على ما ضاع منك، فما بالك بعمرك الذي يضيع منك وانت لا تشعرين؟!

 

   ان عمرك جوهرة نفيسة لا تقدر بأي شيء مادي وهذا العمر في حقيقته عبارة عن انفاس، كل نفس يخرج لا يعود اليك ابدا، وهذه الأنفاس هي رأس مالك في الدنيا، تستطيعين ان تشتري به ما تشائين من نعيم الجنة.

قال ابو الدرداء- رضي الله عنه- :” ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم انما انت ايام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم انك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك امك”.

يا من يعد غدا لتوبته

اعلى يقين من بلوغ غد

المرء في زلل على امل

ومنية الانسان بالرصد

ايام عمرك كلها عدد

ولعل يومك آخر العدد

فتأملوا اخواني اخواتي، في يومكم وليلتكم كم هي الأوقات التي امضيناها في طاعة الله، نسأل الله العلي القدير ان يجعلنا نستثمر اوقاتنا في طاعة الله ومرضاته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *