تنفذ من ثغرة سد النهضة إلى إثيوبيا.. هل تنجح موسكو بفرض حضورها في القرن الأفريقي؟

ما فتئت روسيا تحث الخطوة تلو الأخرى، وتناور مرة بعد مرة من أجل استعادة نفوذها القديم بمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والذي تمتعت فيه بعلاقات قوية على المستوى العسكري والسياسي ردحا من الزمن.

Share your love

Addis Ababa, July 12, 2021 (FBC) – Ethiopia and Russia have signed military cooperation agreement after discussing several areas of partnership for three days. Finance Division State Minister of the Ethiopian National Defense Force, Martha Liwij said the agreements signed will have a paramount significance in transforming the longstanding relations between the two nations to a higher level. The agreement will be focusing on transforming capacity of the national defense force in knowledge, skill and technology spheres. The eleventh Ethiopia-Russia Military-Technical Cooperation Forum reviewed the activities that have been undertaken subsequent to the 10 edition of the forum and set directives to future endeavors.
اتفاقية التعاون العسكري الروسي الإثيوبي تفتح لموسكو نافذة واسعة لتعزيز نفوذها بالقرن الأفريقي (الصحافة الإثيوبية)

ما فتئت روسيا تحث الخطوة تلو الأخرى، وتناور مرة بعد مرة من أجل استعادة نفوذها القديم في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، والذي تمتعت فيه بعلاقات قوية على المستوى العسكري والسياسي ردحا من الزمن.

ورغم المصاعب التي واجهتها في الدخول إلى المنطقة بالمستوى الذي ترغب فيه، فإنها ظلت حاضرة بصورة أو بأخرى، فمنذ عام 2008 ظلت علاقاتها بالمنطقة في تنام مضطرد.

علاقات قديمة وثيقة

تمتد العلاقات بين روسيا وإثيوبيا إلى ما يربو على قرن من الزمان، إذ يحفظ الإثيوبيون أن السلاح الروسي هو الذي هزم الإيطاليين في معركة “عدوا” عام 1895، ومن الأهمية بمكان أن نذكر المحطات المهمة في هذه العلاقة:

  •  كان بداية الظهور الدبلوماسي الروسي في إثيوبيا عام 1902.
  •  بدأت العلاقات الرسمية بين البلدين عام 1943.
  • أنشأ الاتحاد السوفياتي (السابق) قواعد بحرية وجوية وبحرية في الجزر الإريترية التي كانت تحت الاحتلال الإثيوبي حينها.
  •  بلغت العلاقات ذروتها في عهد حكم “الدرق” بقيادة العقيد منغستو هايلي مار يام، وقد دعمت موسكو إثيوبيا بمساعدات عسكرية بلغت 11 مليار دولار في حربها مع الصومال حول إقليم أوغادين في سبعينيات القرن العشرين.
  •  لم ينقطع التعاون العسكري الإثيوبي الروسي حتى بعد سقوط منغستو، ولكن لم يكن بالمستوى الذي يرضيها، لكنها كانت تتحين الفرص، حتى واتتها تحت الأزمات التي تتعرض لها إثيوبيا الفترة الأخيرة.
فتح لقاء آبي أحمد وبوتين في قمة سوتشي 2019 آفاق التعاون بين البلدين بالمجال العسكري (رويترز)

قمة سوتشي خطوة في رصف الطريق

التقى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في قمة روسيا أفريقيا التي عقدتها موسكو في سوتشي عام 2019، بالرئيس فلاديمير بوتين، واتفقا على تعزيز التعاون العسكري وزيادة المبيعات العسكرية الروسية لأديس أبابا، التي استلمت بموجبها منظومة الدفاع الصاروخي “بانتسير إس1” (pantsir-s1) كما تم الاتفاق بين الطرفين لبناء محطة للطاقة النووية بإثيوبيا، وقبلها وعام 2017 أدرجت موسكو إثيوبيا ضمن أهم أسواق الأسلحة الروسية في أفريقيا.

استغلال روسيا اتفاق التعاون العسكري

تُعرَف السياسة الروسية في منطقة القرن الأفريقي بأنها “انتهازية ملتزمة ” ليس لديها ثوابت محددة ولا حدود معينة، فهي تعمل مع الأضداد والمتناقضات، وفي القرن الأفريقي شواهد كثيرة.

فروسيا قدمت السلاح لإثيوبيا والصومال اللتين تقتتلان على إقليم أوغادين سابقا، وفي الحرب بين هذين البلدين عامي 1998ــ2000 باعت الأسلحة لطرفي الصراع، بهدف تحريك سوق السلاح، إضافة إلى انتهازها فرصة تراجع علاقات مصر بالولايات المتحدة بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي وحاجة مصر للسلاح، ورفعت من مستوى العلاقات العسكرية معها. وهكذا تتصيد موسكو الفجوات وتتحين الفرص دون الدخول في صراع مرهق مع المنافسين لها.

طبيعة الاتفاق

عقد طرفا الاتفاق العسكري محادثات كان عنوانها “اللقاء 11 للجان الفنية المشتركة” استمرت 3 أيام، أسفرت عن توقيع الطرفين على الاتفاقية، ولكن لا يفوت على فطنة المتابعين للشأن في إثيوبيا الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها منذ 4 فبراير/شباط 2020.

فالانتكاسات التي تعرض لها الجيش الفدرالي في إثيوبيا، وممارسة الغرب ضغوطا هائلة عليها، وفرض عقوبات عليها من خلال قيود على من تصفهم الولايات المتحدة بأنهم وراء التجاوزات في حرب تيغراي، وتجميد المساعدات، واتهامات إثيوبية لجهات لم تسمها بالتنسيق مع تيغراي في مواجهة الحكومة المركزية.

إضافة إلى رغبة أديس أبابا في وضع رسائل في بريد حلفائها بأن لديها بدائل وأن هامش المناورة لديها ممكن ومتوفر:

  • تطوير العلاقات القائمة إلى مستوى أفضل.
  • تدريب الجيش وتحديثه.
  • مبيعات السلاح الروسي.
  • تطوير القدرات الفنية والتقنية للجيش الإثيوبي.
Egypt's President Abdel Fattah el-Sisi and Russia's President Vladimir Putin at the 2019 Russia-Africa Summit in Sochi, Russia Image: REUTERSتدرك روسيا صعوبة إحداث اختراق في جانب مصر والسودان بحكم علاقتهما الوثيقة مع واشنطن (رويترز)

أهداف روسيا من الاتفاق

في إطار الإستراتيجية الروسية للعودة إلى أفريقيا بسياسة إعفاء الديون مقابل شراء الأسلحة، تمكنت موسكو وبسرعة خاطفة من التوغل في أفريقيا، وتحقيق مكاسب إستراتيجية كبيرة، فقد تمكنت بين عامي 2014 و2020 من بناء علاقات عسكرية مع ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، والعدد مرشح للزيادة.

وصارت روسيا أكبر مورد للسلاح لأفريقيا جنوب الصحراء. وقد أعفت في سياق هذا التوجه دينا على إثيوبيا يبلغ 163.6 مليون دولار، لينفتح لها باب التعاون العسكري على أوسع أبوابه:

وعلى المدى القريب تسعى إلى تحقيق التالي:

  • توسيع مبيعات الأسلحة واحتكار سوق السلاح الإثيوبي وتعميقه على المدى الطويل.
  • إعادة بناء تحالفات حقيقية في منطقة القرن الأفريقي.
  • استعادة نفوذها والامتياز الذي فقدته منذ 30 عاما مضت.
  • المشاركة في جولة الصراع الجديد على أفريقيا، وحجز مواقع مهمة فيها.
  • استغلال المنطقة كقاعدة انطلاق لتوسيع نفوذها بمناطق أخرى من القارة، باعتبارها بوابة لوسط وجنوب أفريقيا.

وعلى المدى البعيد تسعى إلى تحقيق:

  • بناء قاعدة لها بالبحر الأحمر، والذي طالما كانت موجودة على ضفتيه الشرقية والغربية ردحا من الزمان.
  • تعزيز نفوذها بالشرق الأوسط في ظل ارتباط أمن منطقة القرن الأفريقي بأمن منطقة الخليج، في ظل السياسة الدولية الجديدة
  • البحث عن التميز في التعامل مع الأفارقة عبر بناء نماذج ناجحة في التعاون العسكري والأمني والسياسي.
  • الضغط على مصر والسودان من أجل منح روسيا إنشاء قواعد في البحر الأحمر، وهو هدف إستراتيجي لموسكو.
سد النهضة الإثيوبي – المصدر : مواقع التواصل الاجتماعيتسعى إثيوبيا لكسب موقف روسيا في ملف سد النهضة لأهميته بمجلس الأمن (مواقع التواصل)

أهداف إثيوبيا من الاتفاق:

  • رغم كون إثيوبيا حليفا تقليديا للقوى الغربية، فإن الوضع الجيوسياسي والديموغرافي الذي تتمتع به يمنحها ميزة تنافسية بالنسبة للقوى المتنافسة بالمنطقة برا وبحرا.
  • تعزيز القدرات العسكرية في التدريب والتسليح، خاصة بعد ظهور نقاط ضعف كبيرة في حرب تيغراي الأخيرة، وفشل الجيش الإثيوبي في مهامه بالإقليم.
  • كسب الموقف الروسي في ملف سد النهضة بمجلس الأمن الدولي، بعد الموقف الأميركي والأوروبي الذي يختلف مع آبي أحمد في طرق معالجة الخلاقات الداخلية، وقد بدت نتائجه في الظهور.
  • حاجة إثيوبيا لبناء أجهزة أمنية قوية في ظل تفوق الروس في الأمن السيبراني.
  • حاجة إثيوبيا لمنظومات دفاعية متقدمة لحماية سد النهضة ضد أي هجوم قد يتعرض له من قبل مصر.
  • إيجاد حليف يقدم ما لا يقدمه الحلفاء التقليديون في بعض المنعطفات المهمة، كالموقف الذي تواجهه إثيوبيا الوقت الراهن.

آفاق التعاون العسكري بين الطرفين

رغم حرص موسكو على اقتناص أي فرصة تلوح لها من أجل استعادة نفوذها القديم أو صنع فرص جديدة، فإنها تدرك وعورة الطريق الذي تسلكه وحقل الألغام الذي تخوضه بسبب الفيتو الغربي لأي اقتراب من معاقلها التقليدية.

لهذا اتسمت إستراتيجيتها في التعامل مع مثل هذا الفرص بانتهازية بالغة، مستفيدة من هذه الفرضية وبناء قواعد لعب عليها، بحيث يحقق لها المكاسب التي تخطط لتحقيقها، خاصة وأنها لا تملك ما تقدمه على مستوى المشروعات الاقتصادية، كما تفعل الصين.

لذلك، ربما سيكون هذا هو النهج الذي ستتعامل به روسيا في مقارباتها، وهو فتح أسواق لصناعاتها العسكرية، وبيع التقنيات الإلكترونية ذات الصلة بالعمل الاستخباري والأمني، ومن الصعب توقع نجاحات لأي إستراتيجية دون سند اقتصادي بالقارة الأفريقية.

ورقة “النهضة” وكفة الترجيح لصالح إثيوبيا

حرصت روسيا على عدم التدخل في ملف سد النهضة، وقد صدر عنها عدد من المواقف التي تبدي فيها توازنا بين أطراف النزاع، وتقدمت بمقترح لتجنب العواقب السلبية لسد النهضة، على مصر والسودان، عبر توصيات علماء الهيدرولوجي الروس، تم تقديمها للخرطوم أواخر أيام حكم البشير، كما تمت مناقشة الأمر ذاته مع وزير الخارجية المصري.

لكن مع ظهور الفرصة التاريخية بإثيوبيا في هذا المنعطف التاريخي لها، أبدت روسيا موقفا أقل ما يقال عنه إنه في صالح أديس أبابا، باجتماع مجلس الأمن الدولي في 8 يوليو/تموز الجاري.

وهو ما عدّه المصريون تحولا للموقف الروسي ضدهم، ولصالح غريمتهم (إثيوبيا) رغم حرصها على إرضاء القاهرة باعتبارها حليفا أيضا. لكن يبدو أن كفة المصالح بدت أوفر مع إثيوبيا وليس مع مصر، خاصة وأنها تدرك أن الأخيرة مرتبطة باتفاقات مع الغرب لا تستطيع تجاوزها مهما ادعت قربها من روسيا.

إضافة إلى الرغبة الروسية في مزاحمة القوى الأخرى بمنطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، عسى أن تظفر بفرصة تاريخية تعيد بها مجدها السابق.

الظهور الروسي والقلق الأميركي:

تمكنت الولايات المتحدة من حرمان الروس من بناء قاعدة لهم في جيبوتي بالضغط على الرئيس عمر جيله، كما تمارس ضغوطا كبيرة على الحكومة الانتقالية السودانية، من أجل فسخ اتفاق البشير مع الروس، قبيل سقوط حكمه، في منح روسيا موقعا للدعم اللوجستي بالبحر الأحمر، وهنا ربما تستغل فرصة تطور العلاقات مع إثيوبيا وإريتريا، وتقيم قاعدة لها بالبحر الحمر، وهو ما يزيد القلق الأميركي.

يضاف إليه القلق والخوف الغربي من تكتل صيني روسي ضد مصالحها، خاصة أن موسكو وبكين تجمعهما اتفاقات ثنائية وجماعية مثل “بريكس” مما يعتبر تحديا كبيرا للنفوذ الغربي عموما والأميركي خاصة.

خلاصة

ومع أن الرغبة الروسية العارمة في إيجاد موطئ قدم لها بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر، وما تقدمه اتفاقية التعاون مع أديس أبابا من أوراق قوة لموسكو وتعزيز نفوذها بالمنطقة، فإن قدرة الروس على تحدي واشنطن محدود، بسبب قوة التحالفات التي أنشأتها الأخيرة مع الحكام، ووجودها الكثيف وحلفائها على أرض الواقع أمنيا وعسكريا، خاصة بعد الهيمنة على السودان عبر حلفائها.

وما دامت موسكو تتبع السلوك الانتهازي فربما تحقق عددا من المصالح، ولكنها لن تستطيع بناء تحالفات إستراتيجية طويلة الأمد على حساب المعسكر الآخر، ولكنها في ذات الوقت لن تكف عن البحث الدائم في إحداث الثغرات، بشكل متكرر في جدار الهيمنة الأميركية في قرن الأزمات الدائمة، بحثا عن لحظة توازن أو غلبة لرؤيتها ومصالحها.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!