التنويم الإيحائي هو حالة يتم فيها تضعيف الوعي لدى الإنسان حتى يسهل النفاذ إلى العقل الباطن “اللاوعي” ليتم عن طريقها تغيير بعض الأفكار و القناعات السلبية، أي تتم بإرباك المخ من التنسيق بين المعلومات لفسح المجال أمام العقل الباطن، وتتميز هذه الحالة بتركيز الإنتباه تركيزاً قوياً مصحوباً بالأسترخاء ودرجة عالية من الإيحاء الإيجابي مع عوامل مساعدة من الإيماء كالموسيقى وحركات الجسم والصوت، إذن هو حالة من الإرتخاء الذهني والجسدي وتركيز الانتباه على نقطة معينة مما تجعل الفرد أن يكون مستعداً لتلقي الأقتراحات المفيدة الصادرة من المنوم والعمل بها، فمع التركيز الذهني يبقى نوع من الوعي مركز حول نقطة بعيداً عن المحيط الخارجي ومعنى ذلك أن المنوم “النائم” مغناطيسياً يبقى ذهنه وتركيزه متصلاً وواعيا بشكل اتصال دائم ومركز بالشخص المنوم. وقد يكون التنويم الإيحائي ذاتياً أي أن الشخص نفسه يدخل هذه الحالة أو بأرشاد شخص آخر مختص، أن ظاهرة التنويم الإيحائي هي ظاهرة حقيقة فسيولوجية يمكن قياسها كما أن هناك طرق مختلفة لمعرفة قابلية الأشخاص لتقبلهم التنويم الإيحائي والتأثر به، ومع نوعية كل شخص يتم اختيار الطريقة المناسبة للتنويم. يشاع تسمية علم التنويم الإيحائي خطئاً بأسم التنويم المغناطيسي نسبة إلى فرانس مسمر 1851 – 1734 الذي اعتقد بأن الظاهرة تتضمن انتقال تأثيرات مغناطيسية حيوانية “Animal Magnetism ” فقد بدأ مسمر بعلاج المرضى بتمرير قضيب مغناطيسي على اجسامهم ثم استبداله بتمريرات من يديه على جسم المريض معتقدا بالخطأ، أن المغناطيسية الحيوانية الموجودة في جسمه تنشط السائل أو المائع المغناطيسي في جسم المريض التي يكون المرض قد أضعفها ، فالتسمية الواضحة باللغة العربية هو علم التنويم الإيحائي، اما مصطلح التنويم المغناطيسي هو في الواقع خطأ شائع سببه الترجمة والتلازم التأريخي بين التنويم الإيحائي والمغناطيسية الحيوانية.
التنويم الإيحائي وعلاقته بالنوم العادي: في التنويم الإيحائي يكون الفرد في حالة شبيهة بالنوم وليس النوم نفسه لذلك سمي بالتنويم، والتنويم الإيحائي لا علاقة له اطلاقا بحالة النوم العادي، إذ أن النوم الطبيعي يحتوي على عدة مراحل تشمل حركات بسيطة مع سرعة حركة العين ” RAPID EYE MOVEMENT
REM- “ وتحدث فيها الأحلام وبعض الموجات الذهنية التي تسبق اليقظة، إلا أن التنويم الإيحائي هو حالة بين النوم واليقظة حيث يبقى خلالها المنوم ” النائم ” بين الوعي واللاوعي أي جزء من الوعي على ارتباط بالعالم الخارجي، أن التنويم الإيحائي حالة شبيهة بالنوم لكنه يختلف عنه فسلجياً “فسيولوجيا” حيث يتم التنويم الإيحائي بطريقة فنية صناعية بالإيحاء والإيماء من المنوم المختص، فهو عملية أو أسلوب علاج نفسي لعلاج الإضطرابات النفسية والجسدية ويتأثر عمقاً بزيادة التركيز الذهني والاسترخاء الجسدي، ويعتمد على قابلية الإيحاء وعلى التفاعل الاجتماعي والثقة بين المنوم “النائم” وخبير التنويم المختص. وعلى نقيض المعتقدات السائدة فإن الفرد الذي يكون تحت تأثير التنويم الإيحائي هو في سيطرة تامة على نفسه، ولا يقول أو يعمل أي شيء يجده منافياً للأخلاق، حيث تتم عملية التنويم الإيحائي طوعيا وإراديا، كما انه ليس كل شخص قابل للتنويم فهناك اختلافا كبيرا بين الأفراد الذين يمتلكون خاصية تسمى القابلية للتنويم.
إساءة فهم التنويم الإيحائي: أنه علم موضع تقييم وتطور ويعتمد على الثقافة العامة للشعوب، فهناك من يجد فيه الفائدة العلاجية وهناك من يتحفظ عليه، ولأسباب عديدة نجد الفهم الخاطئ للتنويم الإيحائي ، فالمبالغة أن بمقدور الإنسان أن يتعلم كيف يزيل بواسطة التنويم الإيحائي جميع الأمراض والعلل خلال دقائق معدودة، فقد يوجد بعض الأفراد الذين لا يستفيدون من العلاج التنويمي، كما أن الفرد قد يحتاج إلى جلسات علاجية كثيرة وقد يخضع إلى طرق مختلفة من الاساليب التنويمية، فالمنوم الإيحائي لا يملك عصا سحرية بحيث يشفي كل الأمراض، والعلاج بالتنويم الإيحائي ليس بديلا عن الدواء في بعض الحالات ويفضل في حالات اخرى أن يتم العلاج معا كفريق واحد بإستشارة الطبيب المختص والمعالج بالتنويم ، فهناك فرق بين المرض النفسي وبين العارض النفسي، فالمرض النفسي مثل المرض الجسدي يحتاج إلى تشخيص وعلاج من قبل استشاري ومتخصص نفساني، أما العوارض النفسية مثل الضيق والتوتر والتدخين وتخفيف الوزن وتحسين المستوى الرياضي وغيرها فيقدم لهذا الصنف دعم لتوجيه الفكر أي تغيير التفكير السلبي إلى إيجابي، مثل الحزن العادي أو أي حالة سلبية مفأجاة التي تختلف عن الاكتئاب مثلا، لذلك يتطلب من المعالج بالتنويم الإيحائي أن يطور قابلياته ومهاراته العلمية والعملية لأنه لا يمكن لبعض المعالجين بالتنويم الإيحائي وهم يحملون شهادات أخذوها في أسابيع أو أشهر مقارنة بالاطباء وعلماء النفس وبقية العلماء المتخصصين الذين تدربوا ودرسوا لمدة سنوات، فعلى الناس أن يختاروا المعالج الناجح ليجدوا النتيجة الإيجابية.
الاقتران الخاطئ للتنويم الإيحائي لدى بعض الناس بالسحر أو التنويم الترفيهي المسرحي الذي يبين خطئاً فقدان المنوم “النائم” فيه سيطرته على ذاته ووقوعه تحت تأثير المنوم “كما يشاع” على الرغم من أن ذلك ليس حقيقا. كما أن الأفلام السينمائية والعروض المسرحية والتلفزيونية ومن أجل الترويج والهزل قد أفقدت الفائدة العلاجية كثيراً من مصداقيتها العلمية. كما أن هناك بعض المنومين غير المتخصصين محدودي الخبرة والفهم مارسوا التنويم الإيحائي بصورة استغلالية. والترويج الخاطئ من أن المنوم “النائم” يظهر كألعوبة في يد المنوم بحيث يمكن للمنوم أن يأمر المنوم “النائم” بما يريد، أو ياخذ منه اسراره وتفاصيل حياته، أو ان المنوم يمكن أن يستغل المنوم “النائم” في أمور منافية للأخلاق والقانون في أثناء التنويم، وهذا غير صحيح حيث أن المنوم “النائم” لا يفقد وعيه بالكامل ويشعر بما يدور حوله ولن يكشف أسراره دون إرادته وضد رغبته وهذا هو الفرق بين التنويم الإيحائي العلاجي وبين التنويم الترفيهي المسرحي التجاري ، فهو أداء مسرحي لفترة قصيرة جدا حيث أن المنوم “النائم” يتصرف بشكل كوميدي ويبدو المنوم وكانه يستطيع التحكم الكامل في الشخص المنوم “النائم”، اما التنويم الإيحائي له استخداماته الثابتة في الممارسة العلاجية السريرية وقد يتسمر لعدة جلسات منتظمة، ولا يوجد هناك رد فعل عكسي كما أنه لا يعطي الشخص قدرات وقابليات وهمية خاطئة فوق طاقته كالمشي فوق الفحم الملتهب او تحمل وزن ثقيل على ظهره أو عمل شيء ضد القانون. ماذا يحدث في أول جلسة من التنويم الإيحائي؟: مدة الجلسة عادة ما بين 55 – 60 دقيقة ولكن الجلسة تكون أطول قليلا حيث تؤخذ المعلومات الديمرغرافية والصحية عن المريض والتأريخ المرضي ونوعية الدواء إذا كان المريض تحت العناية الطبية ، واستقصاء الهدف من العلاج وما إذا كانت الجلسات العلاجية تتعارض مع الأدوية أو مع حالة المريض مثلا أمراض القلب وفصام الشخصية والاكتئاب الذهاني، وفهم حياته الاجتماعية والنفسية، وهل هو جاء بتحويله من طبيب العائلة أو جاء بنفسه أو مجرد لأرضاء ناس آخرين، بعدها يتم شرح ماذا سيحدث له من استرخاء جسدي وتركيز ذهني وما الفائدة المتوقعة، وقد نتحدث عن عدد الجلسات التقريبية المقترحة وكذلك رسوم كل جلسة، وإذا كان المريض تحت السن القانوني فإننا نطلب منه احضار ولي الأمر، وعادة يطلب من المريض بالتوقيع مع التاريخ تحت أسفل استمارة معلومات العلاج التي تحتوى على اسمه وعمره وعنوانه ورقم هاتفه واسم طبيب العائلة وإلى اخره لإثبات أن العلاج تم بموافقة المريض وبناءا على رغبته، بعدها يتم اعطاء المريض بعض التمارين لكي نعرف أي الطرق المناسبة في التنويم الإيحائي التي يمكن أتباعها مع المريض، حيث توجد طرق وأساليب مختلفة يدخل من خلالها الفرد في حالة التنويم الإيحائي. ومن الأمور المهمة هي بناء الثقة والألفة بين المنوم والمريض، كما أن ديكور غرفة العلاج والموسيقى الهادئة والضوء والرائحة والتهوية ونبرات صوت المنوم وسرعته وشدته وحركات اليدين والعينين وحركات الجسم لها تاثير على عملية التنويم. وطمأنة المريض بأن الجلسة سرية ولن يعرف أحد عن محتوياتها بدون إذنه، فالمحافظة على أسرار الناس مهم جدا في العلاج، وعندما تبدأ الجلسة ويصل المريض إلى حالة الاسترخاء العميق وأغماض العينين يشعر بالأبتعاد التدريجي عن الواقع المحيط به لكنه يستمر في سماع ما يدور حوله ويكون التركيز على نفسه، عندها يكون الشخص أي عقله الباطن مستعداً لتلقي الاقتراحات الإيجابية التي يطرحها المنوم والتي تتعلق بحالة المريض، ففي هذه الاثناء يسترخي عقل الوعي وتدخل اقتراحات المعالج المفيدة إلى عقل اللاوعي مباشرة الذي يكون مستقبلاً لها والعمل بها وفي العادة يكون الشخص صامتاً مسترخيا أو ربما يطلب منه التكلم أو التاشير بأصبعه أو تحريك رأسه وهو تحت تأثير التنويم لأخذ إيجابات علاجية معينة. وعندما يستيقظ المريض أو يخرج من التنويم يشعر بالإنتعاش والتفاؤل وتكون أفكاره إيجابية، وعلى الإنسان أن لا يعتمد على هذا العلاج فقط بل أن يحاول جاهداً بالإرادة والقوية والمثابرة، “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
وعلى العموم وبأختصار هذا الذي يحدث في الجلسة الأولى، وقد تختلف من معالج إلى آخر ومن مريض لآخر ومن طريقة تنويم إلى أخرى، مع الأخذ بالأعتبار الحساسية المرهفة وقوة الخيال للمريض، فالقابلية للتنويم تكون عالية في مرحلة الطفولة من عمر السادسة وتزداد إلى المراهقة والشباب وتبدأ بالانحدار مع كبر السن. وقد نجد أن بعض الاشخاص لا يستجيبون بسهولة لعملية التنويم الإيحائي كأفراد القوات المسلحة ورجال الدين. ولا يستجيب الأشخاص الواقعون تحت تأثير الخمر والمخدرات، أو الذين يعانون من الهوس والشيزوفرانيا ، لعدم استطاعتهم التركيز الذهني والاسترخاء، والتأكيد على العقل الباطن يأتي من كونه يمثل مخزن المعلومات والعادات والذكريات والرغبات. إن العقل الباطن ” اللاوعي”، يمثل 90% وهو قادر على تسجيل 50 لقطة في الوقت الواحد وعقل الوعي يدرك لقطتين في الوقت الواحد، لذلك فإن أي خلاف بين الوعي واللاوعي يكون غالبا لصالح العقل الباطن، ومن هنا تأتي أهميته في استقبال الاقتراحات الإيجابية المفيدة في التنويم الإيحائي.
ما هي الحالات التي يمكن علاجها بالتنويم الإيحائي؟: العلاج بالتنويم الإيحائي من أكثر الوسائل سلامة وفاعلية لمعظم حالات الأمراض، فاستخداماته متعددة ومنها يساعد على الاسترخاء واستعادة النشاط، التوقف عن التدخين وتخسيس الوزن الزائد ، علاج التوتر والقلق، زيادة الثقة بالنفس والتغلب على المخاوف، تحسين القدرة على التذكر والتعلم، المساعدة في رفع درجة مقاومة الجسم للأمراض، معالجة الأرق وتخفيف الآلام، صداع الرأس وآلام الشقيقة، تحسين الأداء الرياضي وتحسين أداء رجل المبيعات، تحسين العلاقات العامة والقدرة على التحدث وإزالة الخجل، الضعف الجنسي والأمراض النفسية الجسدية، قطم الأظافر ومص الأصابع وشد الشعر، تهيئة المريض قبل العملية الجراحية وبعدها، الولادة والغضب والإدمان وغيرها.
المصدر : البروفيسور كريم سهر