يقيك تحضيرك النفسي هذا من الوقوع في الكثير من الصدمات والمعاناة؛ ولكن مهما سعيت لأن تقي نفسك من العلاقات المؤذية، سيبقى هناك شخصيات خطيرة جداً لا ينفع معها التحضير النفسي؛ ذلك لأنَّ أفعالها غير متوقعة البتة، ولا تستطيع معها أن تختبر خصلة من خصال الشر، لأنَّك ستختبر الشر بذاته وكليته وكامل طاقته؛ ولعلَّ أخطر هذه الشخصيات “الشخصية السيكوباتية”.
لقد جعلت هذه الشخصية الأشياء التي لا يمكن تصديقها حقيقة واقعة، وجمعت كلَّ الأفعال السيئة التي لا يمكن تصور جمعها، وكسرت كلَّ القواعد التي بدت أنَّها عصية عن التهشيم.
نعم، إنَّها شخصية شريرة بكلِّ معنى الكلمة، وقد وهبت نفسها لخدمة رغباتها وأهوائها وأحلامها اللامنطقية والسلبية، والتزمت التزاماً مطلقاً بتحقيق ما تريد، حتى وإن كلفها الأمر النيل من كرامة الآخرين وحرياتهم ومشاعرهم.
إنَّها لا تعرف معنى السعي، وتبرع في استغلال الآخرين والتلاعب بمشاعرهم للوصول إلى غايتها، وتعتقد أنَّ الكون كلُّه يدور حول ذاتها فقط، وتكون مستعدة دوماً للتضحية بأقرب الناس لها في سبيل مصالحها الشخصية؛ فهي الشخصية الأكثر بعداً عن الإنسانية، وهي شيطان بهيئة بشر، وتؤمن إيماناً مطلقاً بكلِّ ما هو سلبي ومؤذٍ وعدواني، وتتبنى مقولة “أنا ومن بعدي الطوفان”.
لعلَّ من بين أكبر تحديات الحياة أن يتقاطع طريقك مع شخصية سيكوباتية، والأسوأ أن يكون قد حدث ذلك بالفعل، لكنَّك لا تدرك أنَّك عالق في شراك شخص سيكوباتي؛ لذا اخترنا أن نعرِّفك اليوم بكلِّ ما يخص الشخصية السيكوباتية، وسماتها، وكيفية التعامل معها.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لكشف الكاذبين من حولك
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/ms29gfXz6iE?rel=0&hd=0″]
ما هو اضطراب الشخصية السيكوباتية؟
هو اضطرابٌ نفسيٌّ يكون صاحبه معادياً للمجتمع وكارهاً له، بحيث يُسقِط كلَّ أمر سلبي يتعرض إليه في حياته على المجتمع والظروف، ولا يكون قادراً على التحكم بانفعالاته ورغباته، ويفعل أيَّ أمر سيء للحصول على ما يحتاجه، ولا يأبه بمشاعر أحد؛ فهو مستعد للتعدي على حريات الناس وحقوقهم وممتلكاتهم في سبيل الوصول إلى غاياته.
إنَّه شخص عنيف جداً، ومحترف في النصب والاحتيال والتجسس والكذب والنفاق، وغيور وحاسد جداً، ومؤذٍ للآخرين.
ما سمات الشخصية السيكوباتية؟
تبدأ بوادر اضطراب الشخصية السيكوباتية في الظهور منذ مراحل الطفولة، وتأخذ الشخصية شكلها الأعمق والأقوى في مرحلة المراهقة، وتنضج تماماً في عمر 18 سنة.
لدينا نوعان للشخصية السيكوباتية، هما:
- السيكوباتي العدواني: يكون شخصاً عنيفاً ومؤذياً، ويتعامل مع الناس بأسلوب فظ، ويستخدم القوة والتسلط في تعامله مع الآخرين.
- السيكوباتي المبدع: يعدُّ من أذكى المخلوقات على وجه الأرض، وصاحب كاريزما، ومؤثر جداً في الناس، وقادر على جذب ما يريد بأخبث الطرائق، ويرتدي ثوب التقوى؛ لكنَّه شيطانٌ من الداخل.
ولكي نشخص اضطراب السيكوباتية لدى شخص ما، يجب أن نلحظ فيه كلَّ هذه السمات مجتمعة:
1. الكذب المستمر:
يميل السيكوباتي إلى الكذب المستمر؛ فهو محترف فيه، وتجده يكذب دون أن تظهر عليه علامات الكاذب إطلاقاً.
قد يكذب السيكوباتي للتهرب من مسؤوليته بخصوص أمر ما، أو لإخفاء خطئه وإلحاقه بشخص آخر، مسبباً بذلك أذية له.
2. الإدمان:
تظهر علامات الإدمان على السيكوباتي بدءاً من أيام المراهقة، فتجده يدخن بشراهة، أو يتعاطى المخدرات والكحول، وقد يسرق أهله في سبيل الحصول على المواد التي يدمنها.
3. الفشل وعدم المسؤولية:
رغم مظهره القوي، لكنَّه شخص كسول، وغير قادر على الالتزام بشيء؛ فهو مراهق طائش لا يأبه بدراسته، ويتغيب عن دروسه؛ كما أنَّه طالب عنيف مع أصدقائه، حيث يضربهم ويسبب لهم الأذى، وقد يتعدَّى على مدرسيه في بعض الأحيان.
يستغل السيكوباتي -بعد عمر الـ 18 سنة- الآخرين بطريقة أكبر للوصول إلى غاياته؛ وإن التحق بعمل ما، فلا يوليه أيَّ التزام؛ فهو غير أمين، وضميره ميت، ولا يعرف معنى المسؤولية واحترام العمل.
4. القرارات السريعة ذات النتائج الكارثية:
لا يدرس السيكوباتي قراراته، ولا يأبه بنتائجها؛ فهو يقرر بسرعة وحسب، ولا يتحمل مسؤولية النتائج الكارثية التي يمكن أن تحل بعائلته بعد قراره ذاك.
5. كسر القواعد وإيذاء العائلة والابتزاز:
لا يسمع المراهق السيكوباتي نصائح أمه، ويتمرد على سلطة والده؛ فهو كائن مسيطر يعشق التحكم بالآخرين، ولا يمانع ابتزاز أهله مالياً، ويميل إلى كسر القواعد.
يتعامل السيكوباتي العدواني بطريقة مكشوفة، وقد يعرِّض نفسه إلى الملاحقة القانونية؛ في حين يميل السيكوباتي المبدع إلى اتباع طرائق ملتوية في منتهى الذكاء، بحيث لا ينتبه إليه أحد.
6. حب السيطرة والتلاعب بالآخرين:
يعشق السيكوباتي السيطرة؛ لذا إن كان في علاقةٍ مع أحد، فسيسعى إلى فصله عن كلِّ المحيطين به ليتمكن من السيطرة التامة عليه.
من جهة أخرى، يعيش السيكوباتي على حساب الآخرين، فلا يضيع أيَّ فرصة يستطيع أن يستغل فيها الآخرين أو يبتزهم أو يحتال عليهم؛ وهو أناني وحاقد جداً، ولا يعرف معنى الحب، ويتعامل مع الناس على أنَّهم أدوات للوصول إلى غاياته.
7. الخيانة:
لا يملك السيكوباتي نضجاً انفعالياً، ويكون عبداً لرغباته وشهواته، فتجده دائم الانتقال من علاقة إلى أخرى، سواء أكان عازباً أم متزوجاً؛ فلا يراعي القيم الأخلاقية ولا مشاعر الآخر، ولا يعرف إلَّا شهوته، ولا يرغب إلَّا في إشباعها.
8. الإسقاط وغياب الأهداف:
لا يملك السيكوباتي أهدافاً واقعية، ولا يملك خطة للمستقبل؛ فقد يخطط لهدفٍ خياليٍّ ويفشل في تحقيقه، بسبب كونه غير واقعي ولا يتناسب مع مؤهلاته؛ ولكنَّه عوضاً عن الاعتراف بذلك، يبدأ توجيه اللوم إلى المجتمع، متهماً إياه بأنَّه السبب في كلِّ فشله.
9. عدم الاعتذار وقلب الحقائق:
لا يعتذر السيكوباتي مطلقاً، ولا يشعر بالذنب؛ فإن حاولت إثارة عواطفه ولومه على تصرفاته السلبية معك، فلن يستجيب لك، وسيجعلك المذنب بحقه، وقد ينتهي الحديث باعتذارك منه؛ إذ إنَّه محترف في قلب الحقائق رأساً على عقب.
لكن ومن جهة أخرى، إن شعر السيكوباتي المبدع أنَّ الأمور لا تسير في مصلحته، سيلجأ إلى تمثيل دور البراءة، ولن يتردد في الاعتذار بشدة من الطرف الآخر؛ وذلك لكي يحكم قبضته على الأمور من جديد.
10. الأذى والتخريب:
يتبنى السيكوباتي الأذى والتخريب، ويستوطن الشر في دمه، فتجده عاشقاً لتخريب الممتلكات العامة.
ما أسباب تكوُّن الشخصية السيكوباتية؟
1. الاستعداد الوراثي:
تزداد نسبة استعداد الشخص للإصابة باضطراب الشخصية السيكوباتية إن كان لديه أقارب من الدرجة الأولى مصابون بهذا الاضطراب.
2. التربية القاسية:
تعدُّ التربية القاسية والعنيفة عاملاً أساسياً في خلق شخص معادٍ للمجتمع.
3. حرمان الحنان:
يؤدي حرمان الطفل من أمه في أول ستة أشهر من حياته إلى زيادة احتمال إصابته باضطراب الشخصية السيكوباتية.
4. تجارب قاسية:
يؤدي تعرض الطفل إلى تجارب قاسية في طفولته، كالظلم الشديد، وحوادث الاغتصاب أو التحرش الشديدة والمتكررة؛ إلى زيادة احتمال إصابته بهذا الاضطراب.
ما علاج الشخص السيكوباتي؟
- على الأهل أن يتَّبعوا أسلوب التهديد مع السيكوباتي في حال تماديه، كأن يهددوه بتبليغ الجهات المختصة عنه في حال ارتكابه أشياء غير مسؤولة.
- على الأهل عدم إعطاء الثقة له، وعدم تصديق وعوده؛ فهو محترف في تمثيل دور البراءة.
- على الأهل الابتعاد عنه أحياناً؛ وذلك لكي يشعر أنَّهم قادرون على التخلي عنه بأيِّ لحظة، وأنَّه لم يعد هو المسيطر.
- على الأهل أن ينصحوه بطريقةٍ غير مباشرة، كأن يقرؤوا كتاباً إنسانياً بصوت عال، ويدعونه إلى الذهاب معهم إلى نشاطٍ خيريٍّ يقومون به.
- على الأهل مناقشته باللغة العقلانية التي يفهمها، كأن يقولوا له: “إن استمريت على هذه التصرفات السلبية؛ فستخسر منصبك وأموالك”.
- على الأهل معرفة أنَّ هذا الاضطراب خطيرٌ جداً، ويستلزم دائماً العلاج عند طبيبٍ نفسيٍّ مختص؛ حيث يتضمن العلاج أدوية نفسية غالباً.
- أمَّا بالنسبة إلى من يملك شريكَ حياةٍ سيكوباتياً، فعليه الانفصال عنه بأسرع وقت، مع أخذ الأولاد في حال وجودهم؛ فهذه العلاقة مدمرة جداً بالنسبة إليهم.
- على كلِّ من يملك في حياته شخصاً سيكوباتياً الحذر الشديد منه، ومحاولة الابتعاد عنه ما أمكن.
- عدم التفكير في الانتقام منه، ذلك لأنَّه سيؤذيك حينئذ بشكل لن تتصوره مطلقاً؛ بالإضافة إلى أنَّ الرغبة في الانتقام تحمل مشاعر سلبية ومدمرة لصاحبها.
لذا، علينا وقاية أطفالنا من هذا الاضطراب من خلال:
- مراقبة سلوكات أطفالنا؛ فإن ظهر فيها العنف، علينا معرفة سببه. قد تكون قلة الحنان والاهتمام سبباً للعنف، أو وجود علاقة مشوهة وعنيفة بين الأبوين، أو وجود تمييز بين الأولاد.
- زرع حب الله في قلب الطفل منذ سنواته الأولى، على أن يرى أبواه يجسدان القيم الإنسانية في تعاملاتهما مع الآخرين.
- تدريب الطفل على تحمل المسؤولية، بحيث يعي حقوقه وواجباته، ويتحمل لوحده نتائج قراراته.
- تعليم الطفل ثقافة العطاء ومساعدة الآخرين، وعدم ربط المكافأة بالمال دوماً، بل تقديم مكافأة معنوية أو هدية له؛ بحيث يبتعد بذلك عن الابتزاز وربط كلِّ شيء بالمال، وعشق الأخذ فقط.
- يتعلم الطفل من السلوكات؛ لذلك كونوا قدوة حسنة لأطفالكم في كلِّ شيء، واطلعوا على كلِّ أساليب التربية الحديثة؛ فأطفالكم أمانة في أعناقكم، ويستحقون منكم السعي وبذل الجهد في تربيتهم تربية سليمة وصحية.
الخلاصة:
حافظوا على فلذات أكبادكم، فالمنزل هو بداية كلِّ بذرة خير أو شر في الحياة؛ لذلك اتقوا الله في تربيتكم لهم، واسعوا إلى جعلهم أصحاء نفسياً وجسدياً، وأغدقوهم بالحب والدفء والحنان، وترجموا لهم القيم الإنسانية في سلوككم اليومي معهم.
المصادر: 1، 2، 3