كيف يؤثر الخوف من فيروس كورونا في نفسية وسلوك البشر؟

الخوف من العدوى يمكن أن يغير من سلوك البشر من التعامل الاعتيادي مما يجعلنا نتصرف بشكل غير مألوف.

Share your love

Getty Images

نادراً ما احتل الخطر الناجم عن أي مرض هذا القدر من تفكيرنا واهتمامنا. فعلى مدار أسابيع عدة، كل صحف العالم تقريبا تنشر اخبارا وتقارير مفصلة عن وباء فيروس كورونا على صفحاتها الأولى. أما محطات الإذاعة والتلفزيون فإنها تكرس كل تغطياتها تقريبا وعلى مدار الساعة لآخر تطورات انتشار الوباء وأعداد المصابين والضحايا.

كما أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالإحصاءات المخيفة أو النصائح العملية أو الكوميديا السوداء.

إن هذا السيل المستمر من الأخبار عن هذا الوباء قد يؤدي إلى زيادة القلق وبالتالي التأثيرعلى صحتنا العقلية. لكن الشعور المستمر بالتهديد قد يكون له آثار أخرى أكثر فداحة على حالتنا النفسية.

وعلى ضوء بعض تغير وتطور استجاباتنا تجاه المرض فإن مخاوفنا من الإصابة قد تقودنا إلى أن نصبح أكثر انسجاما مع المعايير السائدة ونتصرف مثل بقية أفراد الجماعة وأقل قبولاً للخارج عن المألوف، كما تصبح أحكامنا الأخلاقية أكثر صرامة ومواقفنا الاجتماعية أكثر تحفظاً عند النظر في قضايا مثل الهجرة أو الحرية الجنسية والمساواة.

كما إن التذكير اليومي بالمرض قد يؤثر حتى على توجهاتنا السياسية.

قد تكون التقارير الأخيرة حول زيادة كراهية الأجانب والعنصرية بالفعل أولى الدلائل على ذلك، وإذا صحت تنبؤات البحث العلمي فقد تعكس تحولات اجتماعية ونفسية أعمق بكثير.

Getty Images

جهاز المناعة السلوكي

مثل الكثير من جوانب النفس البشرية، يجب فهم ردود فعلنا تجاه المرض في سياق تاريخي. فقبل ولادة الطب الحديث، كانت الأمراض المعدية واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد بقاء البشر.

ويمتلك جهاز المناعة بعض الآليات المدهشة لمواجهة وقتل الأجسام الغريبة التي تصيبنا بالأمراض. لسوء الحظ فإن ردود فعل جهاز المناعة تجعلنا نشعر بالنعاس والخمول، مما يعني أن أسلافنا لم يكونوا قادرين على القيام بأنشطة أساسية مثل الصيد أو التجمع أو تربية الأطفال عندما كانوا يصابون بأمراض.

التعرض للإصابة بمرض له كلفة بدنية، فعلى سبيل المثال ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء الحمى ضروري للاستجابة المناعية الفعالة، ولكن هذا يؤدي إلى زيادة في استهلاك طاقة الجسم بنسبة 13٪. وعندما يكون الطعام شحيحاً فإن ذلك سيكون مسألة خطيرة.

يقول مارك تشالر من جامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر بكندا: “إن الإصابة بالمرض والسماح لهذا الجهاز المناعي الرائع بالعمل أمر مكلف فعلاً”. إن ذلك يشبه الحصول على التأمين الطبي، “من الرائع أن يكون لديك هذا التأمين، لكنه متعب جداً عندما تضطر إلى استخدامه”.

أي شيء يقلل من خطر العدوى في المقام الأول يقدم لنا ميزة واضحة للبقاء. لهذا السبب، طور البشر بلا وعي مجموعة من الاستجابات النفسية، أطلق عليها تشالر “جهاز المناعة السلوكي”، لتكون بمثابة خط الدفاع الأول لتقليل اتصالنا مع مصادر الأمراض المحتملة.

يعد رد فعلنا وشعورنا بالاشمئزاز واحداً من أكثر مكونات نظام المناعة السلوكية وضوحاً. عندما نتجنب أشياء ذات رائحة كريهة أو طعاماً نعتقد أنه ملوث، فإننا نحاول بشكل غريزي الابتعاد عن العدوى المحتملة. مجرد شعورنا بأننا قد أكلنا بالفعل شيئاً فاسداً يمكن أن يقودنا إلى القيء، وإخراج الطعام قبل أن تتاح للعدوى فرصة الاستقرار. تشير الأبحاث إلى أننا نميل أيضاً إلى تذكر المواد التي تثير الاشمئزاز بقوة أكبر، مما يسمح لنا بتذكرها وبالتالي تجنب المواقف التي قد تعرضنا لخطر الإصابة بالعدوى لاحقاً.

نظرًا لأن البشر من الكائنات الاجتماعية التي تطورت للعيش في مجموعات كبيرة، فقد قام نظام المناعة السلوكي أيضًا بتعديل تفاعلاتنا مع الناس لتقليل انتشار المرض، مما أدى إلى ولادة نوع من التباعد الاجتماعي الغريزي.

يمكن أن تكون هذه الاستجابات بدائية تماما، حيث لم يكن لدى أسلافنا فهم للأسباب الخاصة لكل مرض أو طريقة انتقاله. وتقول لين آرو من جامعة آرهوس في الدنمارك: إن جهاز المناعة السلوكي يعمل وفق مبدأ “من الأفضل البقاء سالما بدلاً من الإحساس بالندم”.

وهذا يعني أن الاستجابات غالباً ما تكون في غير محلها، وقد تنشأ بسبب تلقي معلومات غير ذات صلة وبالتالي تتغير عملية اتخاذ القرار الأخلاقي وآراؤنا السياسية بشأن قضايا لا علاقة لها بالتهديد الذي نواجهه.

الموافقة أو المغادرة

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!