تعريف إجرائي :
رسالة خفية Message subliminal
Subliminal” هي كلمة تتكون من جزأين” Sub”ويعني بالفرنسية “en dessous” أي” تحت” و“limen ” أي” limite “وهي” الحدود” .
يراد بها رسالة تكمن تحت حدود الوعي أي هي مثير مضمريصل إلى حواسنا( السمع والبصر والشم…) دون أن يلتقطه الوعي، وهدفه التأثير.
هيإذن رسالة تدرك بحواسنا يلتقطها اللاوعي ويخزنها ، ليتم تحليلها عن طريق الدماغ دونأن تصل إلى وعي الإنسان.
كراف وشاكتر باحثان عملا على دراسة كيفية تأثيرتجربة ما ماضية دون تذكرها..هذا التأثير قد يسهم وييسر عملية التعلم بدون وعي .
مكتسبات وقدرات عديدة تظهر خلال نمو الطفل بدون أن نعاين أو نكتشف سمتهالإرادية والواعية أو المقصودة. مثلا : الطفل قادر على إنتاج جمل صحيحة من ناحيةالقواعد اللغوية قبل حتى أن يتعلم القواعد اللغوية …كيف تكونت هذه القدرات ؟؟ هلنستطيع طرح السؤال أن الطفل يتعلم بطريقة لاواعية ؟؟أي لا إرادية ؟؟ وبدون أن يفعلانتباهه ؟الجواب أن هناك منظومة قواعد تتطابق مع معارف داخلية والتي أخذها أوتعلمها بطريقة أوتوماتيكية أو تلقائية من المحيط اللغوي الذي يغوص فيه.
فيالتسعينات اهتم علم النفس التجريبي بدراسة المظاهر اللاواعية للذاكرة عند الإنسانوخاصة قياسها ، وكان أول من استعمل المنهجية التجريبية هو ابنكوس .فكان الاهتمامبالغا بإشكالية إمكان المعالجة التلقائية للمعلومة خارج مستوى الوعيوالإرادة…
كيف يتم الالتقاط اللاواعي للرسائل الخفية ؟
قديرى الفرد منا إعلانا ما يضمن مثيرا فيدركه بشكل لاواعي ويترك أثرا على الأفكاروالشعور والسلوك.
صورة ملتقطة من العين تبقى مطبوعة لمدة1/10 من الثانية عوض أنتختفي بشكل فوري في لحظة التقاطها الشيء الذي يجعل من الصورة التي تلي تأخذ وقتاللعرض والوصول إلى العين.
إذا أدرجنا صورة لا تمت بصلة مع أحداث الفيلم ( مثلامشروب ما : رسالة مدرجة بشكل صغير وفي وقت قليل ) المشاهد لا يستطيع أن ينتبه لذلكبصفة واعية لسرعة عرضها ،لكن تلتقط بخلايا العين ، تمر بتحليلات من طرف الدماغ الذييعطي لها معنى ، فتخزن، وتصبح قابلة للتأثير على أفكار ومشاعر وسلوك المشاهد ، وذلكفي المواقف التي تستدعي الرجوع إليها، وهنا دور الذاكرة الضمنية ، وكما نعلم أناللاوعي هو خزان الخيال والأحلام والمخاوف…والاستجابات التي تأتي منه تكون أقلتوقعا وأقل سيطرة وتمكنا عند الإنسان.
الرسائل الخفية استخدمت في مجالات عديدةومختلفة كالمجال السياسي للتأثير في الانتخابات ، في الفن التشكيلي ومن اشتهر بهاهوالرسام سالفادور دالي ، ومجال الإعلام في الأفلام والمسلسلات المصورة ، وفي نشراتالأخبارو ألعاب الفيديو وفي أيامنا هذه طالت حتى الانترنيت… الهدف منها هوالتأثير على سلوكيات الفرد الاستهلاكية، أي هدف تجاري واقتصادي وكثيرا ما كان أيضاعقائديا وإيديولوجيا.
حين ندرج إذن رسالة خفية في إعلان ما ، يعمل الدماغ وبشكللاواعي على الربط والتقريب بين الإعلان والشيء الذي يروج له، النتيجة هو الربط بينمفهومين مثلا ساعة فاخرة تربط بقوة داخلية ، أو إشهار لنوع من الهواتف المحمولةتحمله امرأة جميلة وجذابة وجسدها نصف عاري ، يربط لاوعي الإنسان الهاتف بالرسالةالخفية التي وجهت له وهي الجمال والشباب والجاذبية و…و… وقد يتأثر وينساق إلىذلك النوع من الهواتف ليشتريه وهو لا يدرك بصفة مباشرة وواعية لماذا اختار هذاالهاتف ولم يختر آخر.
هذا ما يسمى في علم النفس با” الإدراك الخفي ” perception subliminale ” والذي يعرف عموما على أنه الحالة أو الموقف الذي يمر بهالإنسان يتضمن مثيرات يدركها بدون الانتباه إليها.
دراسات عديدة تشير مثلا أنمعالجة سميائية قديمة مخزنة في مستوى اللاوعي أوتمثلا لاواعيا لكلمة، يطرأ عليه نوعمن التداخل مع تمثل لكلمة قريبة من الأخرى على المستوى السميائي ، وهذا ما يفسروصول الرسالة الخفية إلى لاوعي الإنسان وإدراكه لها وتفاعله معها في مواقف كثيرة منحياته بدون أدنى وعي وإرادة منه.
في ميدان علم النفس التجريبي أبحاث ويلسن كونستو زجونك برهنت على أن التعرض البسيط لمثير يكفي لأن ينتج تفضيلا لهذا المثير وخاصةإذا كان العرض لهذا المثير خفيا بمعنى” sublimlinal ”
لماذا؟؟ حسب رأيي لأن هذاالمثير بتأثيره اللاواعي لا يخلق فيك مقاومة ومقاومة الشيء لا تأتي في أغلب الأحيانإلا حين تكون في كامل وعيك وإرادتك.
من هنا بدأت الأبحاث حول ما نسميه ب”المضخةالإدراكية ” والتي تقول بوجود تأثيرات لاشعورية لمثيرات تحدث لنا عموما وليس فقط فيمظاهر التلاعب بالإنسان كما يحدث في ميدان الإعلان والإعلام.
المضخةالإدراكية ومستويات الذاكرة :
أبحاث علم النفس المعرفي تقول طبعا بإمكانيةتأثير اللاشعور.
حدد الباحثان تولفين و شاكتر في دراستهما لمستويات الذاكرة ماسميانه ب” منظومة المتمثلات الإدراكية ” système de représentations perceptives” فصنفا بالتالي الذاكرة الضمنية والذاكرة العلنية.
1-الذاكرة الضمنية” mémoire implicite” تشير إلى عملية تخزين المعلومات بدون وعي بعوامل تعلمها أو اكتسابها .
الذاكرة الضمنية تساعد على التحسن أو التقدم في القدرة على القيام بعمل مابعيدا عن الاسترجاع الواعي والإرادي لهذا العمل ” (كراف وشاكتر 1995)( مثل الطفل فياكتسابه اللاواعي للقواعد اللغوية)
المضخة الإدراكية “l’amorçage perceptif ” هونظام مستقل عن القدرة الواعية للتذكر وهو ينطوي على نظام واحد أو أنظمة أخرى منالذاكرة الضمنية .دورها ضخ المعلومة المخزنة في اللاوعي يعني استرجاعها وتذكرها (دائما بصفة لا واعية) في مواقف التعلم.
2-الذاكرة العلنية mémoire explicite تشير إلى التعبير عن تجربة شخصية وواعية.
الجديد في تصنيف تولفينوشاكتر للذاكرة أنها عبارة عن محتوى لمعاني وليس فقط عمليات استرجاعية إرادية أو لاإرادية لمعلومات مخزنة.
دراسة الفرق بين الذاكرة الضمنية والذاكرةالعلنية ( أو التصريحية أو الإرادية ) ظهرت في الثمانينات إبان التجارب التي أجريتعلى عدد من الأشخاص فاقدي الذاكرة وهي تعد من الأبحاث الأساسية في علم النفس.وقدخلصت هذه الأبحاث إلى النتائج التالية :
بعض الأفراد فاقدي الذاكرة أظهروا علىأنهم غير قادرين على تذكر الأحداث الحديثة أي أنه وقع الخلل لديهم في الذاكرةالعلنية، بينما حفظت القدرات الذهنية الأخرى.
في دراسة لوارينتن وويسكرانز (1968-1977) أجريت تجربة أخرى وهي تتمثل في قراءة بعض الكلمات من طرف فاقدي الذاكرة، فلم تكن لهم القدرة على تذكرها ، بينما كانت لهم القدرة على تذكر الكلمات التيعرضت عليهم الحروف الأولى منها .وهذا الذي بين أن الذاكرة الضمنية والمسئولة عناللاوعي تبقى محفوظة.
هذا المستوى من الذاكرة المحفوظ عند فاقدي الذاكرة، نجدهأيضا عند أفراد سليمين ودراسته تشكل مجالا أساسيا في أبحاث علم النفس.
وقد صنفتعدة اختبارات للذاكرة منها ما سمي بالاختبارات الضمنية وهو ينبني على الذاكرةالضمنية أي الهدف منها هو استرجاع المعلومات اللاواعية المخزنة أو المضمرة فيالذاكرة ، والروائز الضمنية لا تتطلب بالضرورة تذكرا واعيا وإراديا لتجارب منالماضي.( وهي روائز عرضية وغير مباشرة أو قد نسميها طارئة كالرائز الذي يعرض أولحروف الكلمات ) دوره أنه يبني أثر التعلم أو يسهله ويأتي تبعا لتعرض الفرد إلىالمعلومة سابقا وبشكل لاواعي ومن غير أن يدرك أنه تعرض لها.(ريشاردسون وبجورك 1988 )
أما الروائز المسماة بالعلنية ( أو المقصودة أو المباشرة ) من سماتهاأنها تعمل على استرجاع الأحداث من الماضي بطريقة واعية ،
استثمار هذهالنظريات حول اللاوعي والذاكرة في الإعلان والإعلام.
فيكاري الذي كان يشتغلفي ميدان “الترويج والإعلان ” صرح أنه في ظرف 6أاسابيع أن 45.699 شخص أمريكي تعرضوالرسائل خفية في فيلم ” بيكنيك ” تتعلق بمادتي الذرة المقلية وكوكا كولا .
هذهالرسائل كانت تظهر كل خمس ثواني لمدة 3/1000 ثانية أي لمدة قصيرة جدا تجعل الشخص لاينتبه للرسالة على مستوى الوعي، فيكاري ادعى أن في تلك المرحلة ارتفعت مبيعات الذرةالمقلية ب 57
بالمائة وكوكاكولا ب18.1 بالمائة.
في السبعينات أصبحتالإعلانات تستعمل هذه الرسائل الخفية للتأثير على الناس ، فاستعملوها في إطارالمشروبات الكحولية، واستعملوا رسائل جنسية في كثير من الأفلام ومن أشهرها الأفلامالكارتونية لديزني، وفي ترويج بعض الأفكار الإيديولوجية: دفع الناس إلى الانتحار فينوع من الأغاني أو الموسيقى ونذكر منها موسيقى الروك التي كانت تتضمن عبارات مقلوبةسميت بالرسائل الشيطانية..من يقول أن المجموعة الموسيقية الشعبية المسماة ببيتلزوالتي كان عدد مبيعات بعض ألبوماتها بالملايين لم تترك الأثر البالغ في الشبابالعالمي من حيث إيديولوجيات التمرد والتعاطي للمخدرات والتميز ببعض اللباسالخاص…ويلسون براين كي في كتابه : “خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام ” يعرض دراسته وتحليله لهذه المجموعة الموسيقية ويقول: ” البيتلز أصبحوا الأنبياءالممتازين في ثقافة المخدرات ، وترويجها على مر العصور…المجتمع الغربي (خصوصاإنجلترا وأمريكا الشمالية ) قد أشبع وأتخم باستخدام المخدرات الواسع الانتشار عبرسنوات من التوجيه الإعلامي الدوائري والكحولي والسجائر.أجهزة الإعلام منذ عهود أسستشرعية مقبولة ثقافيا لاستعمال المحاليل الكيميائية للمشاكل العاطفية. أما بالنسبةإلى صناعة الموسيقى ، فقد توسعت خطوة إلى ما بعد المنتجات المنزلية النفسية المنشأ،فقد توسعت إلى الاستخدام الجنوني للمخدرات من قبل المراهقين، وكان ذلك واضحا ببساطةشديدة ، بحيث يستطيع حتى الطفل تخمين وكشف ذلك.وبالفعل، فالأطفال قد أدركوا ذلكلاشعوريا ، أما بالنسبة لأولئك الذين خارج النطاق، فلم يستطع- حتى أحكمهم- كشف ذلك،ولا حتى كان قادرا على تخمين أسلوب الترويج الذي تم استخدامه.”
كل التقنياتاللاشعورية استخدمت وتستخدم لحد الآن في الإعلام خاصة الإعلام الأمريكي: الجنس،رمزية الموت، التضمين والإخفاء ، التلاعب بالصور ، الموسيقى التصويرية ،الصوت الذييعد مهما جدا في التأثير اللاشعوري وكمثل نأخذ أفلام السينمائي ألفريد هيتش كوكالذي أكد أن الصوت كان من أكثر العوامل الحيوية التي عملت على إنجاح أفلامه وبشكلفاق الخدع البصرية.
يقال أن الإعلان هو فن الإقناع، وليس في الإعلان وحتى فيالإعلام خاصة الغربي منه صدف بل كل شيء مدروس…
وعلينا أن نعي بأن هناك مراكزأبحاث ودراسات تشترك فيها كثير من الفعاليات والتخصصات المختلفة من علماء نفسوعلماء اجتماع واقتصاديين وسياسيين وعلماء لغة وفناني تخطيط…في بلورة الإعلانوالإعلام.
ما تعرضنا له في أبحاث علم النفس المعرفي عن الذاكرة الضمنية التي تمتفي الثمانينات بدأ يشتغل به في ميدان الإعلان والإعلام ابتداء منالتسعينات..فاستعملت الروائز الضمنية في سبل التأثير على السلوك اللاواعي للمستهلكخصوصا حين يستنتج في الدراسات أن تفاعل المستهلك مع الإعلان ضعيف..
أصبح الإعلاميتلاعب بالإنسان بشكل يفوق التصور خاصة في ميدان الاستهلاك، يقول كونراد لورينز فيكتابه ” الخطايا الثمانية المميتة للرجل المتحضر” :إنه مهم.. للمنتج الرأسمالي …أن يتم تكييف الأشخاص في الزي والأشياء التي لا يمكن مقاومتها..نحن الشعب الغربيأصحاب الحرية المزعومة لم نعد واعين للمدى الذي أصبحنا فيه مستغلين من قبل القراراتالتجارية للمنتجين ”
ويعرض ويلسون براين كي في كتابه “خفايا الاستغلال الجنسيفي وسائل الإعلام” :”إحدى أهم الاكتشافات في الدراسات التي أدت إلى هذا الكتاب هوأن الثقافة –خصوصا الثقافة الأمريكية ..- هي منتج مصنع اليوم.وأجهزة الإعلام هيالمصانع.من خلال خلق تقنية مادية واسعة، قام البشر بخلق ذلك الوهم ، بأنهم قادرونعلى السيطرة على بيئاتهم.تلك الأوهام جعلتهم أكثر عرضة للقوات والتأثيرات التيتتعلق باللاوعي، وبالعقل الباطن.”
لقد نجحت أجهزة الإعلام الغربية ، من السينماإلى التلفاز إلى المجلات…برسائلها الخفية التي تتسرب إلى اللاوعي وتخزن في ذاكرةضمنية تساهم في تشكيل سمات لشخصية الإنسان على الأقل الإنسان الغربي، من بينهاالنزعة الواضحة للاستهلاك والرفاهية ، الزيادة في التوتر والقلق، النزعة إلى العنفبشتى أشكاله …يؤِكد ويلسون براين كيي أن المواقف نحو الموت والقتل مثيرة..وذلكتحت تأثير البرمجة اللاواعية التي يمارسها الإعلام من منبر الأفلام المصورة وهذامثل من الأمثلة العديدة التي تحدث: ” ولد بعمر 14 سنة شنق نفسه في كندا في 1974بينما كان يحاول تقليد مشهد شنق وهمي نفد في التلفاز لأحد نجوم موسيقى الروك “.
قام أحد الإعلاميين الأمريكيين” بإجراء مقابلات مع العديد من المجرمينالمراهقين.أحدهم قام بالاعتراف-عرضا-عن حوالي 15 أو 16 جريمة على الأغلب جميعهاحدثت أثناء سرقات.
الولد سئل : ” بماذا شعرت أثناء وبعد حالات القتل؟
” لاشيء”، أجاب في نبرة صوتية واقعية.
ثم سأله: لا شيء؟ حتى وعندما تمددوا علىالأرض وهم ينزفون ويتلهثون؟”
“لا لاشيء، حقا لقد كان الأمر كمشاهدة لمسرحية أوفيلم تلفزيوني. لم يكن الأمر حقيقيا.” من كتاب خفايا الاستغلال الجنسي في وسائلالإعلام.
نظرا لتفشي مثل هذه الأحداث على المجتمعات الغربية كانت هناك محاولاتأمريكية وكندية وبريطانية وبلجيكية لتشريع أو لتحريم أي مادة إعلانية تستعمل أدواتتتلاعب بلاشعور الإنسان ،لكنها كلها محاولات باءت بالفشل نظرا لمواجهة تجارية قوية، ولمصلحة مادية خطيرة، تدوس بالتالي على القيم الإنسانية السامية وتدمر الروحالفردية.وحتى محاولات الأمم المتحدة في الإخبار أن التقنيات اللاواعية لها استعمالدولي واسع ومؤثر في وكالات الإعلان الأمريكية باءتبالفشل.
وماذا عنا نحن ؟؟
حينما نقرأ نشأة النظريات الاقتصاديةالغربية وتجلياتها على مستوى الحياة العامة التجارية والاقتصادية للدول الغربية نجدأن المحور الإيديولوجي لهذه النظريات هو مبدأ المصلحة ، ومبدأ البقاء للأصلحوللأقوى ( المستمد من النظرية الداروينية)
الكتاب والباحثون والمنظرونالغربيون من هم ؟؟ هم بنوا آدم . ماهي مرجعياتهم ؟؟ عموما هي النظريات الغربية التيتنبني بالأساس كما أشرت على النظرية الداروينية والتي تأسست مبدئيا في علوم الأحياء، فأخذت بها علوم الاقتصاد وأصبحت فرضية البقاء للأصلح أيضا في الاقتصاد وبما أنالإيديولوجيات الاقتصادية الغربية هي التي تهيمن على العالم ، في نظامها الرأسمالي “ومظهر الديمقراطية الاجتماعية ” فلك أن تتخيل تبعات وخطورة تأثيرها على الذهنيةالعربية والإسلامية التي لا ترى بوضوح ما تعيش فيه وما تتخبط فيه من تأثيراتومشاكل، وحسب كثير من المحللين الحروب التي تحاك في العالم عموما ضد الشعوب الضعيفةبما فيها نحن هي حروب لخدمة هذه الإيديولوجية الداروينية الاقتصادية والاجتماعية،وبالتالي لخدمة النظام الرأسمالي الذي يحيى بموت وتدمير الآخر…والأمثلة كثيرة فيالتاريخ و من واقعنا …لقد تم إبادة الهنود الحمر في أمريكا وغيرهم من الشعوب وفقالهذه الإيديولوجية وتموه هذه الحقائق بشعارات وكلام جميل عن الديمقراطية والحريةوالسلام واحترام الآخر… ومنبر التواصل مع العالم هو وسائل الإعلام.
ولك أمثلةأخي القارئ عن أرباب الداروينية الإجتماعية:
يقول البروفسور ريتشاردهوتزتارد:”إن أول عمل يقوم به منشئو المستعمرات هو تنظيف الأرض من الحيواناتالمتوحشة، وأكثر هذه الحيوانات إفسادا هو الإنسان المتوحش ”
قال السيناتوربفريج : إن الإله لم يقم بإعداد الشعوب الناطقة بالإنجليزية آلاف السنين عبثا أوللإرادة الكسولة.لا إنما جعلنا سادة لتنظيم العالم، ولإقامة النظام في كل مكانتحكمه الفوضى. لقد جعلنا نتكيف ونتطور في شكل دول حتى ندير الحكومات بين المتوحشينوالشعوب الخرفة العجوز “
جون فيسك يعد من فلاسفة الداروينية الذين استعملوهالتبرير الاستعمار، يقول : إن العنصر الأنجلو- سكسوني هو أصلح الأجناس البشرية، وإنهفي المستقبل سوف ينتشر هو ولغته وثقافته في أربعة أخماس الكرة الأرضية…”
ومماقاله الرئيس ثيودور روزفلت :” في هذا العالم، إن الأمة التي تدرب نفسها على حياة لاتتسم بالطابع الحربي هي أمة محكوم عليها بالزوال، قبل الأمم التي لم تفقد مزاياالرجولة والمغامرة ” صناعة الإرهاب للدكتور عبد الغني عماد.
هذه أمثلة عنالنظرية الداروينية التي استفحلت واكتسحت الفكر الغربي والذي انعكس بدوره في مختلفالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية…والذي يطال تأثيره العالمبأكمله…
إذا تأملنا في واقعنا فسنجد أننا لسنا في منأى عن الإعلام الغربيورسائله اللاواعية بل تأتينا وتدخل عقر دارنا لتترك بصماته على شخصية الإنسانالعربي والمسلم، فتزلزل بالتالي قيمه وتوابثه ، خطة ممنهجة ومدروسة لإبقاء هذهالشعوب تحت التأثير اللاواعي وقد نجحوا إلى أبعد حد مع عملائهم الذين هم من دمناوأبناء جلدتنا،( وأنا شخصيا لا أريد التركيز على أطروحة المؤامرة رغم وجودها وبشدة، ولكن تركيزي هو أكبر في النهوض إلى الوعي و العمل لدفع هذه المؤامرة.) نلحظ ذلكفي إعلامنا المليء ب”الكليبات” الفاضحة والتي تلعب بالأجساد وبمشاعر الناس ، منخلال سهرات الرقص والغناء ذات المستوى الدنيء، من خلال المسلسلات المدبلجة والتيتجعلك لاشعوريا تتعاطف مع القصة ولكن تدس لك سما يضرب القوانين الأخلاقية والقيميةفي نفس الإنسان العربي خاصة شبابنا ونساءنا ، كأن تضرب قيمة العلاقة المقدسة بينالزوجين ، وقيمة الصبر والوفاء والإخلاص بينهما ، تزعزع القيم المتعلقة بالعلاقةبالوالدين من احترام وبر وتكريم لهما..وتضرب أيضا قيمة العمل للوصول إلىالنجاح…كما يدمر في نفوسنا الإحساس بهويتنا وبخصوصية ثقافتنا وأهميتها في بناءالإنسان السوي، بكرامتنا أيضا، فكم لاحظنا في الإعلام الغربي (خاصة بالنسبة ليالفرنسي ) من رسائل خفية وخادعة حول القضية الفلسطينية..كأن تعرض على شاشة التلفازصورا مؤثرة عاطفيا لأطفال إسرائيليين والحقيقة في الخبر أن الكلام يتمحور حول غارةإسرائيلية على أبناء فلسطين، ويصبح المشاهد الغربي وبطريقة لاواعية يتعاطف مع الطفلالإسرائيلي على حساب الطفل الفلسطيني . أو يتكلمون عن حدث إرهابي وقع في إسبانيامثلا لا يكون للعرب أو للمسلمين يد فيه ،ويتكلمون مباشرة عن حدث إرهابي يخصهمويؤكدون رسائلهم المموهة للحقائق بصور تعرض لأشخاص عرب إن تأملت فيها ترى تعبيرالعنف والصرامة وعدم الأناقة في المظهر..رغم أن….
كما يقول علينا الكاتبالمغربي المهدي المنجرة في كتابه “الإهانة “:”العالم العربي الإسلامي أي مليار و600مليون شخص هو الذي تعرض لأكبر عدد من المهانات الخارجية والداخلية، التي قضت على مايناهز العشرة ملايين شخص في العشر سنوات الأخيرة من القرن العشرين…ومن بين ساحاتالمعارك..نذكر..أفغانستان، الجزائر، البوسنة، كرواتيا، مصر، أرثيريا، الهند، إيران،الأردن، اندونيسيا، العراق، الكشمير، لبنان، نيجريا، باكستان، فلسطين، الفلبين، سينكيانع، الصومال، السودان،الشيشان…” ” المشاهد في التلفزيون، الخاصة بفلسطين أوالعراق، عبارة عن إهانة يومية، كما أن تعاليق وسائل الإعلام العربية مذلة أقسىبالنسبة للذين يتعلق بهم الأمر..”….. وإنك لتجد هذه الرسائل الخفية حتى في بعضالكتب المدرسية أو قصص الأطفال المكتوبة بالفرنسية، كمثل أن تعطى الصورة السلبيةللطفل الذي له اسم عربي…ناهيك عن القصص المصورة التي تروج للعنف وسفك الدم فيأعلى مستوياته أحيانا…والتي تأخذ بعقول شبابنا خاصة الذكور.
هناك برمجةلاشعورية هائلة تمارس على الإنسان في مجتمعاتنا .ونحن نتساءل لماذا لا نتغيربالسرعة التي يجب رغم جهود الكثيرين منا ؟؟؟ الجواب هو أننا مكبلين بأخطر الميادينالمسئولة على ذلك وهو تعليم معيق وإعلام مدمر…
مادام الإعلام والتعليم فاسدينفلننتظر أن نأخذ وقتا لإزالة الفساد من المجتمعات العربية والإسلامية…
نحننتكلم عن معضلة التعليم في مجتمعاتنا وتعليمنا ينهك قوى وقدرات أطفالنا وشبابنا ليسفي ذلك استثناء فحتى الفنية منها..بمناهجه التقليدية والرافضة لمنطق التجديد والتيتنبني على حشو في المعلومات ويغلب عليها الطابع النظري على حساب الجانب التطبيقيالمهاري…
لو أننا وعينا بخطر التعليم والإعلام في تشكيل شخصية جيلنا ، لو أنناأدركنا أن البعض منا يمضي أوقاتا مع أبنائه ليبني قيما في التربية الأخلاقيةوالدينية والنفسية…ويأتي التعليم والإعلام لإجهاض هذه الجهود أو على الأقللإضعافها..
لو أننا في مدارسنا نخصص وقتا في الشهر لقضية الإعلام وخطورته فيبلورة وتشكيل خيال ونفسية أبنائنا لتقدمنا أكثر في التغيير..
عدم تأثير كثير منالشباب وعدم تفاعلهم الإيجابي لعدد من الأحداث اليومية وفي تواصلهم مع آبائهم راجعلتأثير وبرمجة هذا الإعلام المرئي والمسموع وحتى المقروء على أذهانهم وبالتاليسلوكهم.وهذه الظاهرة ألمسها في العيادة النفسية :بعض الشباب مسمى عليه مسلم ولكنليس له صلة بنباهة الإسلام ومسؤولية الإسلام ، شباب قلوبهم غلف ، ولماذا ؟؟ لأنالكثير منا ترك نفسه ونفوس فلذات كبده منفتحة لاستيعاب وتلقي ما تفرزه وسائلالإعلام بما فيها الانترنيت ، ( لا أتكلم هنا عن الإعلام البناء الذي نشهد ولادتهاليوم والحمد لله ) بدون أن يحرك ساكنا في الاتجاه المعاكس والذي قد يدفع شيئا ممايحاول هذا الواقع بتناقضاته وتفسخ قيمه فرضه عليهم وكل ذلك بطريقة لاواعية.
انفتحنا على العالم بأكمله، وأصبح العالم قرية صغيرة، فبقدر ما هوخير لنا إن استثمرنا هذا الانفتاح بإيجابية، بقدر ما هو شر لنا إن تركنا التأثيراتالسلبية لهذا العالم تدخل عقر دارنا وبدون رقيب، فلنجعل هذه الحقيقة بينأعيننا.
خطوات عملية للحل:
1- انتبه إلى كل ما تراه أو تسمعهأو تقرؤه في الإعلام، خاصة الإعلام الغربي، والإعلام العربي الذي يؤكد التبعيةله.وتساءل ماذا تأخذ منه ؟وماذا يريد هذا الإعلام إيصاله كرسائل للناس ، وخذ الصالحوتجاوز الطالح.
2- انتبه إلى من أنت مسئول عنهم، إلى أين هم متوجهون ؟ ماذايرون أثناء فراغهم من برامج تلفزيونية، على ماذا يشتغلون في الانترنت؟؟ وماذايقرؤون؟؟
3- الحث على عمل الشباب في مجموعات تتشارك نفس القيم ولها نفسالأهداف والرؤية ، فالقرين يحفز على التعليم ، العمل على تأطيرهم بهدف ترسيخ قيمومهارات لدفع هذا الوباء الذي يهدد أبناءنا.
4- ادعم الوعي والتآزر وارفع عننفسك ما ألفه العرب والمسلمون في أيامنا هذه وهو أني مسئول عن نفسي وأسرتي ولا يهمالآخرون بل على المسلم أن ينفع أينما حل، وحاول التغيير ولو بكلمة.
5- شجعمن له قابلية للإبداع من أبنائك في الإعلام للعمل على بناء إعلام نظيف أخلاقي وغيركاذب ولا مخادع ولا مموه للحقائق كما يحدث غالبا في الإعلام الغربي. يحضرني هناالمخرج السينمائي مصطفى العقاد رحمه الله الذي أبدع في الإعلام، فأخرج أفلاما كانلها بالغ التأثير الإيجابي في أنفس الملايين من غربيين وشرقيين.
6- العملعلى إنشاء مراكز أبحاث ودراسات في الإعلام وجودته، هدفه الأول تطوير إعلام عربيوإسلامي مستقل يتناغم وخصوصية ثقافتنا وهويتنا وثوابتنا…
7- المربونوالمدرسون والمدربون وخطاب الجمعة وكل مسئول.. عليه –حسب رأيي- القيام بدورات أو محاضرات أوورشات تتطرق لموضوع الإعلام: أخذ قصة مصورة واحدة أو برنامج وثائقي أوغير ذلك من الوسائل …وعرضهوتحليله ومناقشته مع الحاضرين ( أطفالا أو شبابا أو راشدين ) لاستنباط الرسائلالخفية وتحديد تأثيراتها على المشاهد في أفكاره ومشاعره وسلوكه وبالتالي شخصيتهومصيره.
8- اقرأ ثم اقرأ، قراءة شمولية تتجاوز التخصص، فكلمة “اقرأ “هي أولما تنزل من القرآن الكريم، أجدها كلمة سحرية تفتح باب الوعي والعلم وبناء فكر راقيبه يبنى الإنسان وتبنى الحضارة.
أرجو أن أكون بلغت ولو كلمة خيرواحدة..وأسألكم الدعاء .
صليحة الطالب
لمراجع:
ويلسون براين كي ،خفايا الاستغلال الجنسي في وسائل الإعلام. ترجمة :محمد الواكد الأوائل 2005
المهدي المنجرة ، الإهانة في عهد الميغاإمبريالية. الطبعة الرابعة، مطبعةالنجاح الجديدة 2005
عبد الغني عماد، صناعة الإرهاب.دار النفائس، بيروت 2003
Apercu du livre psychologie cognitive .Par Jean-luc Roulin et All. (Recherche internet)
Message subliminal (recherche internet )