أثر البعد الشكلاني في رسومات القطري حسن الحداد

يشكل البورتريه أحد أهم الأساليب التشكيلية الواقعية التي يستند إليها التشكيلي حسن الحداد، فهو يبني فضاءات أعماله باعتماد بورتريهات بخاصيات فنية متنوعة، ثم يحول بعضها إلى تعبير أيقوني، ليفصح عن عدد من العوالم التشكيلية المضمرة في حيز جمالي يعبر بها بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وبعلامات لونية، تمتح من أسلوبيته الخاصة، ومن […]

أثر البعد الشكلاني في رسومات القطري حسن الحداد

[wpcc-script type=”f2c2e3f3812144cb579e7da6-text/javascript”]

يشكل البورتريه أحد أهم الأساليب التشكيلية الواقعية التي يستند إليها التشكيلي حسن الحداد، فهو يبني فضاءات أعماله باعتماد بورتريهات بخاصيات فنية متنوعة، ثم يحول بعضها إلى تعبير أيقوني، ليفصح عن عدد من العوالم التشكيلية المضمرة في حيز جمالي يعبر بها بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وبعلامات لونية، تمتح من أسلوبيته الخاصة، ومن واقعيته التعبيرية، التي تستهدف كوامن شخوصه البورتريهية التي تتوقف على مناحي جمالية دافئة، وحادة أحيانا، تبعا لطبيعة التعبير والمكابدة الفنية التي تحول الشخوصات إلى قوة مفعمة بالحركة في كل تجلياتها، وفي كل تقاسيمها بدءا من العينين والفم، ما يغير حركة الوجه ويلبسه صورة أخرى بتعبيرات حتمية تنبع بصدق من نفسية المبدع، بعد أن ينسجها إلهامه واجتهاداته في قوالب جمالية معاصرة.
وبذلك، فإن أعمال الفنان الإبداعية تتبدى فيها اجتهادات وقوة تعبيرية يقارب بها المضامين المضمرة في العمل التشكيلي، بالمادة البصرية التي تشكلها عين القارئ، ليصنع بذلك انسجاما بينه وبين أحاسيس القراء. وعلى الرغم من واقعية أعماله؛ فإن انفعالاته الإبداعية وما يسكبه من قوة حركية تجعل هذه الأعمال مثقلة بالإيحاءات والرمزية، التي تنطق بأشياء أخرى منبثقة من المفردات الفنية والأشكال التعبيرية. فأعماله التشكيلية تجسيد كبير لتضمينات الواقع، ولعمق الحدث واللحظة الشكلية التي تنصهر في أعماق التكوين التشكيلي والجمالي، وهي تنفذ مباشرة إلى أعماق القارئ. كما أن الموضوعات التي تشتملها، تتوافر فيها أحيانا اللحظات الانفعالية والرؤية الموضوعية، وتتبدى فيها تجليات الواقع واللحظة العضوية للعمل الفني.


هذا التوافر يجعل من أعماله نطاقا جماليا معاصرا لا يخلو من المنجز التعبيري، وإن كان بسياقات مختلفة؛ إلا أنه يصب في الصياغة التشكيلية ذات التصورات المقترنة بالتحليل الخفي ذي الدلالات الترميزية الحاشدة لمختلف عناصر المادة التشكيلية، في شكل وجودي يتعمد إشراك الحس والعنصر البصري. وتشكل الحركة عنصرا أساسيا في أعماله، إذ تجعلها نابضة بالحيوية، ومرتبطة بمعالجاته الشكلانية، ومن حيث المضامين المضمرة، ومن حيث اللون الصافي الذي يتبدى في أبهى جمالياته، وهو يتوزع بين الكتل الشكلية والشخوصات في نطاق الضوء والظل، بدقة تفصيلية، وبنوع من الموضوعية، ما يجعل أعماله تحظى بشحنات من التفاعليات، وبأبعاد فنية حقيقية ملموسة من الواقع. وتلعب التقنيات التي يستعملها المبدع دورا محوريا في تأسيس عمل فني معاصر، وهي تقنيات عالية الجودة، إلا أنه يتوق من خلال توظيفها إلى عملية المعالجة الشكلية، وإبراز العمل الفني في رونق وإبداع، وفق تجربته الفنية العالمة، ووفق حساباته التقنية الموفقة للعب دور فعال، من خلال التعبير بكل أشكال البورتريه والصور الواقعية، ما يجعل أسلوبه يجوب هرم التشكيل المعاصر. فسحرية البورتريه المعاصر وفق أسلوب فني يقترن باللون الصافي الجذاب في بؤرة من التجليات الجمالية بمؤثرات حسية بصرية، ليضحى المجال اللوني والجمالي منسجما مع العوالم الإبداعية في أعماله، فيجعل المفاتن الفنية تتبدى في واقعية تعبيرية تذكي روح التفاعل والخيارات الإبداعية. وتظهر القيمة الزمنية في حركية العناصر المكونة لأعماله؛ وأيضا في ارتباط الواقع بالحاضر والمستقبل، في سياق توليفي يمتزج فيه التعبير الرؤيوي والتعبير الحسي بالمجال السيميائي، ليصنع مجالا تعبيريا رمزيا بشخوصات متنوعة، وبأشكال منظمة، قوامها المهارات الفنية والأداء العالي الجودة، والقدرات التشكيلية الكبيرة، ما يجعل المادة التشكيلية قابلة لتعدد التأويلات، خاصة مع وجود قيم فلسفية وفكرية وجمالية.
إن استخدام الفيكيراتيف بتوظيف اللون الصافي بتدرج مدروس من الأبيض إلى نقيضه يسمح لأعماله بأن تتفرد بخاصيات فنية وجمالية. إنه بتفاعله اللوني والشكلي ينجز تعبيرا معاصرا، ولونا تشكيليا متخصصا، ينبني على قاعدة ثابتة، باختيارات وتوجهات صريحة ومباشرة، تستلهم من الفن المعاصر مكوناته الأساسية، وتستجلي عناصره الإبداعية، ويزيد ذلك اتضاحا من خلال عدة توظيفات منها، توزيع المساحة واللون والشكل والخامة، إذ يقود ذلك إلى إنتاج فني متناسق يضفي على أعماله قيمة جمالية. وبذلك تشكل أعماله عالما شاسعا وعميق الرؤى الفنية، ومليئا بالتعابير والدلالات والمعاني، بأسلوب متفرد يضرب في عمق التشكيل المعاصر بوهج وابتهاج.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!